
ثم نبه على البعث بقوله:
٥ - ﴿فَلْيَنْظُرْ﴾ (١) قال مقاتل: يعني: (الذي يكون منه) (٢) المكذب بالبعث (٣).
﴿مِمَّ خُلِقَ﴾. أي من أي شيء خلقه الله، والمعنى: فلينظر نظر التفكير
والاستدلال حتى يعرف أن الذي ابتدأه (٤) من نطفة قادر على إعادته.
ثم ذكر من أي شيء خلقه فقال:
٦ - ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ قال ابن عباس (٥) ومقاتل (٦): يعني: المني الذي يكون منه الولد.
قال الكلبي: من ماء مهراق في رحم المرأة (٧).
والدَّفْق صَبُّ الماء، يقال: دفقت الماء أي صببته، وهو مدفوق
(١) ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: ع.
(٣) "فتح القدير" ٥/ ٤١٩، ورد بمعناه في "تفسير مقاتل" ٢٣٦/ ب.
(٤) في: أ: ابتدأ.
(٥) "الوسيط" ٤/ ٤٦٥، وقد ورد بمثل قوله من غير نسبة في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٧٣، "البحر المحيط" ٨/ ٤٥٥، "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٣٢.
(٦) ورد بمعناه في "تفسير مقاتل" ٢٣٦/ ب.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.

(ومندفق) (١) أي منصب (٢) و ﴿دَافِقٍ﴾ هَاهنا معناه - مدفوق.
قال الفراء: وأهل الحجاز أفعل لهذا من غيرهم، يجعلون الفاعل مفعولًا إذا كان في مذهب نعت كقولهم: سرُّ كاتم، وهمٌّ ناصب، وليلٌ نائم، قال: وأعان على ذلك أنها وافقت رؤوس الآي التي هي معهنّ (٣).
وقال الزجاج: معناه من مَاءٍ ذي دَفْقٍ، وكذلك: سرٌّ كاتم، وهذا قول جميع النحويين (٤).
وقد أحكمنا الكلام في هذه المسألة عند قوله: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ﴾ (٥).
(٢) انظر ذلك في: مادة: (دفق): "تهذيب اللغة" ٩/ ٣٩، "الصحاح" ٤/ ١٤٧٥، "لسان العرب" ١٠/ ٩٩.
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ٣٥٥ بتصرف.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣١١، قال: معناه مدفوق، ومذهب سيبويه وأصحابه أن معناه النسب إلى الاندفاق، المعنى: من ماء ذي اندفاق، ولعل الإمام الواحدي نقل قول الزجاج من "تهذيب اللغة" ٩/ ٣٩: مادة: (دفق)، فقد ورد فيه بمثل ما نقل الواحدي عن الزجاج.
(٥) سورة هود: ٤٣، قال تعالى: ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾: ٤٣، ومما جاء في تفسير ﴿لَا عَاصِمَ﴾: قال.. ولا يجوز -هاهنا- أن يكون المعصوم عاصمًا، هذا وجه في الاستثناء. قال أبو إسحق: ويجوز أن يكون عاصم في معنى مَعصُوم، ويكون معنى لا عاصم: لا ذا عصمة، كما قالوا: "عيشة راضية"، على جهة النسب، أي ذات رضًا، ويكون "من" على هذا التفسير في موضع رفع، ويكون المعنى: لا معصوم إلا المرحوم. وقد أجاز الفراء أن يكون الفاعل بمعنى المفعول نحو قوله: ﴿مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ معناه مدفوق. وقال علماء البصرة: ماء دافق بمعنى مدفوق باطل من الكلام، لأن الفرق بين الفاعل وبناء المفعول واجب، وهذا عند سيبويه وأصحابه يكون على طريق النسب من غير أن يعتبر فيه فعل، فهو فاعل نحو: رامح، ولابن، ومعناه: ذو =