
﴿ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم﴾ ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ النَّاسِ﴾ هم قريش حين خرجوا في حماية العير فنجا بها أبو سفيان، فقال لهم أبو جهل: لا نرجع حتى نرِد بدراً وننحر جزوراً ونشرب خمراً وتعزف علينا القيان، فكان من أمر الله فيهم ما كان. قوله عز وجل ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ قال المفسرون: ظهر لهم في
صفحة رقم 324
صورة سراقة بن جعشم من بني كنانة فزين للمشركين أعمالهم. يحتمل وجهين: أحدهما: زين لهم شركهم. والثاني: زين لهم قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه وجه ثالث: أنه زين لهم قوتهم حتى اعتمدوها. ﴿وَقَالَ: لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ﴾ يعني أنكم الغالبون دون المؤمنين. ﴿وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: يعني أني معكم. وفي جواركم ينالني ما نالكم. الثاني: مجير لكم وناصر. فيكون على الوجه الأول من الجوار، وعلى الوجه الثاني من الإجارة. ﴿فَلَمَّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: فئة المسلمين وفئة المشركين. والثاني: المسلمون ومن أمدوا به من الملائكة. فكانوا فئتين. ﴿نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ والنكوص أن يهرب ذليلاً خازياً، قال الشاعر:
(وما ينفعل المستأخرين نكوصهم | ولا ضَرّ أهل السابقات التقدم.) |

والثاني: أنهم المشركون، قاله الحسن. والثالث: أنهم قوم مرتابون لم يظهروا العداوة للنبي ﷺ بخلاف المنافقين. والمرض في القلب كله هو الشك، وهو مشهور في كلام العرب، قال الشاعر:
(ولا مرضاً أتقيه إني لصائن | لعرضي ولي في الأليّة مفخر) |