آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ

(وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) أي واصبروا على الشدائد وعلى ما تلاقونه من بأس العدو واستعداده وكثرة عدده، فالله مع الصابرين يمدّهم بمعونته وتأييده، ومن كان الله معينا له فلا يغلبه غالب.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٤٧ الى ٤٩]
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩)
تفسير المفردات
الذين خرجوا: هم أهل مكة حين خرجوا لحماية العير، والبطر: إظهار الفخر والاستعلاء بنعمة القوة أو الغنى أو الرياسة، ويعرف ذلك فى الحركات المتكلّفة والكلام الشاذ، والرئاء: أن يعمل المرء ما يحب أن يراه الناس منه ليثنوا عليه ويعجبوا به، وتراءت الفئتان: قربت كل منهما من الأخرى، وصارت بحيث تراها وتعرف حالها ونكص: رجع القهقرى وتولى إلى الوراء، والمنافق من يظهر الإسلام ويسرّ الكفر، والذين فى قلوبهم مرض: هم ضعاف الإيمان تملأ قلوبهم الشكوك والشبهات، فتزلزل اعتقادهم حينا وتسكن حينا آخر.

صفحة رقم 11

المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه عباده المؤمنين بما أمر به من جلائل الصفات ومحاسن الآداب التي تكون سبب الظفر فى القتال، ونهاهم عن التنازع- قفّى على ذلك بنهيهم عما كان عليه مشركو قريش حين خرجوا لحماية العير من البطر والكبرياء والصد عن سبيل الله.
الإيضاح
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) أي عليكم أن تمتثلوا ما أمرتم به وتنتهوا عما نهيتم عنه، ولا تكونوا كأعدائكم المشركين الذين خرجوا من ديارهم فى مكة وغيرها من الأماكن التي استنفرهم منها أبو سفيان بطرين بما أوتوا من قوة ونعم لا يستحقونها، مرائين الناس بها ليعجبوا بها ويثنوا عليهم بالغنى والقوة والشجاعة.
(وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) أي وهم بخروجهم يصدون عن سبيل الله وهو الإسلام بحملهم الناس على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، والإعراض عن تبليغ دعوته، وتعذيب من أجابها إذا لم يكن لهم من يمنعهم ويحميهم من قرابة أو حلف أو جوار.
(وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) أي والله عليم بما جاءوا لأجله، ومن ثم فهو يجازيهم عليه فى الدنيا والآخرة بمقتضى سننه فى ترتيب الجزاء على الأعمال وصفات النفوس.
وفى هذا زجر وتهديد على الرياء والتصنع والبطر والكبرياء، وأنه سيجازى عليها أشد الجزاء.
قال البغوي: نزلت فى المشركين حين أقبلوا إلى بدر ولهم بغى وفخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك

صفحة رقم 12

وتكذّب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني»
قالوا ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم، فقد نجاها الله فارجعوا، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدرا- وكان موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام- فنقيم ثلاثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فوافوها فسقوا كئوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان.
فنهى الله عباده المؤمنين أن يكونوا مثلهم وأمرهم بإخلاص النية والحسبة فى نصر دينه ومؤازة رسوله صلى الله عليه وسلم.
(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) أي واذكر أيها الرسول للمؤمنين حين زين الشيطان لهؤلاء المشركين أعمالهم بوسوسته، وقال لهم بما ألقاه فى روعهم، وخيّل إليهم أنهم لا يغلبون لكثرة عددهم وعددهم، وأوهمهم أن اتباعهم إياه فيما يظنون أنها قربات، مجير لهم حتى قالوا: اللهم انصر أهدى الفئتين وأفضل الدينين.
(فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) أي فلما قرب كل من الفريقين المتقاتلين من الآخر وصار بحيث يراه ويعرف حاله، وقبل أن يصطلى نار القتال معه- نكص على عقبيه أي رجع القهقرى وتولّى إلى الوراء وهى الجهة التي فيها العقبان، والمراد أنه كفّ عن تزيينه لهم وتغريره بهم.
(وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ) أي تبرأ منهم وأيس من حالهم لما رأى إمداد الله تعالى المسلمين بالملائكة.
(وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) قد تكون هذه العبارة من كلام الشيطان، وقد تكون من كلامه تعالى.
والخلاصة- إن جند الشيطان كانوا منبثّين فى المشركين يوسوسون لهم بملابستهم لأرواحهم الخبيثة بما يغريهم ويغرّهم، كما كان الملائكة منبثين فى المؤمنين يلهمونهم

صفحة رقم 13

بملابستهم لأرواحهم الطيبة ما يثبتون به قلوبهم ويزيدهم ثقة بوعد الله بنصرهم، فلما تراءت الفئتان وأوشكا أن يتلاحما فرّ الشيطان بجنوده من بين المشركين، لئلا تصل إليهم الملائكة الملابسة للمؤمنين (وهما ضدان لا يجتمعان، ولو اجتمعا لقضى أقواهما وهم الملائكة على أضعفهما وهم الشياطين).
فخوف الشيطان إنما كان من إحراق الملائكة لجنوده لا على المشركين، كما يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق متلاش أمامه لا يبقى منه شىء.
(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) أي وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم حين يقول المنافقون ومن فى حكمهم من مرضى القلوب: ما حمل هؤلاء المؤمنين على الإقدام على ما أقدموا عليه مع قلة عددهم وكثرة عدوهم- إلا غرورهم بدينهم، ولا غرو أن تصدر هذه المقالة ممن حرم الإيمان الكامل والثقة بالله والتوكل عليه.
روى عن مجاهد أنه قال: هم فئة من قريش، قيس بن الوليد بن المغيرة والحارث ابن زمعة بن الأسود بن المطلب ويعلى بن أمية والعاص بن منبّه، خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب فحبسهم ارتيابهم، فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله ﷺ قالوا: غرّ هؤلاء دينهم حتى أقدموا على ما أقدموا عليه مع قلة عددهم وكثرة عدوهم.
(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي ومن يكل أمره إلى الله ويؤمن إيمان اطمئنان بأنه ناصره ومعينه، وأنه لا يعجزه شىء ولا يمتنع عليه شىء أراده- يكفه ما يهمه وينصره على أعدائه وإن كثر عددهم وعظم استعدادهم، لأنه العزيز الغالب على أمره، الحكيم الذي يضع كل أمر فى موضعه بمقتضى سننه فى نظام العالم، ومن ذلك أن ينصر الحق على الباطل.

صفحة رقم 14
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية