
وقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ (٤١) دخلت (أنّ) فِي أوّله وآخره لأنه جزاء بِمنزلة قوله كُتِبَ «١» عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وبِمنزلة قوله أَلَمْ «٢» يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ ويجوز فى (أنّ) الآخرة أن تكسر ألفها لأن سقوطها يَجوز ألا ترى أنك لو قلت:
(أعلموا أنّ ما غنمتم من شيء فلله خمسه) تصلح، فإذا صلح سقوطها صلح كسرها.
وقوله: وَلِذِي الْقُرْبى: قرابة رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ: يتامى الناس ومساكينهم، لَيْسَ فيها يتامى بني هاشم ولا مساكينهُم.
وقوله: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا (٤٢) والعدوة: شاطئ الوادي الدُّنْيا مما يلى المدينة، والْقُصْوى مما يلي مكة.
وقوله وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعني أبا سفيان وَالْعِيرَ، كانوا عَلَى شاطئ البحر.
وقوله أَسْفَلَ مِنْكُمْ نصبت يريد: مكانا أسفلَ منكم. ولو وصفهم بالتسفل وأراد: والركب أشد تسفلا لَجازَ ورفع.
وقوله وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ كتابتها عَلَى الادغام بياء واحدة، وهي أكثر قراءة القراء. وقد قرأ بعضهم «٣» (حيى عن بيّنة) بإظهارها. وإِنَّما أدغموا الياء مع الياء وَكَانَ ينبغي لَهم ألا يفعلوا لأن الياء الآخرة لزمها النصب فِي فَعَلَ، فأدغموا لَما التقى حرفان متحركان من جنس واحد. ويَجوز الادغام فِي الاثنين للحركة اللازمة للياء الآخرة، فتقول للرجلين: قد حَيّا، وحَيِيا. وينبغي للجمع ألا يدغم لأنّ ياءه
(٢) آية ٦٣ سورة التوبة.
(٣) هم نافع والبزىّ عن ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم، وأبو جعفر ويعقوب وخلف.

يصيبها الرفع وما قبلها مكسور، فينبغي لَهَا أن تسكن فتسقط بواو الجمع. وربما أظهرت العرب الادغام فِي الجمع إرادة تأليف الأفعال وأنْ تكون كلها مشدّدة.
فقالوا فِي حَيِيت حَيُّوا، وَفِي عيِيت عَيُّوا أنشدني بعضهم:
يَحِدن بِنَا عَن كلّ حَيٍّ كأنَّنا... أخارِيس عَيُّوا بالسلام وبالنَّسْبِ «١»
يريد النّسَبَ. وقال الآخر:
مِن الَّذِينَ إِذَا قلنا: حَدِيثَكم... عَيُّوا، وإن نحن حَدَّثناهُمُ شَغبوا «٢»
وقد اجتمعت العرب عَلَى إدغام التحيَّة والتحيّات بِحركة الياء الأخيرة فيها كما استحبّوا إدغام عيَّ وَحَيَّ بالحركة اللازمة فيها. وقد يستقيم أن تدغم الياء والياء فِي يَحْيَا ويَعْيا وهو أقل من الادغام فِي حيّ لأن يحيا يسكن ياؤها إِذَا كانت فِي موضع رفع، فالحركة فيها ليست لازمة. وجواز ذَلِكَ أنك «٣» إِذَا نصبتها كقول الله تبارك وتعالى أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى «٤» استقام إدغامها هاهنا ثم نؤلّف الكلام، فيكون فِي رفعه وجزمه بالإدغام فتقول (هو يحىّ وَيُمِيتُ) أنشدني بعضهم:
وكأنها بين النساءِ سَبيِكةٌ... تَمْشِي بِسُدَّةِ بَيْتها فَتُعِيُّ «٥»
وكذلك يَحَيَّان ويَحَيُّون.
(٢) «قلنا: حديثكم» أي هاتوا حديثكم أو حدّثوا حديثكم. يرميهم بالعيّ والشغب.
(٣) سقط فى ش، ج. وثبت فى أ.
(٤) آية ٤٠ سورة القيامة.
(٥) سدة البيت: فناؤه. يصف امرأة أنها منعمة يثقل عليها المشي، فلو مشت بفناء بيتها لحقها الإعباء والكلال.