
ربه لأن الكافر يعطى جزاء أعماله الحسنة في الدنيا حتى لا يبقى له عند الله شيء يكافئه عليه في الآخرة «وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ» على فعل الطاعة وترك المعصية مع إيمانهم وعملهم الصالح «وَتَواصَوْا» وصّى بعضهم بعضا عند ما يجتمعون ويتفارقون «بِالْمَرْحَمَةِ ١٧» على عباد الله وسائر خلقه «أُولئِكَ» المتواصون والمار وصفهم هم «أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ١٨» المباركون المعنيّون في الآية ١٠٠ من الإسراء الآتية الذين يعطون كتبهم بأيمانهم أو من جهة اليمين وهم السعداء (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) الآية ٥٩ من سورة يس الآتية فهم الذين يكونون من جهة الشمال ويعطون كتبهم بشمالهم المعنيون بقوله عز قوله «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا» وماتوا على كفرهم «هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ ١٩» المتموتون المشئومون الذين «عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ ٢٠» قدمنا ما يتعلق في تفسير هذه الجملة في تفسير الآية ٨ من الهمزة المارة فراجعها هذا والله أعلم، واستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تفسير سورة الطارق عدد ٣٦- ٨٦
نزلت بمكة بعد سورة البلد، وهي سبع عشرة آية، وإحدى وستون كلمة، ومائتان وتسعة وثلاثون حرفا. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى:
«وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ ١» أقسم جل قسمه بسمائه لأنها مسكن لملائكته الكرام ومعدن أرزاق الناس وغيرهم من خلقه. قال تعالى (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) الآية ٢٢ من الذاريات في ج ٢ والطارق هو النجم الذي يظهر ليلا، وتنفصل منه الشهب للشياطين الذين يسترقون السمع فتستوحي منه الشياطين ما تقدمه للمنجمين فيعتمدونه في علومهم، مما يخرجون الناس به من نور الإيمان إلى ظلمة الكفر، والرجم هو التكلم بالظن ومنه الرجم بالغيب. راجع الآية ٥ من سورة تبارك، والآية ١٨ من سورة الحجر في ج ٢، وكل من أتاك ليلا فهو طارق، ويطلق على العلو والرفعة قالت هند: نحن بنات طارق نمشي على النمارق. تريد ان أباها نجم في علوه وشرفه. وليعلم ان القسم بهذه الأشياء هو قسم بربها، وعليه يكون المعنى، ورب السماء

ورب الطارق، ورب الشمس، ورب القمر، ورب التين، وهكذا. ثم نوه جلّ شأنه بعظم هذا النجم على سبيل الاستفهام الدال على التفخيم فقال «وَما أَدْراكَ» أيها الإنسان الكامل «مَا الطَّارِقُ ٢» الذي أقسمنا به، هو «النَّجْمُ الثَّاقِبُ ٣» في إضاءته وإنارته المتوهج المتوقد الذي يتقد سناه في الظلام، وسبب نزول هذه السورة هو ان أبا طالب جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأتحفه بخبز ولبن، فبينما هو يأكل إذ انحط نجم فامتلأ ماء ثم نارا ففزع أبو طالب وقال أي شيء هذا؟ فقال صلّى الله عليه وسلم هذا نجم رمى به وهو آية من آيات الله فعجب أبو طالب ونزلت، وجواب القسم «إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ ٤» من ربها موكل بحفظها من الآفات ويحفظ عليها عملها ويحصيه ويهيء لها رزقها إلى بلوغ أجلها، وإن في صدر الآية نافية بمعنى إلا أي ما كل نفس الا عليها حافظ وقرنت لما بالتخفيف وعليه تكون ان مخففة من الثقيلة، واللام في لما اللام الفارقة بين ان النافية وان المخففة من الثقيلة، وما للتأكيد وعليه يكون المعنى أن كل نفس لعليها حافظ، وكلاهما جائز، والأول أحسن وأبلغ وعليها المصاحف. قال تعالى «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ» الذي يرى نفسه كبيرا ويتعظم بقوته على غيره، وفي هذه الآية إشارة إلى أبي الأشد المار ذكره في السورة السابقة، وهذا من جملة المناسبات التي قد تأتي بين السور، وهكذا قد يكون بين كل سورة والتي تليها مناسبة على ترتيب النزول، وقد يكون أيضا على ترتيب المصاحف، أي فليتفكر ذلك الإنسان المعجب بقوته «مِمَّ خُلِقَ ٥» أخفى مادة خلقه لكونها لا شيء، ثم صرح بها بقوله «خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ ٦» الدفق صب مع دفع أي مصبوب بشدة في الرحم لعظم ما ينتج عنه من هذا الإنسان المنطوي على كمالات لا تعد ولا تحصى ثم بيّن منبع ذلك الماء بقوله «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ» من الرجل و «التَّرائِبِ ٧» من المرأة وإنما خصّ هذين الموضعين وهو في الأصل يخرج من جميع الأعضاء لأن أكثره من الدماغ فينصب في عروق الظهر من الرجل، وينزل من عروق كثيرة من مقدم المرأة، فيما بين الثديين. ولهذا قال من بين الصلب وهو عظام الظهر: (وليراجع في
صفحة رقم 275