
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ بالنبات شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا يعني جميع الحبوب التي يُتَغَذَّى بها وَعِنَباً وَقَضْباً قال الفراء: هو الرَّطبة. وأهل مكة يسمون القَتَّ: القضب. قال ابن قتيبة ويقال: إنه سمي بذلك، لأنه يُقْضَبُ مرة بعد مرة، أي: يقطع، وكذلك القَصيل، لأنه يُقْصَلُ، أي: يقطع.
قوله عزّ وجلّ: وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً قال الفراء: كل بستان عليه حائط، فهو حديقة، وما لم يكن عليه حائط لم يقل: حديقة. والغُلْب: ما غلظ من النخل. قال أبو عبيدة: يقال: شجرة غَلْباء: إذا كانت غليظة. وقال ابن قتيبة: الغُلب: الغِلاظ الأعناق. وقال الزجاج: هي المتكاثفة، العظام.
قوله عزّ وجلّ: وَفاكِهَةً يعني: ألوان الفاكهة وَأَبًّا فيه قولان: أحدهما: أنه ما ترعاه البهائم.
قاله ابن عباس، وعكرمة، واللغويون. قال الزجاج: هو جميع الكلأ التي تعتلفه الماشية. والثاني: أنه الثمار الرطبة، رواه الوالبي عن ابن عباس.
قوله: مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ قد بَيَّنَّاه في السورة التي قبلها «١».
[سورة عبس (٨٠) : الآيات ٣٣ الى ٤٢]
فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢)
قوله عزّ وجلّ: فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) وهي الصيحة الثانية. قال ابن قتيبة: الصاخة تصِخُّ صَخَّاً أي: تُصِمُّ. يقال: رجل أصخ، وأصلخ: إذا كان لا يسمع. والداهية صاخة أيضاً. وقال الزجاج: هي الصيحة التي تكون عليها القيامة، تصخ الأسماع، أي: تصمها، فلا تسمع إلا ما تدعى به لإحيائها. ثم فسر في أي وقت تجيء فقال عزّ وجلّ: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ قال المفسرون:
والمعنى «٢» : لا يلتفت الإنسان إلى أحد من أقاربه، لِعِظَم ما هو فيه. قال الحسن: أول من يَفِرُّ من أخيه هابيل، ومن أُمه وأبيه إبراهيم، ومن صاحبته نوح ولوط، ومن ابنه نوح. وقال قتادة: يفر هابيل من قابيل، والنبيّ صلّى الله عليه وسلم من أُمه، وإبراهيم من أبيه، ولوط من صاحبته، ونوح من ابنه.
قوله عزّ وجلّ: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ قال الفراء: أي: يَشْغَلُه عن قرابته. وقال ابن قتيبة: أي: يَصْرِفه ويصدُّه عن قرابته، يقال: اغْنِ عني وجهك، أي: اصرفه، واغْن عني السفيه. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، والزهري، وأبو العالية، وابن السميفع، وابن محيصن، وابن أبي عبلة «يَعنيه» بفتح الياء، والعين غير معجمة. قال الزجاج: معنى الآية: له شأن لا يقدر مع الاهتمام به على الاهتمام بغيره، وكذلك قراءة من قرأ «يعنيه» بالعين، معناه له شأن لا يهمه معه غيره.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٥٩: يراهم ويفرّ منهم، ويبتعد عنهم لأن الهول عظيم، والخطب جليل. وفي الحديث الصحيح في أمر الشفاعة: أنه إذا طلب إلى كل من أولي العزم أن يشفع عند الله في الخلائق، يقول: نفسي، نفسي، لا أسأله اليوم إلا نفسي.

(١٥١٤) وقد روى أنس بن مالك قال: قالت عائشة للنبيّ صلّى الله عليه وسلم: أنحشر عراةً؟ قال: نعم. قالت:
واسوءتاه، فأنزل الله عزّ وجلّ: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ.
قوله عزّ وجلّ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ أي: مضيئة قد علمت ما لها من الخير ضاحِكَةٌ لسرورها مُسْتَبْشِرَةٌ أي: فرحة بما نالها من كرامة الله عزّ وجلّ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ أي: غبار. وقال مقاتل:
أي: سواد وكآبة تَرْهَقُها أي: تغشاها قَتَرَةٌ أي: ظُلمة. وقال الزجاج: يعلوها سواد كالدخان. ثم بَيَّن مَنْ أَهْلُ هذه الحال، فقال عزّ وجلّ: أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ وهو جمع كافر وفاجر.
وأخرجه ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» ٤/ ٥٥٩ والطبري ٣٦٣٩٢ من طريق الفضل بن موسى، عن عائذ بن شريح، عن أنس قال: سألت عائشة رضي الله عنها: إني ساءلتك عن حديث فتجزني أنت به،... »
فذكره بنحوه والمتن غريب بهذا اللفظ. وقال أبو حاتم: عائذ بن شريح ضعيف، في حديثه ضعف. وقال ابن طاهر: ليس بشيء. فالإسناد ضعيف، والمتن ضعيف.
وأصل حديث عائشة دون ذكر لفظ «واسوءتاه» أخرجه البخاري ٦٥٢٧ ومسلم ٢٨٥٩. وورد من حديث عائشة- دون ذكر اللفظة. أخرجه النسائي في «التفسير» ٦٦٨ والحاكم ٤/ ٥٦٤ وإسناده صحيح، وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤/ ٤٢٥ من طريق بريد بن عبد ربه عن بقية عن الزبيدي عن الزهري عن عروة عن عائشة.
وورد من وجه آخر من حديث سودة: أخرجه الحاكم ٢/ ٥١٤- ٥١٥ والطبراني في «الكبير» ٢٤/ (٩١) والواحدي في «الوسيط» ٤/ ٤٢٥ من طريق إسماعيل بن أبي أويس ثنا أبي عن محمد بن أبي عياش عن عطاء بن يسار عن سودة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم. وفيه محمد بن أبي عياش مجهول، وثّقه ابن حبان وحده. وصححه الحاكم على شرط مسلم! ووافقه الذهبي!؟
وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠/ ٣٣٣: ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن أبي عياش وهو ثقة! كذا قال رحمه الله، والصواب أنه مجهول، وثقه ابن حبان وحده على قاعدته في توثيق المجاهيل، وقد اضطرب، فرواه تارة عن أم سلمة به، أخرجه الطبراني في «الأوسط» ١٠/ ٣٣٢/ ١٨٣٢٠.