آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

الثاني وهو تقليل عدد المؤمنين في أعين المشركين لتوضيح مراد الله تعالى الذي فعل ذلك ليكون سببا في قلة مبالاة المشركين بالمؤمنين، وعدم مبالغتهم في الاستعداد والحذر، ولإتمام المراد وهو قتل المشركين وإعزاز الدين.
ونبّه تعالى بقوله: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ على أن أحوال الدنيا غير مقصودة لذواتها، وإنما المراد منها ما يصلح أن يكون زادا ليوم المعاد.
ومن فضل الله ونعمته وهو نوع رابع من النعم أن قوله: وَيُقَلِّلُكُمْ كان في ابتداء القتال، فلما شرعوا في القتال عظم المسلمون في أعينهم فكثروا كما قال تعالى: يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ
[آل عمران ٣/ ١٣].
ذكر الله والثبات أمام العدو والطاعة وعدم التنازع
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧)
الإعراب:
فَتَفْشَلُوا منصوب بإضمار (أن)، أو مجزوم لدخوله في حكم النهي.
بَطَراً منصوب على المصدر في موضع الحال، أي بطرين مرائين صادّين.
البلاغة:
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ أي قوتكم، وقال الزمخشري: الريح: الدولة، وفيه استعارة، شبهت

صفحة رقم 21

القوة أو الدولة في نفوذ أمرها وتمشيه بالريح وهبوبها، فقيل: هبت رياح فلان: إذا دالت له الدولة ونفذ أمره.
المفردات اللغوية:
فِئَةً جماعة، والمراد هنا جماعة كافرة فَاثْبُتُوا لقتالهم ولا تنهزموا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً ادعوه بالنصر تُفْلِحُونَ تفوزون وَلا تَنازَعُوا تختلفوا فيما بينكم فَتَفْشَلُوا تجبنوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قوتكم ودولتكم مَعَ الصَّابِرِينَ بالنصر والعون.
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ليمنعوا غيرهم ولم يرجعوا بعد نجاتها بَطَراً البطر: الأشر، والمراد بهما التفاخر بالنعمة، والتكبر والخيلاء. وَرِئاءَ النَّاسِ أي رياء، وهؤلاء هم أهل مكة، حين خرجوا لحماية العير، فأتاهم رسول أبي سفيان، وهم بالجحفة: أن ارجعوا، فقد سلمت عيركم، فأبى أبو جهل وقال: حتى تقدم بدرا، نشرب بها الخمور، وتعزف علينا القيان، ونطعم بها من حضرنا من العرب. فلذلك كان بطرهم ورئاؤهم الناس بإطعامهم، فوافوها فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان، فنهى الله المؤمنين أن يكونوا مثلهم بطرين طربين مرائين بأعمالهم، وأن يكونوا من أهل التقوى والكآبة والحزن من خشية الله عز وجل، مخلصين أعمالهم لله.
سبب النزول: نزول الآية (٤٧) :
وَلا تَكُونُوا: أخرج ابن جرير الطبري عن محمد بن كعب القرظي قال: لما خرجت قريش من مكة إلى بدر، خرجوا بالقيان والدفوف، فأنزل الله: وَلا تَكُونُوا... الآية.
وقال البغوي في تفسيره المطبوع على هامش (الخازن) : نزلت في المشركين حين أقبلوا إلى بدر، ولهم بغي وفخر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك، وتكذّب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني».
قالوا: ولما رأي أبو سفيان أنه قد أحرز عيره، أرسل إلى قريش: إنكم إنما

صفحة رقم 22

خرجتم لتمنعوا عيركم، فقد نجاها الله فارجعوا، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدرا- وكان موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام- فنقيم ثلاثا، فننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فوافوها فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان.
فنهى الله عباده المؤمنين أن يكونوا مثلهم، وأمرهم بإخلاص النية، والحسبة في نصر دينه، ومؤازرة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى أنواع نعمه على رسوله وعلى المؤمنين يوم بدر، علّمهم إذا التقوا بفئة (أي جماعة) من المحاربين نوعين من الأدب هما: الثبات أمام العدو في اللقاء، وذكر الله كثيرا، ثم أمرهم بالتحلي بالطاعة والانقياد، أي طاعة الله والرسول، ونهاهم عن التنازع والاختلاف حتى لا يفشلوا (يجبنوا) وتذهب قوتهم ودولتهم.
التفسير والبيان:
هذه الآيات تعليم من الله لعباده المؤمنين آداب اللقاء وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء، وهي قواعد ضرورية في الحروب، وأسس للجندية الحقة الحازمة.
وأول هذه الآداب والقواعد:
الثبات أمام العدو حين اللقاء معه، بتوطين النفوس على الصمود والصبر على المبارزة وعدم التحدث بالتولي والفرار، ونظرا لأن هذا العنصر أهم عناصر المواجهة الحربية، فقد بدأ الله به، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً

صفحة رقم 23

فَاثْبُتُوا
أي إذا حاربتم جماعة من أعدائكم الكفار، فاثبتوا أمامهم في القتال، وإياكم من الفرار من الزحف وتولي الأدبار، فالثبات ركيزة الحروب وسبب للانتصار، والفرار جريمة كبري يعاقب عليها الله تعالى لأنها خطأ فادح في حق الأمة قاطبة.
ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، حتى إذا مالت الشمس، قام فيهم فقال:
«يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف».
ثم قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وقال: «اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم».
وروى عبد الرزاق عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا، واذكروا الله، فإن صخبوا وصاحوا، فعليكم بالصمت».
وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني عن زيد بن أرقم عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مرفوعا قال: «إن الله يحب الصمت عند ثلاث: عند تلاوة القرآن، وعند الزحف، وعند الجنازة».
والأدب الثاني:
هو ذكر الله كثيرا: بذكره في القلب واللسان، والتضرع والدعاء بالنصر والظفر لأن النصر لا يحصل إلا بمعونة الله تعالى، وذكر الله في أثناء القتال يحقق معنى العبودية لله، ويشعر بمعنى الإيمان والتفويض لله والتوكل عليه، ويقوي الروح المعنوية، فبذكره تطمئن القلوب، ويؤمّل النصر والفرج، وبدعائه تتبدد الكروب والمخاوف، ويحلو الموت في سبيل الله عز وجل.

صفحة رقم 24

لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي هذا الثبات وذكر الله من وسائل الفوز بالأجر والثواب، والنصر على الأعداء.
جاء في الحديث المرفوع: يقول الله تعالى: «إن عبدي كل عبدي: الذي يذكرني، وهو مناجز قرنه»
أي لا يشغله ذلك الحال عن ذكري ودعائي واستعانتي، فذكر الله تعالى، وعدم نسيانه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وسؤاله النصر على الأعداء، بعد الثبات والصمود والصبر أساس لتحقيق الفوز والغلبة.
وهذا يدل على أن ذكر الله أمر مطلوب في كل أحوال العبد، سلما وحربا، صحة ومرضا، إقامة أو حضرا وسفرا.
والأدب الثالث:
هو الطاعة: طاعة الله والرسول في كل ما أمر العبد به ونهي عنه، فما أمرنا الله تعالى به ائتمرنا، وما نهانا عنه انزجرنا لأن طاعة الله ورسوله من أسباب تحقيق الفوز والنصر في القتال وغيره، ولأن الطاعة تحقق الانضباط، وتوفر النظام، وتقمع الفوضى والتشتت، وظرف الحرب يقتضي الانضباط واحترام النظام وحبّه في أعلى مستوى وأكمله.
والأدب الرابع:
هو وحدة الصف والكلمة والهدف، وعدم التنازع والاختلاف، فإن توحيد الصف والكلمة أمر أساسي عند لقاء العدو، والتنازع والاختلاف مدعاة للفشل والجبن والخيبة وتغلب العدو.
فإياكم والتنازع لأنه مهدر للطاقات، ومقوّض لبنية الجماعات، وسبيل لإذهاب الحماسة، وتبديد القوة، والعصف بوجود الدولة، وإزالة روح الإقبال والإقدام، فلقد هلكت الأمم باختلافها وكثرة آرائها واعتراضاتها.

صفحة رقم 25

والأدب الخامس:
الصبر على الشدائد والمحن، وتحمل بأس العدو، فإن الصبر سلاح القوي المقدام، لذا قيل: الشجاعة: صبر ساعة، والله مع الصابرين يمدهم بالعون والتأييد والنصر.
والخلاصة: تتضمن الآداب السابقة قواعد حربية ثابتة أساسها الإخلاص في القتال في سبيل الله وكثرة ذكر الله لربط الجيش بربه.
قال ابن كثير: وقد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة، والائتمار بما أمرهم الله ورسوله به، وامتثال ما أرشدهم إليه، ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم، فإنهم ببركة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم وطاعته فيما أمرهم، فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس، والترك، والصقالبة والبربر، والحبوش، وأصناف السودان، والقبط وطوائف بني آدم. قهروا الجميع حتى علت كلمة الله، وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم، إنه كريم وهاب «١».
وكما جرت عادة القرآن في الجمع بين الأمر والنهي والتحذير، أعقب الله تعالى الأمر بالآداب أو القواعد الحربية السابقة ومنها النهي عن التنازع، بتحذير المؤمنين من التشبه بصنيع المشركين أهل مكة، فقال: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا....
أي لا تتشبهوا بالمشركين أهل مكة حين خرجوا من ديارهم لحماية العير بطرا

(١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣١٦

صفحة رقم 26

أي دفعا للحق، وإظهار الفخر والاستعلاء بنعمة القوة أو الغنى أو الزعامة، ومن أجل مراءاة الناس، أي المفاخرة والتكبر عليهم، وعمل ما يحبون أن يراهم الناس عليه ليعجبوا منه، كما قال أبو جهل لما قيل له: إن العير قد نجت فارجعوا، فقال: لا والله، لا نرجع حتى نرد ماء بدر، وننحر الجزر، ونشرب الخمر، وتعزف علينا القيان، وتتحدث العرب بمكاننا فيها يومنا أبدا.
فامتثلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه، واحذروا التشبه بأعدائكم المشركين بطرين مترفعين بالنعمة، مرائين الناس، فتبدل الحال كله عليهم، فتجرعوا كأس المنون، وانقلبوا أذلة صاغرين، في عذاب سرمدي أبدي.
وأرادوا بخروجهم المنع عن سبيل الله، أي حجب الناس عن الإسلام والحيلولة بينهم وبين تبليغ الدعوة الإلهية.
وهذه الأفعال التي لا تصدر عادة إلا من أناس امتلأت قلوبهم بالكفر، والجهل، والحقد، هي كلها عوامل دمار وهدم وفناء. لذا تضمنت الآية الزجر والتهديد بخصال الكفار وهي الرياء والبطر والكبر ودفع الحق ومعاداته.
والله بما يعملون محيط، أي عالم بما جاؤوا به ولأجله، فيجازيهم عليه شر الجزاء في الدنيا والآخرة، بمقتضى سنته في ترتيب الجزاء على الأعمال.
وفي هذا حض على إخلاص النية والعمل، والترغيب في نصرة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ومؤازرة الدين الذي جاء به من عند الله تعالى.
فقه الحياة أو الأحكام:
تأمر الآيات بقواعد حربية هي عمد ثوابت في نظام الحروب بنحو دائم، ولا يمكن لجيش قديم أو حديث أن يتخلى عن هذه النصائح التي تكون سببا في إحراز النصر والتقدم والغلبة.

صفحة رقم 27

وهذه القواعد والنصائح هي الثبات عند اللقاء، وذكر الله والتضرع إليه واللجوء إلى جنابه، وطاعة الله والرسول، أي طاعة التوجيه الإلهي والقائد الحربي الذي لا يأمر عادة إلا بالصواب والحق والمصلحة العامة، وعدم التنازع والاختلاف، والصبر عند الشدائد، وعدم البطر والرياء والكبر والخيلاء.
أما الثبات عند قتال الكفار: فهو كما في الآية المتقدمة التي تنهى عن الفرار عنهم، فالتقى الأمر والنهي على هدف واحد، وهو الصمود في المعركة.
وأما ذكر الله في القلب واللسان والدعاء فهو مما يعين على الهدف السابق وهو الثبات على الشدائد، فيقول المجاهد ما قاله أصحاب طالوت: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [البقرة ٢/ ٢٥٠]. وهذه الحالة لا تكون- كما ذكر القرطبي- إلا عن قوة المعرفة، واتّقاد البصيرة، وهي الشجاعة المحمودة بين الناس. ثم قال القرطبي: والأظهر أنه ذكر اللسان الموافق للجنان.
وأما طاعة الله ورسوله فهي الواجبة في كل أحوال المسلم، وبخاصة وقت الحرب والقتال لأن طاعة القائد الحربي أساس لتماسك الجيش، وضمان لتقدمه وتوجيهه الوجهة التي يخطط لها القائد تخطيطا سليما. والطاعة العمياء للقائد من أصول الجندية الحديثة المعروفة.
وأما التنازع والاختلاف بين الآراء ووجهات النظر فهو أداة انقسام الجيش، وإنذار بالهزيمة والتراجع، وذهاب القوة والنصر والدولة.
وأما الصبر فهو محمود في كل المواطن، وبخاصة موطن الحرب كما قال تعالى: إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وقال أيضا: اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا [آل عمران ٣/ ٢٠٠] والله مع الصابرين، والمراد بهذه المعية: النصرة والمعونة.

صفحة رقم 28

وأما البطر (الفخر والاستعلاء والتكبر) والمراءاة فهما مرض خطير ينخر في تكوين شخصية الإنسان، ويعجل في تدمير كيان صاحبه.
وأما الصد عن سبيل الله، أي إضلال الناس فهو أشد إثما من الكفر لأن كفر الكافر مقصور على نفسه، والصد يتجاوز الإنسان إلى غيره، وقد تكرر ذم الصد عن سبيل الله في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، وكان الصدّ ملازما لكفر أهل مكة، كما قال تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ [محمّد ٤٧/ ١].
ولما كان أبو جهل وعصبته مجبولين على البطر والمفاخرة والعجب، وكان صدهم عن سبيل الله حاصلا في زمان نبوة محمد عليه الصلاة والسّلام، ذكر البطر والرئاء بصيغة الاسم، وذكر الصد عن سبيل الله بصيغة الفعل.
والخلاصة: أمر الله المؤمنين عند لقاء العدو بالثبات والاشتغال بذكر الله، ومنعهم أن يكون الباعث لهم على الثبات هو البطر والرئاء، وإنما الواجب أن يكون الباعث عليه هو طلب عبودية الله تعالى.
وشأن المؤمن إرضاء الرحمن وإظهار العبودية الخالصة لله، وهو هدف القرآن، والمعصية مع الحياء والتذلل والانكسار أقرب إلى الإخلاص من الطاعة مع الافتخار.
وضمانا للإخلاص في طلب مرضاة الله ختمت الآية بقوله: وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ لأن الإنسان ربما أظهر الإخلاص، والحقيقة بخلافه، فيكون الله أعلم بما في القلوب. وهذا كالتهديد والزجر عن الرياء والتصنع.
وقد احتج نفاة القياس على عدم مشروعيته بآية وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا...
لأن القياس يؤدي إلى الاختلاف في الأحكام بسبب اختلاف الأقيسة، ويردّ عليهم بأنه ليس كل قياس بوجب المنازعة، والآية في أمور السياسة العامة

صفحة رقم 29
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية