آيات من القرآن الكريم

فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ
ﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿ

للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، وذلك الفوز الساحق العظيم الذي لا فوز يشبهه.
وإنما قال تعالى: ذلِكَ الْفَوْزُ ولم يقل «تلك» لأن ذلِكَ إشارة إلى إخبار اللَّه تعالى بحصول هذه الجنات، وقوله «تلك» إشارة إلى الجنات، وإخبار اللَّه تعالى عن ذلك يدل على كونه راضيا، والْفَوْزُ الْكَبِيرُ: هو رضا اللَّه، لا حصول الجنة، فاللهم أرضنا وارض عنا يا كريم.
وقصة أصحاب الأخدود، ولا سيما آية: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ.. تدل على أن المستكره على الكفر بالإهلاك الشديد، الأولى به أن يصبر على ما خوف منه، وأن إظهار كلمة الكفر كالرخصة في ذلك
روى الحسن أن مسيلمة أخذ رجلين من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال لأحدهما: تشهد أني رسول اللَّه؟ فقال: نعم، فتركه، وقال للآخر مثله، فقال: لا، بل أنت كذّاب، فقتله، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أما الذي ترك، فأخذ بالرخصة فلا تبعة عليه، وأما الذي قتل فأخذ بالفضل فهنيئا له» «١».
كمال القدرة الإلهية لتأكيد الوعد والوعيد والاعتبار بإهلاك الأمم الكافرة السالفة
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١٢ الى ٢٢]
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦)
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١)
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)

(١) تفسير الرازي: ٣١/ ١٢١- ١٢٢

صفحة رقم 164

الإعراب:
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ الْمَجِيدُ بالرفع صفة: ذُو أو خبر بعد خبر، وبالجر: إما وصف للعرش، أو صفة: رَبِّكَ من قوله تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ وهذا أولى لأن الْمَجِيدُ من صفات اللَّه.
فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ فَعَّالٌ: إما بدل من ذُو الْعَرْشِ أو خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو فعّال، أو خبر بعد خبر.
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ، فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ: في موضع جر على البدل من الْجُنُودِ، وقيل: في موضع نصب بتقدير أعني.
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ مَحْفُوظٍ بالجر صفة لَوْحٍ، وبالرفع صفة قُرْآنٌ.
البلاغة:
يُبْدِئُ وَيُعِيدُ بينهما طباق.
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ؟ أسلوب التشويق لاستماع ما يأتي والاعتبار به.
لَشَدِيدٌ، الْغَفُورُ، الْوَدُودُ، فَعَّالٌ إلخ: صيغ مبالغة.
المفردات اللغوية:
بَطْشَ البطش: هو الأخذ بعنف وشدة، فإذا وصف بالشدة كان نهاية، والمراد بالآية:
أنه تعالى مضاعف عنفه بالكفار بحسب إرادته. يُبْدِئُ وَيُعِيدُ يبدئ الخلق ويعيده، فلا يعجزه ما يريد. الْغَفُورُ لمن تاب من المذنبين. الْوَدُودُ المحب لمن أطاع.
ذُو الْعَرْشِ خالقه ومالكه وصاحبه. الْمَجِيدُ العظيم الجليل المتعالي، المستحق لكل صفات العلو الكاملة، أو العظيم في ذاته وصفاته، فإنه واجب الوجود، تام القدرة والحكمة. ومجده: علوه وعظمته. فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ لا يعجزه شيء، ويفعل ما يريد.
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ هل بلغك يا محمد خبر الأقوام أو الجماعات الذين كذبوا الرسل وما حاق بهم؟ وأصل معنى الجنود: العسكر أو الأعوان. والمقصود تسلية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والصبر على تكذيب قومه، وأمره بأن يحذرهم مثلما أصاب هؤلاء. فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ المراد بفرعون: هو وجنوده، أي هؤلاء هم الجنود: فرعون وأتباعه، وقبيلة ثمود من العرب البائدة، قوم صالح عليه السلام، أهلكهم اللَّه بكفرهم. وهذا تنبيه لمن كفر بالنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والقرآن ليتعظوا.

صفحة رقم 165

بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ لما حدث من إهلاك الأقوام، فلا يرعوون عن تكذيبهم، ومعنى الجملة والإضراب: أن حال كفار قريش أعجب من الأمم السابقة، فإنهم سمعوا قصتهم، ورأوا آثار هلاكهم، وكذبوا أشد من تكذيبهم. وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ لا يفوتونه، ولا عاصم لهم منه، فهم في قبضته وحوزته. بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ عظيم معظم، والمعنى: بل هذا الذي كذبوا به كتاب شريف، وحيد في النظم والمعنى. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ من الزيادة والنقص، والتغيير والتحريف.
المناسبة:
بعد بيان وعيد الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، ووعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وجزاء كل فريق، أكّد اللَّه تعالى الوعد والوعيد بما يدل على تمام قدرته على ذلك. ثم بيّن أن حال الكفار في كل عصر، مع الأنبياء، شبيه بحال أصحاب الأخدود، في إلحاق أذى الكفار بالمؤمنين، فهم دائما في صراع معهم وعداوة وإيذاء. والقصد من هذا كله ترهيب الكفار، وتثبيت المؤمنين على إيمانهم، وشدّ عزائمهم بالصبر، وتطمينهم بأن كفار قريش سيلقون مثلما أصاب الأقوام السابقة: فرعون وأتباعه وثمود.
التفسير والبيان:
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ أي إن جزاء ربك وانتقامه من الجبابرة والظلمة، ومن أعدائه الذين كذبوا رسله، وخالفوا أمره، لشديد عظيم قوي، مضاعف إذا أراد، فإنه تعالى ذو القوة المتين، الذي ما شاء كان، ويكون ما يريد مثل لمح البصر أو هو أقرب. وفي هذا تأكيد للوعيد، وإرهاب لكفار قريش وأمثالهم.
ثم زاد الأمر تأكيدا بقوله:
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ أي إنه تعالى تام القدرة، فهو الذي يبدأ الخلق ويخلقهم أولا في الدنيا، ثم يعيدهم أحياء بعد الموت. أو هو الذي يبدأ البطش

صفحة رقم 166

ويعيده، أي يبطش بالجبابرة في الدنيا والآخرة. وفيه وعيد للكفرة بأنه يعيدهم ليبطش بهم إذ كفروا بنعمة الإبداء إبداء الخلق، وكذبوا بالإعادة.
ثم أكّد اللَّه تعالى الوعد بإيراد خمس صفات لجلاله وكبريائه وهي:
١- ٢: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ أي واللَّه سبحانه بالغ المغفرة لذنوب عباده المؤمنين إذا تابوا وأنابوا إليه، يغفر ذنب من تاب إليه، وخضع لديه، مهما كان الذنب كبيرا أو صغيرا، وهو تعالى بالغ المحبة للمطيعين من أوليائه، بليغ الوداد، والمراد به: إيصال الثواب لأهل طاعته على الوجه الأتم، فيكون كقوله تعالى:
يُحِبُّهُمْ [المائدة ٥/ ٥٤]، أو هو بمعنى مفعول فيكون كقوله: وَيُحِبُّونَهُ [المائدة ٥/ ٥٤].
٣- ٤: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ أي هو تعالى ربّ العرش العظيم العالي على جميع الخلائق، وصاحب الملك والسلطان، والعظيم الجليل المتعالي، صاحب النهاية في الكرم والفضل، وبالغ السمو والعلو.
٥- فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ أي صاحب القدرة المطلقة على فعل ما يريد، فمهما أراد فعل شيء، لا معقّب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل لعظمته وقهره، وحكمته وعدله. فإذا أراد إهلاك الظالمين الجاحدين، ونصر المؤمنين الصادقين، فعل دون أن يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يصرفه عنه صارف.
ثم ذكّر اللَّه تعالى الكفار وغيرهم، وسلّى نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقصة فرعون وثمود من متأخري الكفار ومتقدميهم، فقال:
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ: فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ أي هل أتاك يا محمد خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم، والتي جندت جنودها لقتالهم؟ أو هل بلغك ما أحلّ اللَّه بهم من البأس، وأنزل عليهم من النقمة بسبب تماديهم في الكفر

صفحة رقم 167

والضلال؟ ومن هؤلاء الجنود وأشهر حديثهم وخبرهم المتعارف: فرعون وجنوده، وقبيلة ثمود من العرب البائدة قوم صالح عليه السلام. والمراد بحديثهم: ما وقع منهم من الكفر والعناد، وما حلّ بهم من العذاب. والمراد بفرعون: هو وجنوده. أما فرعون وأتباعهم فأغرقهم اللَّه في اليمّ: البحر الأحمر، وأما ثمود الذين عقروا ناقة نبيهم صالح، فدمّر اللَّه بلادهم وأهلكهم بالطاغية أي الصيحة المجاوزة للحدّ في الشدة.
ثم أشار اللَّه تعالى إلى أن هذا شأن الكفار وصنيعهم في كل زمان، فقال:
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ أي فالواقع القائم أن هؤلاء المشركين العرب في تكذيب شديد لك أيها النبي، ولما جئت به، ولم يعتبروا بمن كان قبلهم من الكفار.
وفي هذا إضراب عن التذكير بقصة الجنود إلى التصريح بتكذيب كفار قريش.
وبعد تطييب قلب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم بحكاية أحوال الأولين وموقفهم من الأنبياء، سلّاه بعد ذلك من وجه آخر، فقال:
وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ أي إن اللَّه تعالى قادر على أن ينزل بهم ما أنزل بأولئك، قاهر الجبارين لا يفوتونه ولا يعجزونه، فهو مقتدر عليهم، وهم في قبضته لا يجدون عنها مهربا. وهذا دليل على أنه تعالى عالم بهم فيجازيهم، وعلى أنه لا داعي للجزع من تكذيبهم وإصرارهم على الكفر وعنادهم.
ثم ردّ على تكذيبهم بالقرآن، فقال:
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ أي إن هذا القرآن الذي كذبوا به شريف الرتبة في نظمه وأسلوبه حتى بلغ حدّ الإعجاز، متناه في الشرف والكرم والبركة، وليس هو كما يقولون: إنه شعر وكهانة وسحر. وإنما هو كلام اللَّه

صفحة رقم 168

المصون عن التغيير والتحريف، المكتوب في اللوح المحفوظ، وهو أم الكتاب، وهذا كقوله تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ [الواقعة ٥٦/ ٧٧- ٧٨]. أي أن الكتاب المكنون واللوح المحفوظ واحد.
قال بعض المتكلمين: اللوح شيء يلوح للملائكة، فيقرءونه، وأمثال هذه الحقائق مما يجب به التصديق سمعا، أي أن اللوح المحفوظ شيء أخبرنا اللَّه به، فيجب علينا الإيمان به كما أخبر اللَّه، وإن لم نعرف حقيقته.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- إن عقاب اللَّه وانتقامه، وأخذه الجبابرة والظلمة لشديد قوي، كما قال جلّ ثناؤه: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى، وَهِيَ ظالِمَةٌ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود ١١/ ١٠٢].
٢- إن اللَّه تعالى بدأ خلق الناس أولا في الدنيا، ثم يعيدهم عند البعث.
٣- للَّه تعالى صفات عليا لا تتحقق في غيره، فهو الغفور الستور لذنوب عباده المؤمنين لا يفضحهم بها، الودود المحب لأوليائه، صاحب العرش الأعظم من كل المخلوقات، وصاحب الملك والسلطان المطلق، المجيد البالغ النهاية في الكرم والفضل، السامي القدر المتناهي في علوه، الفعال لما يريد، أي لا يمتنع عليه شيء يريده. قال القفال: فعّال لما يريد على ما يراه، لا يعترض عليه معترض، ولا يغلبه غالب، فهو يدخل أولياءه الجنة، لا يمنعه منه مانع، ويدخل أعداءه النار، لا ينصرهم منه ناصر، ويمهل العصاة على ما يشاء إلى أن يجازيهم، ويعاجل بعضهم بالعقوبة إذا شاء، ويعذب من شاء منهم في الدنيا وفي الآخرة، يفعل من هذه الأشياء ومن غيرها ما يريد «١».

(١) تفسير الرازي: ٣١/ ١٢٣- ١٢٤

صفحة رقم 169

٤- قد أتاك يا محمد خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم، وهذا إيناس له وتسلية، والجموع: فرعون وأتباعه وثمود، وذكرا لأن حديثهما مشهور معروف من طريق اليهود في المدينة وغيرهم، فإن ثمود في بلاد العرب، وقصتهم عندهم مشهورة، وإن كانوا من المتقدمين، وأمر فرعون كان مشهورا عند أهل الكتاب وغيرهم، وكان من المتأخرين في الهلاك فدلّ اللَّه بهما على أمثالهما في الهلاك.
والواقع أن كفار قريش في تكذيب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كدأب من قبلهم.
٥- اللَّه يقدر على أن ينزل بكفار مكة في الدنيا ما أنزل بفرعون، واللَّه عالم بهم، فهو يجازيهم في الآخرة.
٦- ليس القرآن كما زعم المشركون أنه سحر أو كهانة أو شعر، بل هو كتاب متناه في الشرف والكرم والبركة، وهو بيان ما يحتاج إليه الناس من أحكام الدين والدنيا. وهو مكتوب عند اللَّه في لوح، ومحفوظ عند اللَّه من وصول الشياطين إليه.
قال ابن عباس: أول شيء كتبه اللَّه تعالى في اللوح المحفوظ: «إني أنا اللَّه، لا إله إلا أنا، محمد رسولي، من استسلم لقضائي، وصبر على بلائي، وشكر نعمائي، كتبته صدّيقا وبعثته مع الصدّيقين، ومن لم يستسلم لقضائي، ولم يصبر على بلائي، ولم يشكر نعمائي، فليتخذ إلها سواي» «١».

(١) تفسير القرطبي: ١٩/ ٢٩٨

صفحة رقم 170

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الطارق
مكيّة، وهي سبع عشرة آية.
تسميتها:
سميت سورة الطارق تسمية لها بما أقسم اللَّه به في مطلعها بقوله:
وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ وَالطَّارِقِ: هو النجم الثاقب الذي يطلع ليلا، سمي طارقا لأنه يظهر بالليل ويختفي بالنهار. وكذلك الطارق: هو الذي يجيء ليلا.
مناسبتها لما قبلها:
السورة مرتبطة بما قبلها من ناحيتين:
١- ابتداء السورتين بالحلف بالسماء كسورتي (الانشقاق) و (الانفطار).
٢- التشابه في الكلام عن البعث والمعاد وعن صفة القرآن للردّ على المشركين المكذّبين به وبالبعث، ففي سورة البروج: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [١٣]، وفي هذه السورة: إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ [٨]، وفي السورة السابقة: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [٢١- ٢٢]، وفي هذه السورة: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ [١٣].
ما اشتملت عليه السورة:
إن محور هذه السورة المكية كغيرها من السور المكية الكلام عن الإيمان

صفحة رقم 171

بالبعث والمعاد والحساب والجزاء، وإثباته بخلق الإنسان من العدم لأن القادر على البدء قادر على الإعادة بعد الموت.
وقد افتتحت السورة بالقسم بالسماء وبالكواكب المضيئة ليلا على أن كل إنسان محفوظ بالملائكة الأبرار: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ.. [الآيات: ١- ٤].
ثم أقام اللَّه تعالى الدليل على إمكان البعث وقدرته عليه بعد الموت والفناء بخلق الإنسان أول مرة من تراب ثم من نطفة: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ...
[الآيات: ٥- ٨].
وأعقبت السورة ذلك ببيان كشف الأسرار في الآخرة على نحو كامل تام، في حالة كون الإنسان بين يدي العدالة الإلهية دون أن يكون له قوة ولا نصير:
يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ، فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ [٩- ١٠].
وختمت السورة بالقسم الإلهي بالسماء والأرض على صدق القرآن وأنه القول المحكم الفصل بين الحق والباطل، وعلى تهديد الكفار المكذبين به ووعيدهم:
وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ.. [١١- ١٧].
فضلها:
أخرج الإمام أحمد عن خالد بن أبي حبل العدواني أنه أبصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مشرق ثقيف، وهو قائم على قوس أو عصا، حين أتاهم يبتغي عندهم النصر، فسمعته يقول: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ حتى ختمها، قال: فوعيتها في الجاهلية، وأنا مشرك، ثم قرأتها في الإسلام، قال: فدعتني ثقيف، فقالوا: ماذا سمعت من هذا الرجل؟ فقرأتها عليهم، فقال من معهم من قريش: نحن أعلم بصاحبنا، لو كنا نعلم ما يقول حقا لاتبعناه.
وأخرج النسائي عن جابر بن عبد اللَّه قال: صلّى معاذ المغرب، فقرأ البقرة

صفحة رقم 172
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية