
(إِنَّ شَرَّ الدَوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كفَرُوا)
" الدواب " جمع دابة، وهي كل ما يدب على وجه الأرض من حشرات إلى قردة وخنازير، إلى كلاب وحمير وخيل، إلى الإنسان، والتعبير عن الذين كفروا بالدواب حط من إنسانيتهم؛ لأنهم أغفلوا مداركهم وصاروا كأقل الحيوان ذكرا، ومكانا.
وليسوا فقط أحط الأحياء، بل هم أحط من أحطها، فهم شر الدواب، وهم في الدرك الأسفل من الحيوانية، وأحط ما في هذا الدرك.
يقول تعالى مؤكدا القول: (إِنَّ شَرَّ الذَوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) فحكم الله تعالى بأنهم أشد الحيوانات شرا، من الحشرات التي تدب إلى الإنسان الذي خلقه الله تعالى فسواه في أحسن تقويم، وشرهم الشديد؛ لأنهم أوتوا عقولا فشوهوا إدراكها، وأوتوا فطرة سليمة، فرضوا أن يعبدوا حجارة هي أحط من أحط الحشرات وجودا؛ لأن الحشرة فيها حياة وأوثانهم لَا حياة فيها، وهم شر الأحياء لأن كل شيء حي فيه نفع، وإن كنا لَا نحصيه، وهم شر لأنهم ظالمون ولا نفع فيهم، وهم شر لأنهم يعاندون الخير ويعاندون الحق ويؤيدون الشر، وإذا كان مقياس الخير والشر هو النفع في الخير، والفساد في الشر - فالذين كفروا بمقتضى هذا القياس سلب منهم كل ضر، واتسموا بكل شر، فكانوا شر الأحياء.

ثم قال تعالى: (فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) " الفاء " تفيد السببية والمعنى هم سبب كفرهم لَا يؤمنون والنفي نفي متجدد للإيمان، أي أنه قد تلبس بهم الكفر فلا يؤمنون قط، وعبر بالمضارع لتجدد كفرهم آنًا بعد آنٍ، وتلك حالهم، ونفَى الله عنهم الإيمان بإطلاق، فلم ينف الإيمان بالله والرسول فقط، بل نفى الإيمان بإطلاق فهم لَا يؤمنون بحق إلا في ظل أهوائهم وشهواتهم، ولا يؤمنون بفضيلة، ولا يؤمنون بحق الإنسان على أخيه بل يؤمنون بالجبت والطاغوت، لَا يؤمنون إلا بالشيطان، فعقولهم كلها للشر، ونفوسهم سكنها الشيطان يعاضدون الظلم، ويؤيدون الباطل، فكانوا بهذا شر الدواب عند الله، أي في حكم الله تعالى خالق الحياة والأحياء.
وأوضح سبحانه إيذاءهم للناس بأنهم لَا يرتبطون بعهد مع الناس قط، فهم لا يشعرون بحق لغيرهم ولو بعقد التزموه أو عهد أبرموه فهم جائرون بائرون في تفكيرهم وإنسانيتهم، ولذا قال تعالى: