آيات من القرآن الكريم

ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ

كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ»
لرأيت أمرا فظيعا هالك مرآه، لأنهم إذ ذاك «يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ» عند الاقدام «وَأَدْبارَهُمْ» حال الانهزام والأفظع من هذين الأمرين أنهم يقولون لهم بعد الموت موتوا «وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) » في جهنم فهي مثواكم في الآخرة
«ذلِكَ» الذي حل بكم أيها الكفار في الدنيا من القتل وفي الآخرة من العذاب هو «بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ» من الشرك والمعاصي وظلمكم أنفسكم بذلك.
ووصفت اليد لأنها آلة العمل المؤثرة، وإلا فالكفر محله القلب وعلامته اللسان «وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) » إذ لا يعذب أحدا بلا ذنب، على أنه لو فعل فلا يعد ظلما لاستحالة نسبة الظلم إليه، لأنه المالك المطلق وللمالك التصرف بملكه كيف يشاء، ألا ترى أنك إذا هدمت دارك أو أخربت ما هو ملكك لا يعترضك فيه أحد؟ وإن عادة هؤلاء الكفار في كفرهم «كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) » بحيث لا تطيقه الجبال الحديدية. وفي هذه الآية تهديد ووعيد لهؤلاء الكفار والمنافقين من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم، وإعلام بأنه تعالى سيعذبهم في الدنيا بالهلاك وفي الآخرة بالنار، كما عذب أولئك في الدنيا ويعذبه مفي الآخرة.
والدأب إدامة العمل. وسميت العبادة دأبا لمداومة الإنسان عليها «ذلِكَ» العذاب والانتقام «بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ» كي يكونوا هم السبب في ذلك ويندموا من حيث لا ينفعهم الندم، لأن ما يحدثه للخلق من بعض ما هو مدون في أزله قبل خلقهم، إذ لا يقع شيء إلا وهو مسجل في اللوح المحفوظ ثابت في علم الله «وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ» لما يقع من عبده سرا أو جهرا «عَلِيمٌ (٥٣) » به قبل وقوعه. وليعلم كل إنسان أن يذكر مع كل نعمة زوالها كي يحافظ عليها بالشكر، ويذكر مع كل بلية كشفها ليحافظ على الرجاء من الله فإن ذلك أبقى للنعمة، وأسلم من البطر، وأقرب من الفرج، لأن الدنيا دار تجارة، فالويل لمن تزود منها الخسارة، ويكفيك أنها مزرعة الآخرة، وقيل في المعنى في هذا:

صفحة رقم 301

وتشير هذه الآية إلى أن الله تعالى أرسل محمدا نعمة عظمى لأهل مكة خاصة مكملة لنعمهم الأولى من جوارهم لحماه، وأمنهم مما يخافون، ومما يخافه غيرهم، وتخويلهم رحلة الشتاء والصيف، فلم يقدروها ولم يشكروها، بل قابلوها بالكفر والجحود، فنقله الله عنهم إلى الأنصار لأنه رحمة للعالمين أجمع، راجع الآية ٢٩ من سورة إبراهيم في ج ٢، والآية ٤٣ من سورة الرعد الآتية. وديدنهم هذا «كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ» لما كفروا بموسى عليه السلام «وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ» وكفروا بأنبيائهم أيضا «فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ» بعضهم بالخسف وبعضهم بالصيحة ومنهم بالحجارة ومنهم بالمسخ والغرق، وحرم فرعون نعمة موسى إذ نقلت لبني إسرائيل الذين اتبعوه «وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ» وأنجينا موسى وقومه «وَكُلٌّ» من المعذبين والمهلكين «كانُوا ظالِمِينَ (٥٤) » أنفسهم وغيرهم، فأخذناهم بظلمهم. وقد كررت ألفاظ هذه الآية تأكيدا لأنها جرت مجرى التفصيل للآية الأولى التي ذكر فيها أخذهم وكفرهم بآياته، وفي الثانية إعراضهم وتكذيبهم بآياته. قال تعالى «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) » لا يتوقع إيمانهم لتوغلهم بالكفر، وهؤلاء «الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ» يا سيد الرسل «ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) » (٥٦) نقض العهد مع أنهم أهل كتاب ودين يجب عليهم الوفاء به وعدم النكث بمقتضى كتابهم ودينهم، وهم على العكس شأنهم شأن الذين لا دين لهم بل أضل. قد نزلت هذه الآية في بني قريظة المار ذكرهم في الآية ٢٦ إذ عاهدهم الرسول أولا على أن لا يحاربوه ولا يعاونون عليه، فنقضوا عهدهم وأعانوا مشركي العرب عليه بسلاحهم، وقالوا نسينا وأخطأنا، ثم عاهدهم ثانيا فنكثوا أيضا ومالئوا عليه الكفار يوم الخندق، وذهب رئيسهم كعب بن الأشرف إلى مكة وحالف قريش وأهلها على حرب الرسول. وقال سعيد بن جبير: نزلت في ستة رهط من اليهود منهم ابن تابوت كانوا عاهدوا ثم نقضوا.
قال تعالى «فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ» يا محمد فتجدنّهم وتصادفنهم «فِي الْحَرْبِ» فتظفر بهم «فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ» أي نكّل بهم غيرهم بأن تقتلهم قتلا ذريعا

صفحة رقم 302

فظيعا، تفرق به جمعهم وتكسر به شوكتهم ليعتبر بهم كل من تحدثه نفسه بنقض العهد. وأصل التشريد التفريق مع الاضطراب «لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) » يتعظون فلا يجرؤ بعدهم أحد على نكثه. وهذه الآية من قبيل الإخبار بالغيب، إذ وقعت كما ذكر الله تعالى، لأن حضرة الرسول حكّم فيهم سعدا فحكم فيهم بحكم الله، كما سيأتي في الآية الثانية من سورة الحشر المشيرة إلى هذه الحادثة، وقد ألمعنا إليها في الآية ٢٧ المارة. وفي هذه الآية وما بعدها فنون من فنون الحرب ودواعيه وما يتعلق به يعلمها الله إلى رسوله قبل وقوعها ليطبقها عند الحاجة.
ولفظ الدواب يطلق على كل ما دبّ على وجه الأرض من إنسان وحيوان، وقد جعل الله الكافرين من صنف الدواب في هذه الآية لأنهم شرّ منهم، لأن الدواب الحقيقية لا تضر غالبا وهم يضرون الناس ويكفرون نعم الله. قال تعالى «وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ» معاهدين فتتوقع منهم «خِيانَةً» غدرا أو نقضا للعهد مثل بني قريظة «فَانْبِذْ» اطرح وارم عهدهم «إِلَيْهِمْ» وأعلمهم بفسخ المعاهدة ليكونوا على بصيرة من أمرهم ولئلا يقولوا لم تخبرنا بنقض العهد قبل ويتهموك بالنكث والغدر، حتى تكون أنت وإياهم في علم نقض العهد «عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) » في كل شيء. الحكم الشرعي: إذا ظهرت آثار نقض العهد ممن هادنهم الإمام بأمر ظاهر مستفيض فلا حاجة لنبذ العهد وإعلامهم بالحرب، وإن ظهرت الخيانة به بأمارات من غير أمر مستفيض فيجب على الإمام إعلامهم بفسخ المعاهدة كما ذكر الله وقاية من سمات الغدر ولعلهم يرجعون إلى عهدهم أو يستسلمون ويسلمون. روى مسلم عن جابر عن رجل من حمير قال:
كان بين معاوية والروم معاهدة، وكان يسير نحو بلادهم ليتقرب منهم، حتى إذا نقض العهد غزاهم، فجاءه رجل على فرس أو برذون وهو يقول الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدرا، فإذا هو عمرو بن عينية، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشدّ عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء. فرجع معاوية. - أخرجه أبو داود- وأخرج النسائي بمعناه. وقد أسهبنا البحث في هذا عند الآية ٣٤ من سورة الإسراء

صفحة رقم 303

ج ١ والآية ٩١ فما بعدها من سورة النحل في ج ٢ فراجعها. قال تعالى «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا» أفلتوا وانا لا نظفر بهم مرة ثانية، بلى لا بدّ من ذلك «إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ» (٥٩) لأن الطالب لهم غالب قوي قادر على الانتقام منهم في الدنيا قتلا وأسرا وجلاء، وفي الآخرة عذاب شديد «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ» مالا ورجالا وسلاحا وخدعا وغيرها من كل ما فيه معنى القوة «وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ» أيضا قوة، لأن ما يدركه الراكب لا يدركه الراجل، فإنكم في هذه الأشياء «تُرْهِبُونَ بِهِ» ترعبون وتخدعون «عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» فعليكم أيها المؤمنون بالاستعداد لأعدائكم من كل ما يغيظهم ويرهبهم، لأنكم بذلك ترعبونهم «وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ» تخوفونهم أيضا كاليهود والمنافقين الموجودين في زمنك ومن بعدهم في زمن غيرك إلى آخر الدوران من أناس «لا تَعْلَمُونَهُمُ» أنتم ولكن «اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ» وسيظهرهم لكم بعد «وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» مما يقوي جانب المؤمنين ويرهب أعداءهم، وفي إعلاء كلمة الله ونصرة دينه وطاعة رسوله «يُوَفَّ إِلَيْكُمْ» ثوابه كاملا مضاعفا في الآخرة ويخلف عليكم أوفر منه في الدنيا «وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠) » شيئا من ثوابه وأنكم لا تعلمون كيف يكافئ الله عباده المنفقين أموالهم ابتغاء مرضاته، لأنهم يعطيهم ما لا يتصورونه ولا تعقله أفهامهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفي هذه الآية تعليم من الله لعباده فيما تكون به عظمتهم وتقوى به شكيمتهم وتعظم به شوكتهم.
والعدة تطلق على الجند وعلى جميع الأسلحة والآلات والأطعمة التي هي من لوازم المحاربين في الحروب بالنسبة لما عند العدو وأقوى وأفخم، وكذلك الحصون والمعاقل وتعليم الجنود كيفة استعمال الأسلحة والرمي بها بحيث لا يقع سهم منها إلا في قلب عدو، وتعليمهم أيضا ماهية المحركات واستعمالها وركوبها برا وبحرا وهواء، والآلات الحديثة، والألغام والوقاية منها، والقاذفات وما يقذف بها، ومنها في الطائرات وغيرها وتعليم السير بها وتسييرها، وحثهم على المحافظة عليها ومناظرتها وتعليمهم الخدع والحيل والمكر، وجميع أبواب الحرب وتمرينهم عليها، وحثهم

صفحة رقم 304

على الطاعة للأوامر والاستعداد لتنفيذها عند الحاجة إليها. ويجب أن يكونوا يقظين نبهين، وأن يكون نصحهم بمواعظ حسنة تحبذ لهم بذل أنفسهم في سبيل الله إعلاء لكلمة الله وصيانة للبلاد والعباد ووقاية للأعراض والعجزى. واعلموا أيها الناس أن ما جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن عقبة بن ثامر من أن القوة الرمي لا ينفي كون غير الرمي من القوة، بل قوة أيضا، وهو على حد قوله صلّى الله عليه وسلم:
الحج عرفة والندم توبة والدين النصيحة. لأن غايته الدلالة على أنه من أفضل القوة، والقوة الرمي لأن معظم الحرب يكون به وهو كذلك. روى البخاري عن أبي أسيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم بدر حين ضعفنا لقريش إذا كبتوكم (أي غشوكم) - وفي رواية: أكثروكم- فارموهم واستبقوا نبلكم. وفي رواية:
إذا كبتوكم فعليكم بالنبل. وروى عقبة عن عامر قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول ليدخلن بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنه: صانعه يحتسب في عمله الخير، والرامي به، والمحدد له. وفي رواية: ومنبله، فارموا، وان ترموا أحب إلي من أن تركبوا. كل لهو باطل ليس من اللهو محمود إلا ثلاثة: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه، أي بنبله، فإنهن من الحق، ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها أو كفرها- أخرجه أبو داود والترمذي مختصرا-.
فهذا الحديث والذي بعده وغيرهما تحث على تعليم المسلمين ما يلاقون به أعداءهم عند الحرب من جميع أصناف آلاته ومعداته، وانه مما يثاب عليه عند الله تعالى ويستوجب محبة رسوله صلّى الله عليه وسلم. روى البخاري ومسلم عن سلمة بن الأكوع قال: مرّ النبي صلّى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون بالقوس، فقال صلّى الله عليه وسلم ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا، وأنا مع بني فلان، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال صلّى الله عليه وسلم مالكم لا ترمون؟ فقالوا كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال ارموا وأنا معكم كلكم. صلّى الله عليه وسلم ما أرضاه لربه وأرضاه لصحبه وإرضاء لأهله وأرضاه لأمته. وروى البخاري ومسلم عن عروة بن الجعد الباز حديثا بمعناه. ومثله عن ابن عمر وقال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة. وروى البخاري عن ابي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا

صفحة رقم 305
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
إذا أنت لم تبذر وأبصرت حاصدا ندمت على التفريط في زمن البذر