آيات من القرآن الكريم

فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ
ﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿ

الكتابيين وغيرهم والمنافقين والآثمين من المسلمين بالفسق والظلم والإجرام والفساد والبغي والضلال أو قررت ضلالهم وأن الله لا يهديهم وأن النذر لا تؤثر فيهم وأنهم لن يجدوا من دون الله هاديا ولا نصيرا وأنذرتهم بالعذاب الأخروي الخالد والخزي. وسجلت عليهم لعنة الله وغضب الملائكة والناس أجمعين إلخ، ليست هي على ما يفيده فحواها وروحها على سبيل التأبيد إلّا بالنسبة للذين يصرون على كفرهم ونفاقهم وآثامهم وفسقهم وضلالهم ويموتون على ذلك فقط.
وإنها في ظروف نزولها كانت على سبيل وصف واقعهم من جهة ولإنذارهم وتخويفهم وحملهم على الارعواء والتوبة إلى الله من جهة أخرى. وهناك دليل من الوقائع الثابتة من سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم على ذلك وهو أن كثيرا من الذين نعتوا في الآيات بما نعتوا وأنذروا بما أنذروا وقرر في حقهم وسجل عليهم ما قرر وسجل بل غالبيتهم- باستثناء غالبية يهود الحجاز الذين لم يكونوا بالنسبة لعرب الحجاز فضلا عن الجزيرة العربية إلّا أقلية ضئيلة- قد آمنوا في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل الهجرة وبعدها وحسن إسلامهم ونالوا رضاء الله وتنويهه في القرآن في آيات كثيرة منها هذه الآية في سورة التوبة التي نزلت في أواخر حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠).
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١٧ الى ٢٢]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١)
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)
. (١) الجنود: هنا بمعنى الجموع المتجمعة.
(٢) مجيد: يمكن أن تكون الكلمة من المجد ويكون معناها صاحب المجد والعظمة، ويمكن أن تكون من الإجادة ويكون معناها المجوّد.
الآيات متصلة بسابقاتها نظما وموضوعا، حيث احتوت تذكيرا آخر بما كان

صفحة رقم 159

من مواقف فرعون وثمود وجموعهم المجندة وتمردهم ونكال الله فيهم، وإنذارا للكافرين المكذبين بنقمة الله المحيط بهم.
وقد انتهت السورة بالتنويه بالقرآن بسبيل توكيد صلة الله به وتوكيد ما احتواه من نذر ووعيد للطغاة المتمردين. فهو كتاب الله المجيد الذي لا يمكن أن يطرأ عليه تبديل وتغيير لأن الله حافظ له في لوحه.
تعليق على جملة فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ
إن أصل معنى اللوح الشيء الممهد المنبسط الذي يكتب أو ينقش عليه.
ولقد أورد المفسرون في سياق الجملة المذكورة أقوالا وروايات عديدة «١». منها ما أوردوه في سياق تفسير سورة البروج ومنها ما أوردوه في سياق تفسير جملة «أم الكتاب» في سورة الرعد التي فسروها بمعنى «اللوح المحفوظ». ومنها ما أورده في سياق تفسير مطلع سورة القلم حيث رووا أن «ن» تعني اللوح النوراني الذي أمر الله القلم أن يكتب عليه المقادير. وقد أوردنا ذلك في سياق تفسير هذه السورة فنكتفي بالإشارة إليه.
ولقد روى الطبري في سياق تفسير سورة البروج عن أنس أنه القرآن المجيد المحفوظ في جبهة إسرافيل. وقال البغوي هو أم الكتاب ومنه تنسخ الكتب ومحفوظ من الشياطين ومن الزيادة والنقصان. وروي عن ابن عباس أنه من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق إلى المغرب وحافتاه الدر والياقوت ودفتاه ياقوتة حمراء وقلمه نور وكلامه قديم وكل شيء فيه مستور.
وأعلاه معقود بالعرش وأصله في حجر ملك وعن يمين العرش. وأنه مكتوب في صدره «لا إله إلا الله وحده دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله فمن آمن بالله عز وجل وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة». وروى ابن كثير عن عبد الرحمن بن

(١) انظر كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي والزمخشري. [.....]

صفحة رقم 160

سليمان أنه ما من شيء قضى الله القرآن وما قبله وما بعده إلّا وهو في اللوح المحفوظ واللوح المحفوظ بين عيني إسرافيل لا يؤذن له بالنظر فيه وروي عن الحسن البصري أن معنى الجملة إن هذا القرآن عند الله في لوح محفوظ ينزل ما يشاء على من يشاء من خلقه وأورد حديثا أخرجه الطبراني عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله تعالى خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء صفحاتها من ياقوتة حمراء، قلمه نور وكتابه نور، لله في كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة، يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل ما يشاء». وفي سياق جملة (أم الكتاب) قال البغوي إن أم الكتاب هو اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير. وروي عن ابن عباس أنهما كتابان كتاب يمحو منه ما يشاء ويثبت وأم الكتاب الذي لا يغير منه.
وروي كذلك عن ابن عباس قوله «إن الله تعالى لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت. لله في كل يوم فيه ثلاثمائة وستون لحظة يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. وروي كذلك أن ابن عباس سأل كعبا عن أم الكتاب فقال علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون. وفي تفسير ابن كثير في سياق تفسير الآية [٧] من سورة هود حديث رواه الإمام أحمد عن عمران بن الحصين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال جوابا على سؤال: «كان الله قبل كل شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء».
ويلحظ أن الحديث الذي أورده ابن كثير عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من إخراج الطبراني أورده البغوي بصيغة مباينة وعزوا إلى ابن عباس فقط والبغوي من أئمة الحديث حيث يفيد هذا أنه لم يثبت عنده صدور ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وهذا فضلا عن أن مسند الطبراني لا يعد من كتب الأحاديث الصحيحة. وليس هناك فيما اطلعنا عليه حديث صحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في ماهية اللوح. والحديث الذي أوردناه في سياق كلمة القلم في سورة العلق والذي رواه الترمذي وأبو داود عن عبادة بن الصامت لم يذكر اللوح وإنما ذكر القلم وذكر أن الله أمره أن يكتب ما هو كائن.
ومهما يكن من أمر فإننا نقول إن القرآن لم يحتو أي بيان عن ماهية اللوح ومدى الجملة. وأنه ليس هناك أثر نبوي صحيح في ذلك وهما المصدران اللذان الجز الثاني من التفسير الحديث ١١

صفحة رقم 161

يجب الوقوف عندهما في مثل هذه الأمور الغيبية. وليس فيما قيل وروي عن غير النبي صلّى الله عليه وسلّم ما يمكن أن تطمئن به النفس باستثناء ما روي عن كعب من أن معنى «أم الكتاب» التي يذكرها المفسرون كمرادفة للوح هو علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون.
والإيمان بما جاء في القرآن عن الأمور الغيبية واجب. ومع إيماننا بذلك فلا نرى ما يمنع الأخذ بتفسير كعب لأم الكتاب ولا القول إن الله عز وجل منزه عن الحاجة إلى تثبيت كلامه وقرآنه وعلمه ومقدراته وكتابتها ونقشها على ألواح مادية.
وإنه لما كان الناس قد اعتادوا أن يكتبوا وينقشوا ما يريدون تثبيته وحفظه من الأحداث والأفكار على الألواح بالأقلام أو ما يقوم مقامها ولما كانت حكمة التنزيل جرت على استعمال مألوفات البشر في الدنيا في التعبير عن المشاهد الأخروية والغيبية فالذي يتبادر لنا أولا إن اللوح والقلم هما من هذا الباب للتعبير عن علم الله الأزلي الأبدي لكل كائن. وثانيا إن من حكمة استعمال كلمة اللوح في صدد القرآن قصد التقريب والتشبيه، وبيان كون القرآن محفوظا حفظا تاما لا يمكن أن يطرأ عليه تبدل ولا تحريف.
وفي سورة الواقعة آيتان عن القرآن مشابهتان لآيتي سورة البروج اللتين نحن في صددهما مع اختلاف في اللفظ وهما هاتان: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) فكريم هنا مقابل مجيد في آيتي البروج. وفي «كتاب مكنون» مقابل «في لوح محفوظ» وهذا الاختلاف اللفظي مع الاتفاق في المعنى يؤيد ما قررناه حيث يمكن أن يكون الكتاب واللوح في معنى واحد ومعرض واحد بقصد التقريب والتشبيه وتوكيد الحفظ التام، والله أعلم.

صفحة رقم 162
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية