آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

(وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) أي واذكر يا محمد تزيين الشيطان لهم أعمالهم بأن شجعهم وقواهم لما خافوا الخروج من أعدائهم بني بكر وهم قبيلة كنانة قريبة من قريش وبينها وبينهم الحروب الكثيرة، والتزيين التحسين، وقد روي أن الشيطان تمثل لهم يوم بدر في جند من الشياطين معه، قال ابن عباس: رأيته في صورة رجل من رجال بني مدلج سراقة بن مالك بن جعشم سيد تلك الناحية، وكانت قريش تخاف من بني بكر أن يأتوهم من ورائهم.
(وقال) لهم (لا غالب لكم اليوم من الناس) أي كنانة وغيرها (وإني جار) أي مجير ومعين وناصر (لكم) من كل عدو أو من بني كنانة، ومعنى الجار هنا الدافع عن صاحبه أنواع الضرر كما يدفع الجار عن الجار، وقيل المعنى أنه ألقى في روعهم هذه المقالة وخيل إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون.
(فلما تراءت) التقت (الفئتان) أي فئة المسلمين والمشركين ورأى الملائكة وكان يده في يد الحرث بن هشام (ونكص) أي رجع (على عقبيه) هارباً أي رجع القهقرى يمشي إلى ظهره، وقيل معنى نكص هاهنا بطل كيده وذهب ما خيله.
(وقال إني بريء منكم) أي من جواركم وحفظكم ونصركم والذب عنكم وتبرأ منهم لما رأى أمارات النصر مع المسلمين بإمداد الله لهم بالملائكة، ثم علل ذلك بقوله: (إني أرى ما لا ترون) من الملائكة ثم علل بعلة أخرى فقال (إني أخاف الله) قيل خاف أن يصاب بمكروه من الملائكة الذين حضروا

صفحة رقم 191

الوقعة، وقيل أن دعوى الخوف كذب منه ولكنه رأى أنه لا قوة له ولا للمشركين فاعتل بذلك (والله شديد العقاب) يحتمل أن يكون من تمام كلام إبليس بسطاً للعذر ويحتمل أن يكون كلاماً مستأنفاً من جهة الله سبحانه تهديداً لإبليس (١).
_________
(١) قال ابن السائب: كان إبليس في صف المشركين على صورة سراقة، آخذاً بيد الحارث بن هشام؛ فرأى الملائكة فنكص على عقبيه، فقال له الحارث: أفراراً من غير قتال؛ فقال: (إِني أرى ما لا ترون)؛ فلما هُزم المشركون، قالوا: هَزَمَ الناس سراقة؛ فبلغه ذلك، فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم. قال قتادة: صدق عدو الله في قوله: (إني أرى ما لا ترون)، ذُكر لنا أنه رأى جبريل ومعه الملائكة، فعلم أنه لا يد له بالملائكة، وكذب عدو الله في قوله: (إني أخاف الله)، والله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوة له بهم.

صفحة رقم 192
فتح البيان في مقاصد القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي
راجعه
عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
الناشر
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
15
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية