آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﰿ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

وكذلك جمع كلمة المهاجرين والأنصار على ما يدل به كل منهما بميزة لا تتوافر لسواه فالمهاجرون لهم مزية القرب من الرسول والسبق إلى الإيمان، والأنصار لهم ميزة المال والقوة وإنقاذ الرسول وقومه من ظلم مشركى مكة وإيواؤهم ومشاركتهم لهم فى أموالهم، فكل هذا من عوامل التحاسد والتنازع لولا فضل الله وعنايته، ومن ثم قال:
(وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) إذ هداهم إلى الإيمان الذي دعوتهم إليه فتآلفت قلوبهم.
ونحو الآية قوله: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ».
وقد دلت التجارب على أن التآلف من أقوى وسائل التعاون وأنجعها، وأجدى وسائل التحاب والتآلف قوة الإيمان، ومن ثم قال ابن عباس رضى الله عنهما: إن الرحم لتقطع، وإن النعمة لتكفر، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شىء، ثم قرأ: «لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ» الآية (إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي إنه تعالى الغالب على أمره الذي لا يغلبه خداع الخادعين ولا كيد الماكرين، الحكيم فى أفعاله، فينصر الحق على الباطل، ويفضّل الجنوح للسلم إذا جنح إليها العدو على الحرب.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٦٤ الى ٦٦]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦)

صفحة رقم 28

تفسير المفردات
حسبك: أي كافيك ما يهمّك، والتحريض: الحث على الشيء، لا يفقهون:
أي لا يدركون حكمة الحرب وما يقصد بها من سعادة فى الدنيا والآخرة، والضعف (بالفتح والضم) يشمل المادي والمعنوي، وقيل هو بالضم لما يكون فى البدن، وبالفتح لما يكون فى الرأى والعقل والنفس.
المعنى الجملي
بعد أن أمر الله رسوله بالجنوح للسلم إذا جنح لها الأعداء وربما كان جنوحهم لها مظنّة الخداع والمكر، ووعده أن يكفيه أمرهم إذا أرادوا التوسل بالصلح إلى الحرب وضروب الإيذاء والشر، وامتن عليه بتأييده له بنصره وبالمؤمنين، إذ سخرهم له وألف بين قلوبهم باتباعه- قفّى على ذلك بوعده بكفايته له ولهؤلاء المؤمنين الذين ألف قلوبهم فى حالى الحرب والسلم وجعل هذا تقدمة لأمره بتحريضهم على القتال حين الحاجة إليه، كما إذا بدأ العدو بالحرب أو نقض العهد أو خان فى الصلح.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي إن الله تعالى كاف لك كل ما يهمك من أمر الأعداء وغيرهم، وكاف لمن أيدك من المؤمنين.
ونحو الآية قوله: «الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وقوله: قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ».
وإذا كان دأب المؤمنين أن يقولوا «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» فأجدر بأنبيائه أن يكونوا أكمل توحيدا وتوكلا عليه من غيرهم ولا سيما خاتم أنبيائهم.

صفحة رقم 29

والمراد بالمؤمنين جماعتهم من المهاجرين والأنصار ولا سيما من شهد منهم بدرا.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) أي حرض المؤمنين على القتال ورغّبهم فيه لدفع عدوان الكفار من إعلاء كلمة الحق والعدل وأهلهما على كلمة الباطل والظلم وأنصارهما، إذ ذاك من ضرورات الاجتماع البشرى وسنة التنازع فى الحياة والسيادة.
والخلاصة- حثّهم على ما يقيهم أن يكونوا حرضا أو يكونوا من الهالكين بعدوان الكافرين عليهم وظلمهم إياهم إذا رأوهم ضعفاء مستسلمين.
(إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي إن يوجد منكم عشرون صابرون يغلبوا بتأثير إيمانهم وصبرهم وفقههم مائتين من الكافرين الذين جرّدوا من هذه الصفات الثلاث، وهذا عدة منه تعالى وبشارة بأن الجماعة من المؤمنين إن صبروا غلبوا عشرة أمثالهم من الكافرين بعون الله وتأييده.
والخلاصة- ليصبرنّ الواحد لعشرة، فجماعة المؤمنين الصابرين ترجح جماعة الكافرين بهذه النسبة العشرية، سواء قلوا أو كثروا، بحيث يؤمرون بقتالهم وعدم الفرار منهم إذا بدءوهم بالقتال.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) أي أنتم تغلبونهم وهم بهذه النسبة بسبب أنهم قوم لا يفقهون ما تفقهون من حكمة الحرب وما يراد بها من مرضاة الله عز وجل فى إقامة سننه العادلة وإصلاح حال عباده بالعقائد الصحيحة والأخلاق الفاضلة ومن وجوب مراعاة أحكامه وسننه بإعداد كل ما يستطاع من قوة، ومن كون غاية القتال عند المؤمنين إحدى الحسنيين النصر والغنيمة الدنيوية، أو الشهادة والسعادة الأخروية.
وحالهم يخالف حالكم فى كل ما تقدم، ولا سيما منكرى البعث والجزاء منهم كمشركى العرب فى ذلك العصر، واليهود الذين أعمتهم المطامع المادية وحب

صفحة رقم 30

الشهوات، فهم أحرص على الحياة منكم لعدم اعتقادهم بسعادة أخروية، إلى أن أهل الكتاب يظنون أنهم يحصلون عليها بنسبهم وشفاعة أنبيائهم.
وفى الآية إيماء إلى أن من شأن المؤمنين أن يكونوا أعلم من الكافرين بكل ما يتعلق بحياة البشر وارتقاء الأمم، ومن ثم كانت المائة منهم دون العشرة من المؤمنين الصابرين.
وهكذا كان المسلمون فى العصور الأولى حين كانوا يعملون بهداية دينهم وكانوا بها أرباب ملك واسع وعز وجاه عريض ودانت لهم الشعوب الكثيرة، حتى إذا ما تركوا هذه الهداية زال مجدهم وسؤددهم وذهب ريحهم ونزع منهم أكثر ذلك الملك.
وبعد أن بين المرتبة العليا التي ينبغى أن تكون للمؤمنين، قفّى على ذلك ببيان مادونها من مرتبة الضعف فقال:
(الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)
روى البخاري عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: لما نزلت «إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين» شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم ألا يفرّ الواحد من عشرة، فجاء التخفيف فقال: «الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين» قال: فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم.
وبهذا الحديث استدل العلماء على وجوب ثبات الواحد المسلم إذا قاوم رجلين من الكفار وتحريم الفرار عليه منهما، سواء طلباه أو طلبهما، وسواء وقع ذلك وهو واقف فى الصف مع العسكر أو لم يكن هناك عسكر.
والخلاصة- إن أقلّ حال للمؤمنين مع الكفار فى القتال أن ترجح المائة منهم على المائتين والألف على الألفين، وإن هذه رخصة خاصة بحال الضعف كما كان الحال فى الوقت الذي نزلت فيه هذه الآيات وهو وقت غزوة بدر حين كان المؤمنون

صفحة رقم 31
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية