آيات من القرآن الكريم

فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ
ﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿ

[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١٧ الى ٢٢]

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١)
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)
شرح المفردات
الجنود: تطلق تارة على العسكر، وتطلق أخرى على الأعوان والمراد بهم هنا الجماعات الذين تجندوا على أنبياء الله واجتمعوا على أذاهم، فرعون: هو طاغية مصر، ثمود: قبيلة بائدة من العرب لا يعرف من أخبارها إلا ما قصه الله علينا، محيط: أي هم فى قبضته وحوزته كمن أحيط به من ورائه فانسدت عليه المسالك، مجيد: أي شريف محفوظ: أي مصون من التحريف، والتغيير والتبديل.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر قصص أصحاب الأخدود وبيّن حالهم، ووصف ما كان من إيذائهم للمؤمنين- أردف ذلك ببيان أن حال الكفار فى كل عصر، وشأنهم مع كل نبىّ وشيعته جار على هذا المنهج، فهم دائما يؤذون المؤمنين ويعادونهم، ولم يرسل الله نبيا إلا لقى من قومه مثل ما لقى هؤلاء من أقوامهم.
والغرض من هذا كله تسلية النبي وصحبه، وشد عزائمهم على التدرّع بالصبر، وأن كفار قومه سيصيبهم مثل ما أصاب الجنود: فرعون، وثمود.
الإيضاح
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) أي هل بلغك ما صدر من أولئك الجنود من التمادي فى الكفر والضلال، وما حل بهم من العذاب والنكال.

صفحة رقم 106

والمعنى- إنه قد أتاك خبرهم وعرفت ما فعلوا، وما جازاهم ربهم به، فذكر قومك بأيام الله، وأنذرهم أنه سيصيبهم مثل ما أصاب أمثالهم من أهل الضلال.
ثم بيّن من هم أولئك الجنود فقال:
(فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) وحديث هذين مشهور متعارف بينهم، فقد كانوا يعرفون من يهود المدينة وغيرهم ما كان من فرعون مع كليم الله موسى من العناد والإصرار على الكفر، وما كان من عاقبة أمره وأن الله أغرقه فى اليمّ هو وقومه، وأذاقه الوبال فى الآخرة والأولى.
كما كانوا يعرفون قصة ثمود مع صالح عليه السلام وأنهم عقروا الناقة التي جعلها الله لهم آية، فدمّر بلادهم وأهلكهم ولم يترك لهم من باقية، وهم يمرّون على ديارهم فى أسفارهم ويسمعون أخبارهم.
وخلاصة ذلك- إن الكفار فى كل عصر متشابهون، وأنّ حالهم مع أنبيائهم لا تتغير ولا تتبدل، فهم فى عنادهم واستكبارهم سواسية كأسنان المشط، فقومك أيها الرسول ليسوا ببدع فى الأمم، فقد سبقتهم أمم قبلهم وحلّ بهم من النكال ما سيحل بقومك إن لم يؤمنوا، «فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ».
وقد أشار إلى أن هذه شنشنتهم فى كل عصر ومصر فقال:
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) أي إن الكفار فى كل عصر غارقون فى شهوة التكذيب حتى لم يدع ذلك لعقلهم مجالا للنظر، ولا متسعا للتدبر، ولا يزالون فى غمرة حتى يؤخذوا على غرة.
ثم سلى رسوله من وجه آخر فقال:
(وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) أي إنه سبحانه مقتدر عليهم وهم فى قبضته لا يجدون مهربا، ولا يستطيعون الفرار، إذا أرادوا.
فلا تجزع من تكذيبهم واستمرارهم على العناد، فلن يفوتونى إذا أردت الانتقام منهم.

صفحة رقم 107

ثم رد على تماديهم فى تكذيب القرآن وادعائهم أنه أساطير الأولين فقال:
(بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) أي إن هذا الذي كذبوا به كتاب شريف متفرد فى النظم والمعنى، محفوظ من التحريف، مصون من التغيير والتبديل.
واللوح المحفوظ شىء أخبرنا الله به، وأنه أودعه كتابه، ولكن لم يعرّفنا حقيقته، فعلينا أن نؤمن به، وليس علينا أن نبحث فيما وراء ذلك مما لم يأت به خبر من المعصوم صلوات الله عليه وسلامه.
مقاصد هذه السورة
(١) إظهار عظمة الله وجليل صفاته.
(٢) إنه يبيد الأمم الطاغية فى كل حين، ولا سيما الذين يفتنون للمؤمنين والمؤمنات.

صفحة رقم 108
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية