
قال ابن عباس: هم الحفظة من الملائكة، وقال قتادة: هم حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا ابن آدم قبضت إلى ربّك، وقال الكلبي [وحصين] : حافظ من الله يحفظ قولها وفعلها ويحفظ حتى يدفعها ويسلمها إلى المقادير ثم تخلى عنها «١».
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عمر بن الحطاب قال: حدّثنا عبد الله بن الفضل قال:
حدّثنا سلمة بن شبيب قال: حدّثنا يحيى بن صالح قال: حدّثنا عمر بن معدان عن سلم بن عامر عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وكّل بالمؤمن ستون ومائة ملك يذبّون عنه ما لم يقدر عليه من ذلك للبصر سبعة أملاك يذبّون عنه كما يذبّ عن قصعة العسل الذباب [في اليوم الصائف وما لو بدا لكم لرأيتمونه على جبل وسهل كلهم باسط يديه فاغرفاه وما] «٢» لو وكلّ العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين» [١٢٧] «٣».
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ٥ الى ١٧]
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩)
فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧)
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ أي من أي شيء خلقه ربّه، ثم بيّن جل ثناؤه فقال سبحانه وتعالى: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ أي مدفوق مصبوب في الرحم وهو المني، فاعل بمعنى مفعول كقولهم سرّ كاتم، وليل نائم، وهمّ ناصب، وعِيشَةٍ راضِيَةٍ، قال الفراء: أعان على ذلك أنها رؤوس الآيات التي معهنّ.
والدفق: الصب، تقول العرب للموج إذا علا وانحط: تدفق واندفق وأراد من مائين: ماء الرجل وماء المرأة لأن الولد مخلوق منهما، ولكنه جعله ماء واحدا لامتزاجهما.
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ يعني صلب الرجل وترائب المرأة، واختلفوا في الترائب، فقال ابن عباس: موضع القلادة، الوالي عنه: بين ثدي المرأة، وعن العوفي عنه: يعني بالترائب اليدين والرجلين والعينين، وبه الضحاك، وعن ابن عليّة عن أبي رجاء قال: سئل عكرمة عن التَّرائِبِ فقال: هذه- ووضع يده على صدره بين ثدييه-. سعيد بن جبير: الجيد. ابن زيد:
الصدر. مجاهد: ما بين المنكبين والصدر. سفيان: فوق الثديين. يمان: أسفل من التراقي.
قتادة: النحر. جعفر بن سعيد: الأضلاع التي أسفل الصلب. ليث عن معمر بن أبي حبيبة المدني قال: عصارة القلب، ومنه يكون الولد، والمشهور من كلام العرب أنهما عظام النحر والصدر، وواحدتها تربية. قال الشاعر:
(٢) زيادة عن المصدر.
(٣) مجمع الزوائد: ٧/ ٢٠٩.

وبدت كان ترائبا نحرها | جمر الغضا في ساعة يتوقّد |
والزعفران على ترائبها | شرق به اللّبات والصدر «١» |
ومن ذهب يسن على تريب | كلون العاج ليس بذي غضون «٢» |
وأولى الأقاويل: بالصواب تأويل قتادة لقوله تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ أي تظهر الخفايا، وقال قتادة ومقاتل وسعيد بن جبير عن عطاء بن أبي رياح: السرائر: فرائض الأعمال كالصّوم والصلاة والوضوء وغسل الجنابة، ولو شاء العبد أن يقول قد صمت وليس بصائم وقد صلّيت ولم يصلّ وقد اغتسلت ولم يغتسل لفعل.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا طلحة وابن البواب قال: حدّثنا أبو بكر بن مجاهد قال:
حدّثنا إسماعيل عن عبد الله بن إسماعيل عن ابن زيد يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ قال: السرائر: الصلاة والصيام وغسل الجنابة، ودليل هذا التأويل ما
أخبرنا الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال: أخبرني عروبة قال: حدّثنا هاشم بن القاسم الحراني قال: حدّثنا عبد الله بن وهب عن يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الجبلي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ثلاث من حافظ عليها فهو وليّ الله حقا، ومن اختانهن فهو عدو الله حقا، الصلاة والصوم والغسل من الجنابة» [١٢٨] «٣».
فَما لَهُ: يعني الإنسان الكافر مِنْ قُوَّةٍ تمنعه وَلا ناصِرٍ: ينصره وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ أي ترجع بالغيث وأرزاق العباد كلّ عام، لولا ذلك لهلكوا وهلكت معايشهم، وقال ابن عباس: هو السحاب فيه المطر.
وأخبرنا ابن عبدوس قال: أخبرنا ابن محفوظ قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدّثنا
(٢) المصدر السابق.
(٣) تفسير القرطبي: ٢٠/ ٩.

عبد الرحمن بن مهدي عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ قال: ذات المطر. وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ قال: النبات، وقال أبو عبيدة: الرجع الماء، وأنشد المنحل الهذلي في صفة السيف:
أبيض كالرجع رسوب إذا | ما ثاج في محتفل يختلي «١» |
إِنَّهُ: يعني القرآن لَقَوْلٌ فَصْلٌ: حق وجد وجزل يفصل بين الحق والباطل. وَما هُوَ بِالْهَزْلِ: باللعب والباطل. إِنَّهُمْ: يعني مشركي مكّة. يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً:
وأريد بهم أمرا. فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً: قليلا فأخذوا يوم بدر.
(٢) سورة عبس: ٢٦- ٢٨. [.....]

سورة الأعلى
مكيّة، وهي: تسع عشرة آية، واثنان وسبعون كلمة، ومائتان واحدي وتسعون حرفا.
أخبرني كامل بن أحمد وسعيد بن محمد بن القاسم قالوا: حدّثنا محمد بن مطر قال:
حدّثنا إبراهيم بن شريك قال: حدّثنا أحمد بن يونس قال: حدّثنا سلام بن سليم قال: حدّثنا هارون بن كبير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الأعلى أعطاه الله من الأجر عشر حسنات، بعدد كل حرف أنزل الله سبحانه على إبراهيم وموسى ومحمد» [١٢٩] «١».
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله قال: حدّثنا محمد بن عبد الله قال: حدّثنا عبد الله بن عمر بن أبان قال: حدّثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس إن النبي ﷺ إذا قرأ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال:
«سبحان ربي الأعلى» [١٣٠] «٢»، وكذلك روى عن علي وأبي وموسى وابن عمر وابن عباس وابن الزبير إنهم كانوا يفعلون ذلك
، وروي جويبر عن الضحاك أنه كان يقول ذلك، وكان يقول من قرأها فليقرأها كذلك،
وروي عن علي بن أبي طالب إنه قال: كان رسول الله ﷺ يحب هذه السورة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وأول من قال سبحان ربي الأعلى ميكائيل. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«يا جبريل أخبرني عن ثواب من قالها في صلاته أو في غير صلاته» [١٣١] «٣» فقال: يا محمد ما من مؤمن ولا مؤمنة يقولها في سجوده أو في غير سجوده إلّا كانت له في ميزانه أثقل من العرش والكرسي وجبال الدنيا، ويقول الله سبحانه وتعالى: صدق عبدي أنا أعلى فوق كل شيء وليس فوقي شيء أشهدوا ملائكتي إنّي غفرت لعبدي وأدخلته جنتي، فإذا مات زاره ميكائيل كل يوم فإذا كان يوم القيامة حمله على جناحه فيوقفه بين يدي الله سبحانه فيقول: يا ربّ شفّعني فيه فيقول: شفّعتك فيه اذهب به إلى الجنة.
(٢) عون المعبود: ٣/ ٩٨.
(٣) تفسير القرطبي: ٢٠/ ١٤.