
بمعنى الفاعل هاهنا وهو الذي يقتضيه المقام وقال سهل رحمه الله الودود المحب الى عباده بإسباغ النعم عليهم ودوام العافية فيكون بمعنى المفعول لانه يحبه عباده الصالحون ومحبة العبد لله طاعته له وموافقته لامره او تعظيمه له وهيبته فى قلبه واجمع أهل الحقيقة ان كل محبة تكون عن ملاحظة عوض فهى معلولة بل المحبة الصحيحة هى المحبة الصافية عن كل طمع والأثر ان الله تعالى يقول ان أود الأوداء الى من عبدنى لغير نوال لكن ليعطى الربوبية حقها قال بعض الكبار العشق التفاف الروحين والحب صفاء ذلك الالتفاف وخلوصه والود ثباته وتمكنه من القلب والهوى أول وقوع الحب فى القلب وفى التأويلات النجمية الودود لمن يتوجه اليه بالمحبة على سنة من تقرب الى شبرا تقربت اليه زراعا فمن تقرب اليه بالمحبة تقرب اليه بالود لان الود أثبت فى أرض القلب من المحبة لاشتقاقه من الوتد انتهى قال فى القاموس الود الوتد وقال الامام الغزالي رحمه الله الودود هو الذي يحب الخير الجميع الخلق فيحسن إليهم ويثنى عليهم وهو قريب من معنى الرحيم لكن الرحمة اضافة الى المرحوم والمرحوم هو المحتاج والمضطر وأفعال الرحيم تستدعى مرحوما ضعيفا وأفعال الودود لا تستدعى ذلك بل الانعام على سبيل الابتداء من نتائج الود كما ان معنى رحمته تعالى إرادته الخير للمرحوم وكفايته له وهو منزه عن رقة الرحمة فكذلك وده إرادته للكرامة والنعمة وهو منزه عن ميل المودة والودود من عباد الله من يريد لخلق الله كل ما يريده لنفسه وأعلى من ذلك من يؤثرهم على نفسه كمن قال منهم أريد أن أكون جسرا على النار يعبر على الخلق ولا يتأذون بها وكمال ذلك أن لا يمنعه من الإيثار والإحسان الحقد والغضب وما يناله من الأذى كما قال عليه السلام حين كسرت رباعيته ودمى وجهه وضرب اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون فلم يمنعه سؤء صنيعهم عن ارادة الخير لهم وكما أمر عليه السلام عليا رضى الله عنه حيث قال ان أردت أن تسبق المقربين فصل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك وخاصية الاسم الودود ثبوت الوداد لا سيما بين الزوجين فمن قرأه ألف مر على طعام وأكله مع زوجته غلبتها محبته ولم يمكنها سوى طاعته وقد روى انه اسم الله الأعظم فى دعاء التاجر الذي قال فيه يا ودود بإذا العرش المجيد يا مبدئ يا معيد أسألك بنور وجهك الذي ملأ اركان عرشك وبقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك وبرحمتك التي وسعت كل شىء لا اله الا أنت يا مغيث أغثنى يا مغيث أغثنى يا مغيث أغثنى الحديث قد ذكره غير واحد من الائمة. يقول الفقير كنت اذكر فى السحر الأعلى يا ودود وذلك بلسان القلب فصدر منى بلا اختيار أن أقول يا رب اجعلنى محيطا فعرفت ان للاسم المذكور تأثيرا عظيما فى الإحاطة وذلك ان الودود بمعنى المحبوب ولا شك ان جميع الأسماء الهية يود الاسم الأعظم ويميل اليه فالاسم الأعظم ودود بمعنى المفعول وغيره ودود بمعنى الفاعل فمن ذكره كان ودودا بمعنى المودود فيحبه جميع المظاهر فيحصل له الإحاطة باسرار جميع الأسماء ويصل اليه جميع التوجهات ذُو الْعَرْشِ خالقه وقيل المراد بالعرش الملك مجازا اى ذو السلطنة القاهرة على المخلوقات السفلية والمخترعات العلوية وان لم يكن على السرير ويقال ثل عرش فلان إذا ذهب سلطانه
صفحة رقم 393
الْمَجِيدُ هو الشريف ذاته الجميل أفعاله الجزيل عطاؤه نواله فكان شرف الذات إذا قارنه حسن الفعال سمى مجيدا وهو الماجد أيضا ولكن أحدهما دل على المبالغة وكأنه يجمع من اسم الجليل واسم الوهاب والكريم قال فى القاموس المجيد الرفيع العال والكريم والشريف الفعال ومجده عظمه وأثنى عليه والعطاء كثره والتمجيد ذكر الصفات الحسنة وقرئ بالكسر صفة للعرش ومجد العرش علوه فى الجهة وعظم مقداره وحسن صورته وتركيبه فانه أحسن الأجسام تركيبا وصورة وفى الحديث (ما الكرسي فى جنب العرش الا كحلقة ملقاة فى أرض فلاة) فاذا كان الكرسي كذلك مع سعته فما ظنك بسائر الاجرام العلوية والسفلية قال سهل رحمه الله ظهر الله العرش إظهارا للقدرة لا مكانا للذات ولا احتياجا اليه قال بعضهم ومن العجب ان الله لو ملأ العرش مع تلك السعة من حبوب الذرة وخلق طيرا أكل حبة واحدة منها فى ألف سنة لنفدت الحبوب ولا تنقطع مدة الآخرة ومع هذا لا يخاف بنوا آدم من عذاب تلك المدة ويضيعون أعمارهم فى شىء حقير سريع الزوال وفيه اشارة الى قلب العارف المستوي للرحمن كما جاء فى الحديث (قلب العارف عرش الله) ومجده هو أنه ما وسع ذلك الواسع المجيد غيره وخاصية هذا الاسم تحصيل الجلالة والمجد والطهارة ظاهرا وباطنا حتى فى عالم الأبدان والصور فلقد قالوا إذا صام الأبرص أياما وقرأه كل ليلة عند الإفطار كثيرا فانه يبرأ بإذن الله تعالى اما بلا سبب او بسبب يفتح الله له به فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ بحيث لا يتخلف عن إرادته مراد من أفعاله تعالى وأفعال غيره فيكون دليلا لاهل الحق على انه لا يتخلف شىء عن إرادته وهو خبر مبتدأ محذوف وانما قال فعال مبالغة فاعل لان ما يريد ويفعل فى غاية الكثرة من الاحياء والاماتة والإعزاز والاذلال والإغناء والاقتار والشفاء والأمراض والتقريب والتبعيد والعمارة والتخريب والوصل والفرق والكشف والحجاب الى غير ذلك من شؤونه وفى التأويلات النجمية فعال لما يريد بالمؤمن والكافر وأرباب الأرواح والاسرار والقلوب وأصحاب النفوس وأهل الهوى ان أراد أن يجعل أرباب الأرواح من أرباب النفوس فهو قادر على ذلك وهو عادل فى ذلك وان أراد عكس ذلك فهو كذلك وهو مفضل فى ذلك يحجب من يريد بجلاله كالمنكرين ويتجلى لمن يريد بجماله كالمقربين ويعامل لمن يريد بافاضة كماله كالعارفين قال القفال يدخل أولياءه الجنة لا يمنعه مانع ويدخل أعداءه النار لا ينصرهم ناصر ويمهل بعض العصاة على ما يشاء الى أن يجازيهم ويعاجل بعضهم بالعقوبة إذا شاء فهو يفعل ما يريد (روى) ان أناسا دخلوا على أبى بكر الصديق رضى الله عنه يعودونه فقالوا الا نأتيك بطبيب قال قد رآنى قالوا فما قال لك قال انى فعال لما أريد هَلْ أَتاكَ آيا آمد بتو. اى قد أتاك لان الاستفهام للتقرير حَدِيثُ الْجُنُودِ اى خبر الجموع الكافرة التي تجندت على الأنبياء فى الماضي وخبرهم ما صدر عنهم من التمادي فى الكفر والضلال وما حصل بها من العذاب والنكال فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ بدل من الجنود يعنى مع انه غير مطابق ظاهرا للمبدل منه فى الجمعية لان المراد بفرعون هو وقومه وقد يجعل من حذف المضاف بمعنى جنود فرعون اى هل أتاك حديثهم
صفحة رقم 394