الشَّاهِدُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَشْهُودُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بيانه: قوله: "وإذا أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ" إِلَى قَوْلِهِ "فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ" (آلِ عِمْرَانَ-٨١).
﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤) ﴾
﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾ أَيْ: لُعِنَ، وَ"الْأُخْدُودُ" الشَّقُّ الْمُسْتَطِيلُ فِي الْأَرْضِ كَالنَّهْرِ، وَجَمْعُهُ: أَخَادِيدُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِمْ:
أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدَانَ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَيْشِ بْنِ نُوحِ بْنِ رُسْتُمَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبُرَ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبُرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا، وَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ إِلَيْهِ رَاهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ فَأَعْجَبَهُ، فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ، وَقَعَدَ إِلَيْهِ فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، وَإِذَا رَجَعَ مِنْ عِنْدِ السَّاحِرِ قَعَدَ إِلَى الرَّاهِبِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ فَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ ضَرَبُوهُ، فَشَكَا [ذَلِكَ] (١) إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا [جِئْتَ] السَّاحِرَ فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا [جِئْتَ] (٢) أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ أَمِ السَّاحِرُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ: إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، فَمَضَى النَّاسُ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنِ ابْتُلِيَتْ [فَاصْبِرْ] (٣) فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ، فَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ وَكَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتِنِي، قَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنَتْ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ لَكَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي عَزَّ وجل، قال أَوَ لَك رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ، فَجِيءَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبَرِئُ بِهِ الْأَكَمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، قَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى [فَدَعَا
(٢) في "ب" خشيت.
(٣) زيادة من "ب".
بِالْمِنْشَارِ] (١) فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ [شِقَّاهُ] (٢) ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شَقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذِرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ، [فَذَهَبُوا بِهِ] (٣) فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا، فَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ فَقَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ [إِلَى لُجَّةِ بِحَرِ كَذَا] (٤) فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا [فَاطْرَحُوهُ فِي الْبَحْرِ] (٥) فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا فَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ وَقُلْ: بِسْمَ [اللَّهِ] (٦) رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي. فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ [السَّهْمَ] (٧) فِي كَبِدِ قَوْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: بِسْمَ [اللَّهِ] (٨) رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضْعَ يَدَهُ عَلَى صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ، فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ ثَلَاثًا فَأُتِيَ الْمَلِكُ، فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ بِهَا النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَقْحِمُوهُ فِيهَا أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ، قَالَ: فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّاهُ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ [هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ] (٩) حَمَّادِ بن سلمة. (١٠) حماد بْنِ سَلَمَةَ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ وَهَبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَدْ بَقِيَ عَلَى دِينِ عِيسَى فَوَقَعَ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ [فَدَعَاهُمْ] (١١) فَأَجَابُوهُ فَسَارَ إِلَيْهِ ذُو نُوَاسٍ الْيَهُودِيُّ بِجُنُودِهِ مِنْ حِمْيَرَ وَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ النَّارِ وَالْيَهُودِيَّةِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَخَدَّ الْأَخَادِيدَ وَأَحْرَقَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، ثُمَّ [لَمَّا] (١٢) غَلَبَ أَرْيَاطُ عَلَى الْيَمَنِ فَخَرَجَ
(٢) زيادة من "ب".
(٣) ساقط من "ب".
(٤) في "ب" فتوسطوا به البحر.
(٥) في "ب" فاقذفوه.
(٦) زيادة من "ب".
(٧) ساقط من "أ".
(٨) زيادة من "ب".
(٩) ساقط من "ب".
(١٠) أخرجه مسلم في كتاب الزهد، باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام برقم (٣٠٠٥ (٤ / ٢٢٩٩.
(١١) ساقط من "ب".
(١٢) ساقط من "ب".
ذُو نُوَاسٍ هَارِبًا فَاقْتَحَمَ الْبَحْرَ بِفَرَسِهِ فَغَرِقَ (١) قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَذُو نُوَاسٍ قَتَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ التَّامِرِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أن خربة احتقرت فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَوَجَدُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ التَّامِرِ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى ضَرْبَةٍ فِي رَأْسِهِ إِذَا أُمِيطَتْ يَدُهُ عَنْهَا انْبَعَثَتْ دَمًا وَإِذَا تُرِكَتِ ارْتَدَّتْ مَكَانَهَا، وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ فِيهِ: رَبِّيَ اللَّهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عمر فكتب ١٨٩/أأَنْ أُعِيدُوا عَلَيْهِ الَّذِي وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ (٢)
وَرَوَى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -قَالَ: كَانَ بِنَجْرَانَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ حَمِيرَ يُقَالُ لَهُ: يُوسُفُ ذُو نُوَاسِ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ شَرَحِيلَ فِي الْفَتْرَةِ قَبْلَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بِسَبْعِينَ سَنَةٍ] (٣) وَكَانَ فِي بِلَادِهِ غُلَامٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ تَامِرٍ، وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ سَلَّمَهُ إِلَى مُعَلِّمٍ يَعْلَمُهُ السِّحْرَ فَكَرِهَ ذَلِكَ الْغُلَامُ وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ طَاعَةِ أَبِيهِ فَجَعَلَ يَخْتَلِفُ إِلَى الْمُعَلِّمِ [وَكَانَ] (٤) فِي طَرِيقِهِ رَاهِبٌ حَسَنُ الْقِرَاءَةِ حَسَنُ الصَّوْتِ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ قَرِيبًا مِنْ مَعْنَى حَدِيثِ صُهَيْبٍ إِلَى أَنْ قَالَ الْغُلَامُ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِي إِلَّا أَنْ تَفْعَلَ مَا أَقُولُ لَكَ، قَالَ: فَكَيْفَ أَقْتُلُكَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ أَهْلَ مَمْلَكَتِكَ وَأَنْتَ عَلَى سَرِيرِكَ فَتَرْمِينِي بِسَهْمٍ بِاسْمِ إِلَهِي، فَفَعَلَ الْمَلِكُ [ذَلِكَ] (٥) فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ تَامِرٍ لَا دِينَ إِلَّا دِينَهُ، فَغَضِبَ الْمَلِكُ وَأَغْلَقَ بَابَ الْمَدِينَةِ وَأَخَذَ أَفْوَاهَ السِّكَكِ وَخَدَّ أُخْدُودًا وَمَلَأَهُ نَارًا ثُمَّ عَرَضَهُمْ رَجُلًا رَجُلًا فَمَنْ رَجَعَ عَنِ الْإِسْلَامِ تَرَكَهُ، وَمَنْ قَالَ: دِينِي دِينُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تَامِرٍ أَلْقَاهُ فِي الْأُخْدُودِ فَأَحْرَقَهُ، وَكَانَ فِي مَمْلَكَتِهِ امْرَأَةٌ أَسْلَمَتْ فِيمَنْ أَسَلَمَ ولها أولاد ثلاث أَحَدُهُمْ رَضِيعٌ، فَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ: ارْجِعِي عَنْ دِينِكِ وَإِلَّا أَلْقَيْتُكِ وَأَوْلَادَكِ فِي النَّارِ، فَأَبَتْ فَأَخَذَ ابْنَهَا الْأَكْبَرَ فَأَلْقَاهُ فِي النَّارِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: ارْجِعِي عَنْ دِينِكِ، فَأَبَتْ فَأَلْقَى الثَّانِيَ فِي النَّارِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: ارْجِعِي، فَأَبَتْ فَأَخَذُوا الصَّبِيَّ مِنْهَا لِيُلْقُوهُ فِي النَّارِ فَهَمَّتِ الْمَرْأَةُ بِالرُّجُوعِ، فَقَالَ الصَّبِيُّ: يَا أُمَّاهُ لَا تَرْجِعِي [عَنِ الْإِسْلَامِ] (٦) فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ، وَلَا بَأْسَ عَلَيْكِ، فَأُلْقِيَ الصَّبِيُّ فِي النَّارِ، وَأُلْقِيَتْ أُمُّهُ عَلَى أَثَرِهِ (٧).
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ أَبْزَى: لَمَّا انْهَزَمَ أَهْلُ اسْفِنْدِهَارَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَيُّ شَيْءٍ يَجْرِي عَلَى الْمَجُوسِ مِنَ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بَلَى قَدْ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ، وَكَانَتِ الْخَمْرُ أُحِلَّتْ لَهُمْ فَتَنَاوَلَهَا مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِهِمْ فَغَلَبَتْهُ عَلَى عَقْلِهِ، فَتَنَاوَلَ أُخْتَهُ فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ السُّكْرُ نَدِمَ، وَقَالَ لَهَا: وَيْحَكِ مَا هَذَا الَّذِي أَتَيْتُ، وَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهُ
(٢) انظر: سيرة ابن هشام: ١ / ٣٧-٣٨.
(٣) ساقط من "ب".
(٤) ساقط من "ب".
(٥) ساقط من "ب".
(٦) ساقط من "ب".
(٧) انظر: البداية والنهاية لابن كثير: ٢ / ١٢١.
قَالَتِ: الْمَخْرَجُ مِنْهُ أَنْ تَخْطُبَ النَّاسَ، وَتَقُولَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ نِكَاحَ الْأَخَوَاتِ فَإِذَا ذَهَبَ فِي النَّاسِ وَتَنَاسَوْهُ خَطَبْتَهُمْ فَحَرَّمْتَهُ، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ لَكُمْ نِكَاحَ الْأَخَوَاتِ، فَقَالَ النَّاسُ بِأَجْمَعِهِمْ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا، أَوْ نُقِرَّ بِهِ، مَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيٌّ وَلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا فِيهِ كِتَابٌ، فَبَسَطَ فِيهِمُ السَّوْطَ فَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا فَجَرَّدَ فِيهِمُ السَّيْفَ. فَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا [فَخَدَّ لَهُمْ أُخْدُودًا] (١) وَأَوْقَدَ فِيهِ النِّيرَانَ وَعَرَضَهُمْ عَلَيْهَا فَمَنْ أَبَى وَلَمْ يُطِعْهُ قَذَفَهُ فِي النَّارِ وَمَنْ أَجَابَ خَلَّى سَبِيلَهُ (٢).
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَخَذُوا رِجَالًا وَنِسَاءً فَخَدُّوا لَهُمْ أُخْدُودًا ثُمَّ أَوْقَدُوا فِيهِ النِّيرَانَ فَأَقَامُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهَا، فَقَالُوا: أَتَكْفُرُونَ أَمْ نَقْذِفُكُمْ فِي النَّارِ؟ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ دَانْيَالُ وَأَصْحَابُهُ. وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (٣).
وَقَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ عَنْ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ نَبِيُّهُمْ حَبَشِيٌّ، بُعِثَ [نَبِيٌّ] (٤) مِنَ الْحَبَشَةِ إِلَى قَوْمِهِ، ثُمَّ قَرَأَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ﴾ الْآيَةَ (غَافِرٍ-٧٨) فَدَعَاهُمْ فَتَابَعَهُ أُنَاسٌ فَقَاتَلَهُمْ فَقُتِلَ أَصْحَابُهُ وَأُخِذُوا وَأُوثِقَ مَا أَفْلَتَ مِنْهُمْ فخدوا أخدودًا فملؤها نَارًا فَمَنْ تَبِعَ النَّبِيَّ رُمِيَ فِيهَا، وَمَنْ تَابَعَهُمْ تَرَكُوهُ، فَجَاءُوا بِامْرَأَةٍ وَمَعَهَا صَبِيٌّ رَضِيعٌ فَجَزِعَتْ، فَقَالَ الصَّبِيُّ: يَا أُمَّاهُ مُرِّي وَلَا تُنَافِقِي.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانُوا مِنَ النَّبَطِ [أُحْرِقُوا بِالنَّارِ] (٥) وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَتِ الْأُخْدُودُ ثَلَاثَةً: وَاحِدَةً بِنَجْرَانَ بِالْيَمَنِ، وَوَاحِدَةً بِالشَّامِ، وَالْأُخْرَى بِفَارِسَ، حُرِّقُوا [بِالنَّارِ] (٦) أَمَّا الَّتِي بِالشَّامِ فَهُوَ أَبْطَامُوسُ الرُّومِيُّ، وَأَمَّا الَّتِي بِفَارِسَ فَبُخْتَنَصَّرَ، وَأُمَّا الَّتِي بِأَرْضِ الْعَرَبِ فَهُوَ ذُو نُوَاسٍ يُوسُفُ، فَأَمَّا الَّتِي بِالشَّامِ وَفَارِسَ فَلَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ فِيهِمَا قُرْآنًا وَأَنْزَلَ فِي الَّتِي كَانَتْ بِنَجْرَانَ (٧)، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مُسْلِمًا مِمَّنْ يَقْرَأُ الْإِنْجِيلَ آجَرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ، وَجَعَلَ يَقْرَأُ الْإِنْجِيلَ فَرَأَتْ بِنْتُ الْمُسْتَأْجِرِ النُّورَ يُضِيءُ مِنْ قِرَاءَةِ الْإِنْجِيلِ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِأَبِيهَا فَرَمَقَهُ حَتَّى رَآهُ [فَسَأَلَهُ فَلَمْ يُخْبِرْهُ] (٨) فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَخْبِرَهُ بِالدِّينِ وَالْإِسْلَامِ، فَتَابَعَهُ هُوَ وَسَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ إِنْسَانًا مِنْ بَيْنِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَهَذَا بَعْدَمَا رُفِعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى السَّمَاءِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ يُوسُفُ ذُو نُوَاسٍ فَخَدَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَأَوْقَدَ فِيهَا نَارًا فَعَرَضَهُمْ عَلَى الْكَفْرِ، فَمَنْ أَبَى
(٢) أخرجه الطبري: ٣٠ / ١٣٢.
(٣) أخرجه الطبري: ٣٠ / ١٣٣. وعزاه السيوطي في الدر المنثور: ٨ / ٦٥ لابن المنذر.
(٤) ساقط من "ب".
(٥) انظر: ابن كثير: ٤ / ٤٦٩.
(٦) ساقط من "أ".
(٧) ساقط من "ب".
(٨) ساقط من "ب".