آيات من القرآن الكريم

فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﰿ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ

المنَاسَبَة: لما أمر الله تعالى بإِعداد العدة لإِرهاب الأعداء، أمر هنا بالسلم بشرط العزة والكرامة متى وجد السبيل إِليه، لأن الحرب ضرورة اقتضتها ظروف الحياة لرد العدوان، وحرية الأديان، وتطهير الأرض من الظلم والطغيان، ثم تناولت الآيات الكريمة حكم الأسرى، وختمت السورة بوجوب مناصرة المؤمنين بعضهم لبعض، بسبب الولاية الكاملة وأخوة الإِيمان.
اللغَة: ﴿جْنَحْ﴾ مال يقال: جنح الرجل إِلى فلان إِذا مال إِليه وخضع له، وجنحت الإِبل: إِذا مالت أعناقها في السير، ومنه قيل للأضلاع جوانح ﴿السلم﴾ المسالمة والصلح قال الزمخشري: وهي تؤنث تأنيث ضدها وهي الحرب قال الشاعر:

صفحة رقم 475

السِّلم تأخذ منها ما رضيت به والحرب يكفيك من أنفاسها جُرع
﴿حَرِّضِ﴾ التحريض: الحث على الشيء وتحريك الهمة نحوه كالتحضيض ﴿يُثْخِنَ﴾ قال الواحدي: الإِثخان في كل شيء عبارة عن قوته وشدته، يقال: قد أثخنه المرض إِذا اشتدت قوته عليه، وأثخنته الجراح، والثخانة: والغلظة، والمراد بالإِثخان هنا المبالغة في القتل والجراحات.
سَبَبُ النّزول: أ - عن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قال: لما هزم الله المشركين يوم بدر، وقتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون، استشار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أبا بكر وعمر وعلياً فقال أبو بكر: يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة، وإِني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً، فقال رسول الله: ما ترى يا ابن الخطاب! قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه، وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة على المشركين، هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد غدوت إِلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فإِذا هو قاعد وأبو بكر الصديق وهما يبكيان، فقلت يا رسول الله: أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإِن وجدت بكاءً بكيت، وإِن لم أجد بكاءً تباكيت، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أبكي للذي عرض علي أصحابك من الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة» لشجرة قريبة فأنزل الله ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى حتى يُثْخِنَ فِي الأرض﴾ الآية.
ب - لما وقع العباس عم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الأسر كان معه عشرون أوقية من ذهب، فلم تحسب له من فدائه، وكلف أن يفدي ابني أخيه فأدى عنهما ثمانين أوقية من ذهب، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
«أضعفوا على العباس الفداء» فأخذوا منه ثمانين أوقية فقال العباس لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لقد تركتني أتكفَّف قريشاً ما بقيت، فقال له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: وأين الذهب الذي تركته عند أم الفضل؟ فقال: أي الذهب؟ فقال: إِنك قلت لها: إِني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا! فإِن حدث بي حدث فهو لك ولولدك، فقال يا ابن أخي: من أخبرك بهذا؟ قال: الله أخبرني فقال العباس: أشهد أنك صادق، وما علمت أنك رسول الله قبل اليوم، وأمر ابني أخيه فأسلما ففيهما نزلت ﴿ياأيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى﴾ الآية.
التفسِير: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا﴾ أي إِن مالوا إِلى الصلح والمهادنة فمل إِليه وأجبهم إِلى ما طلبوا إِن كان فيه مصلحة ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الله﴾ أي فوض الأمر إِلى الله ليكون عوناً لك على السلامة ﴿إِنَّهُ هُوَ السميع العليم﴾ أي هو سبحانه السميع لأقوالهم العليم بنياتهم ﴿وَإِن يريدوا أَن يَخْدَعُوكَ﴾ أي وإِن أرادوا بالصلح خداعك ليستعدوا لك ﴿فَإِنَّ حَسْبَكَ الله﴾ أي فإِن الله يكفيك وهو

صفحة رقم 476

حسبك، ثم ذكره بنعمته عليه فقال ﴿هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبالمؤمنين﴾ أي قواك وأعانك بنصره وشد أزرك بالمؤمنين قال ابن عباس: يعني الأنصار ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ أي جمع بين قلوبهم على ما كان بينهم من العداوة والبغضاء، فأبدلهم بالعداوة حباً، وبالتباعد قرباً قال القرطبي: وكان تأليف القلوب مع العصبيّة الشديدة في العرب من آيات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ومعجزاته، لأن أحدهم كان يُلطم اللطمة فيقاتل عليها، وكانوا أشد خلق الله حمية، فألف الله بينهم بالإِيمان، حتى قاتل الرجل أباه وأخاه بسبب الدين ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ أي لو أنفقت في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال ما قدرت على تأليف قلوبهم واجتماعها على محبة بعضها بعضاً ﴿ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ أي ولكنه سبحانه بقدرته البالغة جمع بينهم ووفق، فإِنه المالك للقلوب يقلبها كيف يشاء ﴿إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ أي غالب على أمره لا يفعل شيئاً إِلا عن حكمة ﴿ياأيها النبي حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين﴾ أي الله وحده كافيك، وكافي اتباعك، فلا تحتاجون معه إِلى أحد وقال الحسن البصري: المعنى حسبك أي كافيك الله والمؤمنون ﴿ياأيها النبي حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال﴾ أي حض المؤمنين ورغبهم بكل جهدك على قتال المشركين ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ﴾ قال أبو السعود: هذا وعد كريم منه تعالى بغلبة كل جماعة من المؤمنين على عشرة أمثالهم والمعنى: إِن يوجد منكم يا معشر المؤمنين عشرون صابرون على شدائد الحرب يغلبوا مائتين من عدوهم، بعون الله وتأييده ﴿وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يغلبوا أَلْفاً مِّنَ الذين كَفَرُواْ﴾ أي وإِن يوجد منكم مائة - بشرط الصبر عند اللقاء - تغلب ألفاً من الكفار بمشيئة الله ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ﴾ الباء سببية أي سبب ذلك بأن الكفار قوم جهلة لا يفقهون حكمة الله، ولا يعرفون طريق النصر وسببه، فهم يقاتلون على غير احتساب ولا طلب ثواب، فلذلك يُغلبون قال ابن عباس: كان ثبات الواحد للعشرة فرضاً، ثم لما شق ذلك عليهم نسخ وأصبح ثبات الواحد للاثنين فرضاً ﴿الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ﴾ أي رفع عنكم ما فيه مشقة عليكم ﴿وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً﴾ أي وعلم ضعفكم فرحمكم في أمر القتال ﴿فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ﴾ أي إِن يوجد منكم مائة صابرة على الشدائد يتغلبوا على مائتين من الكفرة ﴿وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يغلبوا أَلْفَيْنِ﴾ أي وإِن يوجد منكم ألف صابرون في ساحة اللقاء، يتغلبوا على ألفين من الأعداء ﴿بِإِذْنِ الله﴾ أي بتيسيره وتسهيله ﴿والله مَعَ الصابرين﴾ هذا ترغيب في الثبات وتبشير بالنصر أي الله معهم بالحفظ والرعاية والنصرة، ومن كان الله معه فهو الغالب ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى حتى يُثْخِنَ فِي الأرض﴾ عتاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأصحابه على أخذ الفداء والمعنى: لا ينبغي لنبي من الأنبياء أن يأخذ الفداء من الأسرى

صفحة رقم 477

إِلا بعد أن يكثر القتل ويبالغ فيه ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا﴾ أي تريدون أيها المؤمنون بأخذ الفداء حطام الدنيا ومتاعها الزائل؟ ﴿والله يُرِيدُ الآخرة﴾ أي يريد لكم الباقي الدائم، وهو ثواب الآخرة، بإِعزاز دينه وقتل أعدائه ﴿والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ أي عزيز في ملكه لا يقهر ولا يُغلب، حكيم في تدبير مصالح العباد ﴿لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ﴾ أي لولا حكم في الأزل من الله سابق وهو ألا يعذب المخطئ في اجتهاده ﴿لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أي لأصابكم في أخذ الفداء من الأسرى عذاب عظيم، وروي أنها لما نزلت قال عليه السلام
«لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر» ﴿فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً﴾ أي كلوا يا معشر المجاهدين مما أصبتموه من أعدائكم من الغنائم في الحرب حال كونه حلالاً أي محللاً لكم ﴿طَيِّباً﴾ أي من أطيب المكاسب لأنه ثمرة جهادكم، وفي الصحيح «وجعل رزقي تحت ظل رمحي» ﴿واتقوا الله﴾ أي خافوا الله في مخالفة أمره ونهيه ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي مبالغ في المغفرة لمن تاب، رحيم بعباده حيث أباح لهم الغنائم ﴿ياأيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى﴾ أي قل لهؤلاء الذين وقعوا في الأسر من الأعداء، والمراد بهم أسرى بدر ﴿إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً﴾ أي إِن يعلم الله في قلوبكم إِيماناً وإِخلاصاً، وصدقاً في دعوى الإِيمان ﴿يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ﴾ أي يعطكم أفضل مما أخذ منكم من الفداء ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ أي يمحو عنكم ما سلف من الذنوب ﴿والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي واسع المغفرة، عظيم الرحمة لمن تاب وأناب قال البيضاوي: نزلت في العباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه حين كلفه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يفدي نفسه وابني أخويه «عقيل» و «نوفل» فقال يا محمد: تركتني أتكفف قريشاً ما بقيت، فقال: أين الذهب الذي دفعته إِلى أم الفضل وقت خروجك وقلت لها: إِني لا أدري ما يصيبني في جهتي هذه، فإِن حدث بي حدث فهو كل ولعيالك! ﴿فقال العباس: ما يدريك؟ قال: أخبرني به ربي تعالى، قال: فأشهد أنك صادق، وأن لا إِله إِلا الله وأنك رسوله، والله لم يطلع عليه أحد، ولقد دفعته إِليها في سواد الليل﴾ ! قال العباس: فأبدلني الله خيراً من ذلك، وأعطاني زمزم ما أحب أن لي بها جميع أموال مكة، وأنا أنتظر المغفرة من ربي - يعني الموعود - بقوله تعالى ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ ﴿وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ﴾ وإِن كان هؤلاء الأسرى يريدون خيانتك يا محمد بما أظهروا من القول ودعوى الإِيمان ﴿فَقَدْ خَانُواْ الله مِن قَبْلُ﴾ أي فقد خانوا الله تعالى قبل هذه الغزوة غزوة بدر ﴿فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾ أي فقواك ونصرك الله عليهم وجعلك تتمكن من رقابهم، فإِن عادوا إِلى الخيانة فسيمكنك منهم أيضاً ﴿والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي عالم بجميع ما يجري، يفعل ما تقضي به حكمته البالغة ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ﴾ أي صدقوا الله ورسوله ﴿وَهَاجَرُواْ﴾ أي تركوا وهجروا الديار والأوطان حباً في الله ورسوله ﴿وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله﴾ أي جاهدوا الأعداء بالأموال والأنفس لإِعزاز دين الله، وهم المهاجرون {والذين آوَواْ

صفحة رقم 478

ونصروا} أي آووا المهاجرين في ديارهم ونصروا رسول الله وهم الأنصار ﴿أولئك بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ أي أولئك الموصوفون بالصفات الفاضلة بعضهم أولياء بعض في النصرة والإِرث، ولهذا أخى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بين المهاجرين والأنصار ﴿والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ﴾ أي آمنوا وأقاموا بمكة فلم يهاجروا إِلى المدينة ﴿مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حتى يُهَاجِرُواْ﴾ أي لا إِرث بينكم وبينهم ولا ولاية حتى يهاجروا من بلد الكفر ﴿وَإِنِ استنصروكم فِي الدين فَعَلَيْكُمُ النصر﴾ أي وإِن طلبوا منكم النصرة لأجل إِعزاز الدين، فعليكم أن تنصروهم على أعدائهم لأنهم إخوانكم ﴿إِلاَّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ﴾ أي إِلا إِذا استنصروكم على من بينكم وبينهم عهد ومهادنة فلا تعينوهم عليهم ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي رقيب على أعمالكم فلا تخالفوا أمره.
ذكر تعالى المؤمنين وقسمهم إِلى ثلاثة أقسام: المهاجرين، الأنصار، الذين لم يهاجروا، فبدأ بالمهاجرين لأنهم أصل الإِسلام وقد هجروا الديار والأوطان ابتغاء رضوان الله، وثنى بالأنصار لأنهم نصروا الله ورسوله وجاهدوا بالنفس والمال، وجعل بين المهاجرين والأنصار الولاية والنصرة، ثم ذكر حكم المؤمنين الذين لم يهاجروا بيّن أنهم حرموا الولاية حتى يهاجروا في سبيل الله، وبعد ذكر هذه الأقسام الثلاثة ذكر حكم الكفار فقال ﴿والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ أي هم في الكفر والضلال ملة واحدة فلا يتولاهم إِلا من كان منهم ﴿إِلاَّ تَفْعَلُوهُ﴾ أي وإِن لم تفعلوا ما أمرتم به من تولي المؤمنين وقطع الكفار ﴿تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرض وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ أي تحصل في الأرض فتنة عظيمة ومفسدة كبيرة، لأنه يترتب على ذلك قوة الكفار وضعف المسلمين، ثم عاد بالذكر والثناء على المهاجرين والأنصار فقال ﴿والذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله﴾ وهم المهاجرون أصحاب السبق إِلى الإِسلام ﴿والذين آوَواْ ونصروا﴾ وهم الأنصار أصحاب الإِيواء والإِيثار ﴿أولئك هُمُ المؤمنون حَقّاً﴾ أي هؤلاء هم الكاملون في الإِيمان، المتحققون في مراتب الإِحسان ﴿لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ أي لهم مغفرة لذنوبهم، ورزق كريم في جنات النعيم قال المفسرون: ليس في هذه الآيات تكرار، فالآيات السابقة تضمنت الولاية والنصرة بين المؤمنين، وهذه تضمنت الثناء والتشريف، ومآل حال أولئك الأبرار من المغفرة والرزق الكريم في دار النعيم ﴿والذين آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فأولئك مِنكُمْ﴾ هذا قسم رابع وهم المؤمنون الذين هاجروا بعد الهجرة الأولى فحكمهم حكم المؤمنين السابقين في الثواب والأجر ﴿وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله﴾ أي أصحاب القرابات بعضهم أحق بإِرث بعض من الأجانب في حكم الله وشرعه قال العلماء: هذه ناسخة للإِرث بالخلف والإِخاء ﴿إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أي أحاط بكل شيء علماً، فكل ما شرعه الله حكمة وصواب وصلاح، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وهو ختم للسورة في غاية البراعة.
البَلاَغَة: ١ - ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ هذا الأسلوب يسمى ب «الإِطناب» وفائدته التذكير بالمنة الكبرى والنعمة العظمى على الرسول والمؤمنين.
٢ - ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ... ﴾ الآيات في البحر: انظر إِلى فصاحة هذا الكلام حيث أثبت في الشرطية الأولى قيد الصبر، وحذف نظيره من الثانية، وأثبت في الثانية قيد

صفحة رقم 479

كونهم من الكفرة، وحذفه من الأولى، ولما كان الصبر شديد الطلب أثبت في جملتي التخفيف، ثم ختمت الآيات بقوله ﴿والله مَعَ الصابرين﴾ مبالغة في شدة المطلوبية، وهذا النوع من البديع يسمى «الاحتباك». فلله در التنزيل ما أحلى فصاحته وأنضر بلاغته!!

صفحة رقم 480
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية