آيات من القرآن الكريم

وَحَدَائِقَ غُلْبًا
ﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤ ﯦﯧ ﯩﯪ ﯬﯭ ﯯﯰ ﯲﯳﯴ

نعم الله فيما يحتاج إليه الإنسان
[سورة عبس (٨٠) : الآيات ٢٤ الى ٣٢]
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨)
وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢)
الإعراب:
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا أَنَّا إما بدل من طَعامِهِ بدل اشتمال لأن هذه الأشياء تشتمل على الطعام، وإما على تقدير اللام، أي لأنا صببنا. وتقرأ بالكسر أَنَّا على الابتداء والاستئناف.
المفردات اللغوية:
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ نظر تأمل واعتبار. إِلى طَعامِهِ كيف أوجد وقدر ودبر له والظاهر أن الطعام هو المطعوم. أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا أي أنزلناه بسخاء وكثرة من السحاب، وهو بيان لكيفية إحداث الطعام. ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا أي شققناه بالنبات، وإسناد الصب والشق إلى الله نفسه إسناد الفعل إلى السبب. فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا كالحنطة والشعير. وَقَضْباً هو القت الرطب أو البرسيم، سمي قضبا لأنه يقضب، أي يقطع مرة بعد أخرى. وَحَدائِقَ غُلْباً بساتين ضخاما عظاما، كثيرة الأشجار، جمع غلباء، وصف به الحدائق لتكاثفها وكثرة أشجارها. وَأَبًّا الأب: العشب أو ما ترعاه البهائم، سمي أبّا لأنه يؤبّ، أي يؤم وينتجع.
مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ متعة أو تمتيعا، أي أنبتناه لكم لتتمتعوا وتنتفع أنعامكم، فبعض الأنواع المذكورة طعام وبعضها علف.
المناسبة:
بعد بيان الدلائل على قدرة الله تعالى وتعداد نعمه في الأنفس البشرية أو الذوات، ذكر الله دلائل الآفاق، وعدّد النعم التي يحتاج إليها الإنسان لقوام حياته.

صفحة رقم 70

التفسير والبيان:
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أي فليتأمل الإنسان كيف خلق الله طعامه الذي يعيش به، ويكون سببا لحياته، وكيف دبره وهيأه له. وفي هذا امتنان بهذه النعمة، واستدلال بإحياء النبات من الأرض الهامدة على إحياء الأجسام بعد ما كانت عظاما بالية.
ثم أوضح كيفية إيجاد الطعام، فقال:
أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا أننا أنزلنا الماء من السماء أو سحاب على الأرض بغزارة وكثرة، فصب الماء هو المطر، ثم أسكناه في الأرض، ثم روينا البذر المودع فيها، ثم شققناها بالنبات الخارج منها، فارتفع وظهر على وجهها، فكان هناك أنواع مختلفة من النباتات في الصغر والكبر، والهيئة والشكل، واللون والطعم، والأغراض المتنوعة كالغذاء والدواء والمرعى، لذا ذكر تعالى بعدئذ ثمانية أنواع من النبات بقوله:
١- ٣- فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً أي فأنبتنا في الأرض الحبوب التي يتغذى بها كالحنطة والشعير والذرة، والأعناب المتنوعة، والرطبة أو القت أو البرسيم أو الفصفصة التي تأكلها الدواب رطبة. والمعنى أن النبات لا يزال ينمو ويتزايد إلى أن يصير حبا وعنبا وقضبا. وقيل: القضب: العلف.
٤- ٥- وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا أي وأنبتنا أيضا شجر الزيتون والنخيل، وثمرتهما معروفة.
٦- ٨- وَحَدائِقَ غُلْباً، وَفاكِهَةً، وَأَبًّا أي بساتين ذات أشجار ضخمة ومتكاثفة كثيرة، وفاكهة وهي كل ما يتفكه به من الثمار، أي يستمتع به، كالتفاح والكمثّرى والموز والخوخ والتين ونحوها، وعشبا أو حشيشا مرعى

صفحة رقم 71

للدواب، فالأب: كل ما أنبتت الأرض مما لا يأكله الناس ولا يزرعونه من الكلأ وسائر أنواع المرعى للحيوان.
ثم ذكر وجه النعمة أو الحكمة في خلق هذه النباتات، فقال:
مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ أي جعلنا ذلك متعة أو عيشة لكم ولأنعامكم، لتنتفعوا بها وتأكلها بهائمكم، والأنعام: هي الإبل والبقر والغنم.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- أمر الله تعالى بالنظر والاستدلال والتدبر إلى الطعام الذي يتناوله الإنسان، ويعيش به، كيف دبّر الله أمره، من إنزال الماء من السماء، ثم شق الأرض بالنبات أو بالحراثة على الدواب أو بالآلات، وإخراج أنواع النبات المختلفة.
٢- ذكر الله تعالى ثمانية أنواع من النبات: وهي الحب: وهو كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما، وقدّم لأنه كالأصل في الغذاء، والعنب، وذكر بعد الحب، لأنه غذاء من وجه وفاكهة من وجه آخر، والقضب عند أهل مكة واليمن: وهو الرطبة المسماة بالقت، والزيتون والنخيل، والحدائق ذات الأشجار الضخمة الكثيرة، والفاكهة: وهي ما يأكله الناس من الثمار، وقد ذكرها مجملة ليعم جميع أنواعها، والأب: وهو المرعى الذي يؤبّ أي يؤم وينتجع، وهو ما تأكله البهائم من العشب.
٣- الغاية من خلق هذه النباتات التي تشمل ما يتغذي به الإنسان والحيوان: هي الانتفاع بها، سواء بالنسبة للناس أو للدواب لأن إنبات هذه الأشياء إمتاع لجميع الحيوانات.

صفحة رقم 72
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية