آيات من القرآن الكريم

بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ
ﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ

ولقد روى الشيخان والترمذي في فصل التفسير في سياق الآية السابقة من السورة وما بعدها حديثا عن عائشة رضي الله عنها جاء فيه: «قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ليس أحد يحاسب إلّا هلك. قلت: يا رسول الله جعلني الله فداءك أليس الله تعالى يقول فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً قال:
ذاك العرض يعرضون، ومن نوقش الحساب هلك»
«١». وفي الحديث تفسير أو توضيح لمدى الآيات من جهة وتنبيه للمسلمين ليجتهدوا في تجنب ما يعرّضهم للمحاسبة العسيرة من أعمال من جهة أخرى على ما هو المتبادر.
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ١٦ الى ٢٥]
فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠)
وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)
. (١) الشفق: الحمرة التي تبدو في الأفق عند غروب الشمس.
(٢) وسق: احتوى أو جمع أو ضمّ.
(٣) اتّسق: تمّ بدرا. وأصل الاتساق الانتظام والتكامل والاستواء.
(٤) طبقا عن طبق: حالا بعد حال.
(٥) يوعون: يضمرون.
قرئت كلمة لَتَرْكَبُنَّ قراءات متعددة وتعدد تأويل جملة لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ حسب ذلك «٢». حيث قرئت بالتاء والباء المفتوحتين على أنها خطاب

(١) التاج ج ٤ ص ٢٥٤.
(٢) تفسير الطبري استوعب جميع القراءات والتأويلات المروية. ومنها ما هو غريب مثل كون الجملة تعني تقلّب النبي في السموات طبقة بعد طبقة. أو تطور حالات السموات من احمرار فانشقاق فانفطار.

صفحة رقم 425

للنبي ﷺ بأن أمره سيتغير من حال إلى حال. وقرئت بالتاء المفتوحة والباء المضمومة على أنها خطاب للسامعين بأن أمرهم سيتغير من حال إلى حال.
وقرئت بالياء بدلا من التاء مع الباء المضمومة على أنها خطاب للناس.
وجملة فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ التي تأتي بعد هذه الجملة وما بعده قد تساعد على الترجيح بأنها خطاب موجّه للكفار الذين يصرّون على كفرهم. وتكون الأقسام في الآيات الثلاث السابقة للجملة على سبيل التوكيد لهم بأن حالتهم الراهنة التي يغترون ويعتقدون بها لن تدوم لهم وأنها سوف تتغير. ثم جاءت الآيات التالية للجملة:
١- لتتساءل تساؤل الاستنكار والتنديد عن سبب عنادهم وعدم إيمانهم وعدم تأثرهم بالقرآن والسجود لله حينما يسمعون آياته البليغة وعظاته المؤثرة.
٢- لتقرر حقيقة أمرهم والباعث لهم على ذلك والله الأعلم به وهو تكذيبهم بالجزاء الأخروي.
٣- لتأمر النبي ﷺ بتبشيرهم بالعذاب الأليم الذي سوف يلقونه مع استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات حيث يكون لهم الأجر الذي لا يعتريه انقطاع.
والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا كما هو واضح. وقد استعملت كلمة فَبَشِّرْهُمْ على سبيل الاستهزاء كما هو المتبادر أيضا. وقد تكرر هذا في مواضع عديدة.
ومن عجيب تأويلات الشيعة تأويلهم جملة لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) بأن فيها إشارة إلى أن هذه الأمة ستسلك سبيل من كان قبلها من الأمم في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء «١». وفي هذا من الشطط الحزبي ما يماثل كثيرا مما مرّ التنبيه إليه.

(١) التفسير والمفسرون للذهبي، ج ٢ ص ٣٠.

صفحة رقم 426

تعليق على ما يمكن أن يلهمه أسلوب ومضامين هذه السورة وما قبلها من احتمال تبكير نزولها
وننبّه على أن بين أسلوب هذه السورة ومضامينها وكذلك أسلوب السور السابقة لها أي الانفطار والنازعات والنبأ والمعارج والحاقّة والملك والطور ومضامينها، وبين أسلوب ومضامين كثير من السور المبكرة في النزول مثل التكوير والأعلى والليل والفجر والشمس والقارعة والقيامة وق والطارق تماثل كبير مما يبعث الشكّ في صحة ترتيب نزولها في أواخر العهد المكيّ ومما يسوغ الظنّ بأنها مما نزل في عهد مبكر وإن كان ترتيبها في تراتيب النزول العديدة المرويّة متقاربا مع ترتيبها الذي ذكر في المصحف الذي اعتمدنا عليه وسرنا وفقه.

صفحة رقم 427
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية