
ضمير الله تعالى والملئكة مبتدأ خبره يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ والجملة حال من الذين كفروا واستغنى فيه بالضمير عن الواو وهو على الاول حال منهم او من الملئكة او منها لاشتماله على الضميرين وَأَدْبارَهُمْ ظهورهم بسياط النار ومقامع من حديد أراد تعميم الضرب اى يضربون ما اقبل منهم وما أدبر وقال سعيد بن جبير ومجاهد يريد بادبارهم أستاههم ولكن الله حيى يكنى وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) عطف على يضربون بإضمار القول اى يقولون ذوقوا بشارة لهم بعذاب النار المؤبدة فعلى هذا بيان لعذابهم في عالم البرزخ وقال ابن عباس كان المشركون ببدر إذا اقبلوا بوجوههم الى المسلمين ضربت الملئكة وجوههم بالسيوف وإذا ولوا أدركتهم الملئكة وضربوا ادبارهم فقتلوا من قتل منهم وكانت تقول الملئكة ذوقوا عذاب الحريق قيل كان مع الملئكة مقامع من حديد يضربون بها الكفار فتلتهب النار في جراحاتهم فذلك قوله تعالى ذوقوا عذاب الحريق وقال ابن عباس يقولون لهم ذلك بعد الموت وجواب لو محذوف يعنى لرايت امرا فزيعا مهولا.
ذلِكَ الذي وقع لكم في الدنيا والاخرة كائن بِما اى بسبب ما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ اى كسبتم من الكفر والمعاصي عبر باليدين لان عامة الافعال يزاول بهما وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) عطف على ما كسبت للدلالة على ان سببية مقيدة بانضمامه اليه إذ لولاه لامكن ان يعذبهم بغير ذنوبهم لا ان لا يعذبهم بذنوبهم فان ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعا ولا عقلا بل هو رحمة ومغفرة فلا ينتهض نفي الظلم سببا للتعذيب وظلام للتكثير لاجل العبيد وهذا بقية كلام الملئكة للكفار.
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ خبر مبتدأ محذوف يعنى دآب هؤلاء الكفار يعنى عملهم وطريقهم الذي دابوا فيه اى داموا عليه كدأب ال فرعون وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ تفسير لدابهم فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بالعذاب بِذُنُوبِهِمْ كما أخذ هؤلاء إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) لا يغلبه شىء ولا يدفع عذابه شيء.
ذلِكَ الذي حل بهم بِأَنَّ اى بسبب ان اللَّهَ لَمْ يَكُ أصله يكون حذف الحركة للجزم ثم الواو لالتقاء الساكنين ثم النون لشبهه بالحروف اللينة تخفيفا مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ مبدلا إياها بالنعمة كما بدل

نعمته باهل مكة من الا من والرزق والعزة وكف اصحاب الفيل عنهم بالقتل والاسر يوم بدر حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ اى يبدلوا ما بهم من حال الى حال أسوأ منه كتغير قريش حالهم من اتباع دين إسماعيل وملة ابراهيم وصلة الرحم وسدانة البيت واطعام الضيف وسقاية الحاج بمعاداة الرسول صلى الله عليه واله وسلم من معه وصدهم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا ان يبلغ محله والسعى في اراقة دماء من قال لا اله الا الله والتكذيب بالآيات والاستهزاء بها الى غير ذلك مما أحدثوه بعد البعثة قال اصحاب التاريخ ان كلاب بن مرة ابن كعب بن لوى جد عبد مناف جد جد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومن قبل كلاب كانوا على دين اسمعيل عليه السلام كابرا عن كابر وكان كل واحد منه ومن ابائه وصيا لابيه قائما مقامه في الرياسة بالوصية عن أبيه وموسوما بالخير والجود وما ظهرت عبادة الأصنام وتبديل دين ابراهيم عليه السلام في أولاد اسمعيل الا في زمن قصى بن كلاب وكان كعب بن لوى أول من جمع العروبة وكانت تجمع اليه قريش في هذا اليوم فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي صلى الله عليه واله وسلم ويعلمهم بانه ولده ويأمرهم باتباعه والايمان به وينشد أبياتا منها قوله يا ليتنى شاهدا فحواى دعوته إذا قريش يبغى الحق خذلانا وكان قصى يصنع طعاما كثيرا للحاج ايام منى وعرفات وهذه هى الرمادة ويصنع حياضا من آدم فيسقى فيها من المياه التي بمكة ومنى وعرفات ويقال لها السقاية يجرى ذلك بامره في الجاهلية حتى قام الإسلام ثم جرى في الإسلام على ذلك وأحدث قصى وقود النار بالمزدلفة حتى يريها من دفع من عرفة ولا يضل الطريق ولم يزل ذلك الوقود وكانت النار توقد بالمزدلفة على عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وابى بكر وعمر وعثمان وأول من غير دين اسمعيل وعبد الأصنام وسيب السوائب عمرو بن لحى الخزاعي قال السدى نعمة الله محمد صلى الله عليه واله وسلم أنعم الله تعالى على قريش واهل مكة فكذبوه وكفروا به فنقله الله الى الأنصار وقيل لم يكن لاهل مكة وال فرعون حالة مرضية لكنهم تغيروا الحال المسخوطة الى أسخط منها فانهم كانوا قبل البعثة كفرة عبدة الأصنام وبعد البعثة كذبوا الرسول وسعوا في قتله وصدوا عن سبيل الله فغيروا حالهم الى أسوأ مما كانوا عليه فغير الله نعمة الامهال بتعجيل العذاب
صفحة رقم 102