آيات من القرآن الكريم

ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ
ﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁ ﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﰍﰎﰏ ﰑﰒ ﰔﰕﰖﰗ ﭑﭒ ﭔﭕﭖﭗ

(٦) (وَحَدائِقَ غُلْباً) أي وبساتين ذات أشجار ضخمة مثمرة ذات حوائط تحيط بها، وعظم الحدائق إما بالتفاف أشجارها وكثرتها، وإما بعظم كل شجرة وغلظها وكبرها.
وفى ذكرها بهذا الوصف إيماء إلى أن النعمة فى الأشجار بجملتها، وليست فى ثمرها خاصة، فمن خشبها يتخذ أرقى أنواع الأثاث وأدوات العمل وآلاته لمختلف الحرف والصناعات، وكذا الوقود لتدبير الطعام والخبز على ضروب شتى، وتستعمل فى صهر الحديد وأنواع المعادن المختلفة.
(٧) (وَفاكِهَةً) يتمتع بلذتها الإنسان خاصة كالتين والتفاح والخوخ وغيرها.
(٨) (وَأَبًّا) أي مرعى للحيوان خاصة.
ثم ذكر الحكمة فى خلق هذه الأشياء فقال:
(مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) أي أنبتنا ذلك، لتتمتعوا به وتنتفعوا به أنتم وأنعامكم، منه ما ينتفع به الإنسان، ومنه ما يأكله الحيوان.
[سورة عبس (٨٠) : الآيات ٣٣ الى ٤٢]
فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢)
شرح المفردات
الصخّ: الضرب بالحديد على الحديد، وبالعصا الصّلبة على شىء مصمت، فيسمع إذ ذاك صوت شديد والمراد هنا بالصاخة هو المراد بالقارعة فى سورتها،

صفحة رقم 48

وهى الطامة الكبرى، ويكون نذيرها ذلك الصوت الهائل الذي يحدث من تخريب الكون ووقع بعض أجرامه على بعض، ومن ثمّ سميت صاخة وقارعة، شأن: أي شغل، يغنيه: أي يصرفه ويصده عن مساعدة ذوى قرابته، قال شاعرهم:

سيغنيك حرب بنى مالك عن الفحش والجهل فى المحفل
مسفرة: أي مضيئة مشرقة يقال: أسفر الصبح إذا أضاء، مستبشرة: أي فرحة بما نالت، والغبرة: ما يصيب الإنسان من الغبار، ترهقها: أي تغشاها، والقترة:
سواد كالدخان، والفجرة: واحدهم فاجر، وهو الخارج عن حدود الله المنتهك لحرماته.
المعنى الجملي
بعد أن عدد سبحانه آلاءه على عباده، وذكّرهم بإحسانه إليهم فى هذه الحياة، وبين أنه لا ينبغى للعاقل بعد كل ما رأى أن يتمرد عن طاعة صاحب هذه النعم الجسام- أعقب هذا بتفصيل بعض أحوال يوم القيامة وأهوالها التي توجب الفزع والخوف منه، ليدعوه ذلك إلى التأمل فيما مضى من الدلائل التي ترشد إلى وحدانيته وقدرته، وصحة البعث وأخبار يوم القيامة التي جاءت على ألسنة رسله، ويتزوّد بصالح الأعمال التي تكون نبراسا يضىء أمامه فى ظلمات هذا اليوم.
وذكر أن الناس حينئذ فريقان: فريق ضاحك مستبشر، فرح فرح المحب يلقى حبيبه، وهو من كان يعتقد الحق ويعمل للحق، وفريق تعلو وجهه الغبرة، وترهقه القترة، وهو الذي تمرد على الله ورسوله، وأعرض عن قبول ما جاءه من الحقّ، ولم يعمل بما أمر به من صالح الأعمال.
الإيضاح
(فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) أي فإذا جاء يوم القيامة حين يحدث ذلك للصوت الهائل الذي يصخّ الأسماع ويصكها بشدته- فما أعظم أسف الكافرين، وما أشد ندمهم.

صفحة رقم 49

ثم فصل بعض أهوال هذا اليوم فقال:
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) أي يوم يشغل كلّ امرئ ما يصيبه من الأهوال، فيفر ممن يتوهم أنه يتعلق به، ويطلب معونته، على ما هو فيه، فيتوارى من أخيه، بل من أمه وأبيه، بل من زوجه التي هى ألصق الناس به، وقد كان فى الدنيا يبذل النفس والنفيس فى الدفاع عنها، بل من بنيه وهم فلذات كبده، وقد كان فى الحياة الأولى يفديهم بماله وروحه، وهم ريحانة الدنيا ونور الحياة أمام عينه.
ونحو الآية قوله: «يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً».
وإنما كان الأمر كذلك، لأن لكل امرئ منهم من الرهب، وما يرهب من الهول، وما يخشى من مناقشة الحساب- شأنا يغنيه، ويصدّه عن ذوى قرابته، فليس لديه فضل فكر ولا قوة يمدّ بها غيره.
وقد يكون المعنى- يغنيه ذلك الهم الذي ركبه بسبب نفسه، وشغله حتى ملأ صدره، فلم يبق فيه متسع لهمّ آخر.
وبعد أن ذكر الأهوال التي تعرض للناس فى ذلك اليوم، وأنها لا تسعف أحدا بمواساة أحد ولا الالتفات إليه مهما يكن عطفه واتصاله به- أردفه بيان أن الناس فى ذلك اليوم سعداء وأشقياء، وأشار إلى الأولين بقوله:
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ. ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) أي وجوه يومئذ متهللة ضاحكة فرحة بما تجد من برد اليقين بأنها ستوفّى ما وعدت به جزاء إيمانها وما قدمت من عمل صالح، وبشكرها لنعم ربها وآلائه، وإيثارها ما أمرها به على ما تهواه.
وأشار إلى الآخرين بقوله:
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ. تَرْهَقُها قَتَرَةٌ. أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) أي ووجوه يعلوها غبار الذل وسواد الغم والحزن، وهى وجوه الكفار الذين لم يؤمنوا

صفحة رقم 50

بالله، وبما جاء به أنبياؤه، وخرجوا عن حدود شرائعه، واجترحوا السيئات، واقترفوا المعاصي.
وقصارى ما سلف- إن الناس إذ ذاك فريقان:
(١) فريق كان فى دنياه يطلب الحق وينظر فى الحجة، ويعمل ما استقام عليه الدليل، لا يثنيه عن الأخذ به قلة الآخذين، ولا قوة المعاندين، وهؤلاء سيطمئنون إلى ما أدركوا، ويفرحون بما نالوا، وتظهر على أسارير وجوههم علامات البشر والسرور.
(٢) فريق احتقر عقله، وأهمل النظر فى نعم الله عليه، وارتضى الجهل، وانصرف عن الاستدلال إلى اقتفاء آثار الآباء والأجداد، وظل يخبّ ويضع فى أهوائه الباطلة، وعقائده الزائفة- وهؤلاء سيجدون كل شىء على غير ما كانوا يعرفون، فتظهر عليهم آثار الخيبة والفشل، وتعلو وجوههم الغبرة، وترهقها القترة، لأنهم كانوا فى حياتهم الدنيا كفرة فجرة.
اللهم احشرنا يوم القيامة ووجوهنا مسفرة ضاحكة مستبشرة، وصلّ ربنا على نبيك وآله وصحبه.
ما جاء فى هذه السورة الكريمة من مقاصد
(١) عتاب الرسول ﷺ على ما حدث منه مع ابن أم مكتوم الأعمى.
(٢) أن القرآن ذكرى وموعظة لمن عقل وتدبّر.
(٣) إقامة الأدلة على وحدانية الله بخلق الإنسان والنظر فى طعامه وشرابه.
(٤) أهوال يوم القيامة.
(٥) الناس فى هذا اليوم فريقان: سعداء وأشقياء، وذكر حال كل منهما حينئذ.

صفحة رقم 51
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية