آيات من القرآن الكريم

كِرَامٍ بَرَرَةٍ
ﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅ ﮇﮈ ﮊﮋ ﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓ

عن سفيان الثوريّ رحمه الله أن الفقراء كانوا في مجلسه أمراء.
الثاني: في هذه الآيات ونحوها، دليل على عدم ضنه ﷺ بالغيب. قال ابن زيد: كان يقال: لو أن رسول الله ﷺ كتم من الوحي شيئا، كتم هذا عن نفسه.
الثالث: قال الرازي: القائلون بصدور الذنب عن الأنبياء عليهم السلام، تمسكوا بهذه الآية وقالوا: لما عاتبه الله في ذلك الفعل، دل على أن ذلك الفعل كان معصية. وهذا بعيد فإنا قد بينا أن ذلك كان هو الواجب المتعين، إلا بحسب هذا الاعتبار الواحد. وهو أنه يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء. وذلك غير لائق بصلابة الرسول عليه السلام. وإذا كان كذلك، كان ذلك جاريا مجرى ترك الاحتياط وترك الأفضل، فلم يكن ذلك ذنبا البتة.
وأجاب الإمام ابن حزم في (الفصل) بقوله: وأما قوله: عَبَسَ وَتَوَلَّى الآيات فإنه كان عليه السلام قد جلس إليه عظيم من عظماء قريش، ورجا إسلامه. وعلم عليه السلام أنه لو أسلم لأسلم بإسلامه ناس كثير، وأظهر الدين. وعلم أن هذا الأعمى الذي يسأله عن أشياء من أمور الدين لا يفوته، وهو حاضر معه. فاشتغل عنه عليه السلام بما خاف فوته من عظيم الخير، عما لا يخاف فوته. وهذا غاية النظر في الدين والاجتهاد في نصرة القرآن في ظاهر الأمر ونهاية التقرب إلى الله، الذي لو فعله اليوم منا فاعل، لأجر. فعاتبه الله عزّ وجلّ على ذلك، إذ كان الأولى عند الله تعالى أن يقبل على ذلك الأعمى الفاضل البر التقي، وهذا نفس ما قلناه! انتهى.
وقال القاشاني: كان ﷺ في حجر تربية ربه، لكونه حبيبا. فكلما ظهرت نفسه بصفة حجبت عنه نور الحق، عوتب وأدب كما
قال «١» :(أدبني ربي فأحسن تأديبي)
إلى أن تخلق بأخلاقه تعالى. انتهى. وقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة عبس (٨٠) : الآيات ١١ الى ١٧]
كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥)
كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦) قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧)
كَلَّا ردع عن المعاتب عليه وعن معاودة مثله. قال أنس رضي الله عنه:
كان النبي ﷺ بعد ذلك يكرمه. رواه أبو يعلى. وقوله تعالى إِنَّها تَذْكِرَةٌ أي إن المعاتبة المذكورة موعظة يجب الاتعاظ بها والعمل بموجبها.

(١) أخرجه العسكري في: كشف الخفاء، عن علي رضي الله عنه.

صفحة رقم 406

قال الشهاب: وكون عتابه على ما ذكر عظة، لأنه مع عظمة شأنه ومنزلته عند الله إذا عوتب على مثله. فما بالك بغيره؟ وجوّز عود الضمير للآيات وللسورة، والوصية بالمساواة بين الناس، ولدعوة الإسلام. وقوله تعالى: فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ أي حفظه. على أنه من (الذكر) خلاف النسيان: أو اتعظ به، من (التذكير).
قال الزمخشري: وذكّر الضمير لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ. وقيل:
الضمير للقرآن. والكلام استطراد فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ يعني صحف آيات التنزيل وسوره مَرْفُوعَةٍ أي عالية المقدار مُطَهَّرَةٍ من التغيير والنقص والضلالة بِأَيْدِي سَفَرَةٍ جمع سافر بمعنى سفير. أو هو الذي سعى بين قومه بالصلح والسلام. يقال:
سفر بين القوم، إذا أصلح بينهم. ومنه قوله:

وما أدع السفارة بين قومي وما أمشي بغشّ، إن مشيت
والسفرة، إما الملائكة لأنهم يسفرون بالوحي بين الله تعالى ورسله. كأنه محمول بأيديهم. وإما الأنبياء لأنهم وسائط في الوحي يبلغونه للناس كِرامٍ أي عنده تعالى، لاصطفائهم للرسالة بَرَرَةٍ أي أخيار. جمع (بارّ) وهو صانع البر والخير.
قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ قال الرازي: اعلم أنه تعالى لما بدأ بذكر القصة المشتملة على ترفع صناديد قريش على فقراء المسلمين، عجّب عباده المؤمنين من ذلك. فكأنه قيل: وأي سبب في هذا العجب والترفع؟ مع أنّ أوله نطفة قذرة وآخرة جيفة مذرة. وفيما بين الوقتين حمال عذرة. فلا جرم، ذكر تعالى ما يصلح أن يكون علاجا لعجبهم، وما يصلح أن يكون علاجا لكفرهم. فإن خلق الإنسان تصلح لأن يستدل بها على وجود الصانع وعلى القول بالبعث والحشر والنشر. ومرجعه إلى أن المراد بالإنسان من استغنى عن القرآن الكريم الذي ذكرت نعوته الجليلة الموجبة للإقبال عليه والإيمان به. وجوز أن يراد بالإنسان الجنس المنتظم للمستغني، ولأمثاله من أفراده، لا باعتبار جميع أفراده.
لطائف:
الأولى: قال الزمخشري: قُتِلَ الْإِنْسانُ دعاء عليه وهي من أشنع دعواتهم.
لأن القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها.
الثانية: قال ابن جرير: في قوله: ما أَكْفَرَهُ وجهان أحدهما التعجب من

صفحة رقم 407
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية