آيات من القرآن الكريم

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ

ونسائهم فى مستشفياتهم إلى نحو ذلك من الوسائل الناجعة فى نشر دينهم وفتنة المسلمين عن دينهم وهم لا يبالون ماذا يفعلون- ألا ساء ما كانوا يعملون.
(لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) أي إن الله كتب النصر والغلب لعباده المتقين والخذلان والحسرة لمن يعاديهم ويقاتلهم من الكفار للصدّ عن سبيل الله، ليميز الكفر من الإيمان، والحق والعدل من الجور والطغيان.
وهذا التمييز بين الأمرين فى سنن الاجتماع هو بقاء أمثل الأمرين وأصلحهما:
«فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً، وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ» وسنن الله فى الدنيا والآخرة واحدة، فالخبيث فى الدنيا خبيث فى الآخرة ومن ثم قال:
(وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) أي ويجعل الله الخبيث بعضه منضما متراكبا على بعض بحسب سنته تعالى فى اجتماع المتشاكلات واختلاف المتناكرات كما
جاء فى الحديث «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف»
ثم يجعل أصحابه فى جهنم إلى يوم القيامة، وبئس المصير لمن خسر نفسه وماله.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠)
المعنى الجملي
بعد أن أبان سبحانه حال من يصر على الكفر والصد عن سبيل الله وقتال رسوله والمؤمنين وعاقبة أعمالهم فى الدنيا والآخرة- قفى على ذلك ببيان من يرجعون عنه ويدخلون فى الإسلام لأن الأنفس فى حاجة إلى هذا البيان فقال:

صفحة رقم 206

الإيضاح
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) أي قل أيها الرسول لهؤلاء الكفار: إن ينتهوا عماهم عليه من عداوتك وعنادك بالصد عن سبيل الله، يغفر لهم الله ما قد سلف منهم من ذلك ومن سواه من الذنوب، فلا يعاقبهم على شىء من ذلك فى الآخرة، ويغفر لهم الرسول والمؤمنون فلا يطالبون قاتلا منهم بدم ولا سالبا أو غانما بسلب ولا غنم.
روى مسلم من حديث عمرو بن العاص قال: فلما جعل الله الإيمان فى قلبى أتيت النبي ﷺ فقلت ابسط يدك أبايعك، فبسط يده فقبضت يدى، قال مالك؟ قلت أردت أن أشترط. قال ماذا تشترط؟ قلت أن يغفر لى قال أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟».
(وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) أي وإن يعودوا إلى العداء والصد والقتال تجر عليهم سننه المطردة فى أمثال لهم من الأولين الذين عادوا الرسل وقاتلوهم، من نصر المؤمنين وخذلانهم وهلاكهم كما حدث لهم يوم بدر كما قال: «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ».
ثم بين ما سلف من قوله: فقد مضت سنة الأولين، ورغب المؤمنين فى قتالهم فقال:
(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) أي وقاتلهم أيها الرسول أنت ومن معك من المؤمنين حتى تزول الفتنة فى الدين بالتعذيب وضروب الإيذاء لأجل تركه كما فعلوا ذلك حين كانت لهم القوة والبطش فى مكة، إذ أخرجوكم منها لأجل دينكم ثم أتوا لقتالكم فى دار الهجرة، وحتى يكون الدين كله لله فلا يستطيع أحد أن يفتن أحدا عن دينه ويكرهه على تركه إلى دين المكره تقيّة وخوفا.
وخلاصة ذلك- قاتلوهم حتى يكون الناس أحرارا فى عقائدهم لا يكره أحد أحدا

صفحة رقم 207

على ترك عقيدته إكراها ولا يؤذى ويعذب لأجلها كما قال تعالى: «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ» والمسلمون إنما يقاتلون لحرية دينهم ولا يكرهون عليه أحدا من دونهم.
وروى عن ابن عباس تفسير الفتنة بالشرك- والمعنى عليه- قاتلوهم حتى لا يبقى شرك وتزول الأديان الباطلة فلا يبقى إلا الإسلام.
ويؤيد الرأى الأول أنه جاء رجلان فى فتنة ابن الزبير إلى عبد الله بن عمر فقالا:
إن الناس قد صنعوا ما ترى وأنت ابن عمر بن الخطاب وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يمنعك أن تخرج؟ قال يمنعنى أن الله حرم علىّ دم أخى المسلم. قالا ولم يقل الله (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) قال قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله.
(فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي فإن انتهوا عن الكفر وعن قتالكم فإن الله يجازيهم على ما فعلوا بحسب علمه.
(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ، نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) أي وإن أعرضوا عن سماع تبليغكم ولم ينتهوا عن كفرهم وفتنتهم وقتالهم لكم فأيقنوا بنصر الله ومعونته لكم وهو متولى أموركم فلا تبالوا بهم ولا تخشوا بطشهم، وهو نعم المولى ونعم النصير فلا يضيع من تولاه ولا يغلب من نصره.
وما غلب المسلمون فى العصور الأخيرة وذهب أكثر ملكهم إلا لأنهم تركوا الاهتداء بهدى دينهم وتركوا الاستعداد المادي والحربي الذي طلبه الله بقوله: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ» واتكلوا على خوارق العادات وقراءة الأحاديث والدعوات، وذلك ما لم يشرعه الله ولم يعمل به رسوله- إلى أنهم تركوا العدل والفضائل وسنن الله فى الاجتماع التي انتصر بها السلف الصالح، وأنفقوا أموال الأمة والدولة فما حرم الله عليهم من الإسراف فى شهواتهم.

صفحة رقم 208

وعلى العكس من ذلك اتبع الإفرنج تعاليم الإسلام فاستعدوا للحرب واتبعوا سنن الله فى العمران فرجحت كفّتهم، ولله الأمر.
وما مكّن الله لسلف المسلمين من فتح بلاد كسرى وقيصر وغيرهما من البلاد إلا لما أصاب أهلها من الشرك وفساد العقائد فى الآداب ومساوى الأخلاق والعادات والانغماس فى الشهوات واتباع سلطان البدع والخرافات- فجاء الإسلام وأزال كل هذا واستبدل التوحيد والفضائل بها، ومن ثم نصر الله أهله على الأمم كلها.
ولما أضاع جمهرة المسلمين هذه الفضائل واتبعوا سنن من قبلهم فى اتباع البدع والرذائل وقد حذرهم الإسلام من ذلك، ثم قصروا فى الاستعداد المادي والحربي للنصر فى الحرب عاد الغلب عليهم لغيرهم ومكنّ لسواهم فى الأرض: «وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ» أي الصالحون لاستعمارها والانتفاع بما أودع فيها من كنوز وخيرات.
وفق الله المسلمين إلى الهدى والرشاد وجعلهم يعيدون سيرتهم الأولى ويهتدون بهدى دينهم ويستمسكون بآدابه ويتبعون سيرة السلف الصالح، فيكتب لهم العز فى الدنيا والسعادة فى الآخرة، والحمد لله أولا وآخرا.
وكان الفراغ من مسوّدة هذا الجزء فى ليلة العشرين من شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وألف بمدينة حلوان من أرباض القاهرة، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

صفحة رقم 209

فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء
الصفحة المبحث ٤ حب الوطن لا يبلغ منزلة حب الدين.
٥ أوجب الله الهجرة على من يستضعف فى وطنه فيمنع من إقامة دينه فيه.
١٥ الإيمان الصحيح سبب سعادة الدنيا والآخرة.
١٦ الأمن من مكر الله خسران ومفسدة كاليأس من رحمته.
١٧ فى قصص الماضين عبرة للحاضرين.
٢٢ ذكر اسم موسى فى القرآن أكثر من مائة وثلاثين مرة.
٢٤ الفتن السياسية والأكاذيب التي حدثت فى الصدر الأول مرجعها إلى الفرس الذين كانوا يروّجون الغش والتدليس لإفساد الإسلام.
٢٦ السحر وضروبه ورواجه فى البلاد الهمجية.
٢٧ السحر صناعة تتلقّى بالتعليم ٣٥ اتهام فرعون السحرة بالتوطؤ مع موسى.
٣٧ التاريخ المصري يدل على أنه كان للمصريين آلهة كثيرة.
٣٩ ما كتبه المفسدون عن بنى إسرائيل منقول بالسماع منهم أو مأخوذ من كتب لا يوثق بصدقها.
٥١ طلب بنو إسرائيل من موسى أن يجعل لهم آلهة يعكفون على عبادتها.
٥١ سحرة موسى كانوا من العلماء.
٥٣ فى القرآن وعد بزوال الوثنية من مصر.

صفحة رقم 210

الصفحة المبحث ٥٩ الأخبار متعارضة فى رؤية الله يوم القيامة.
٦٦ كثير ممن تعلم العلم فى البلاد الغربية من المسلمين يحتقرون هداية الدين الروحية.
٦٨ عجل السامرىّ وصفته، وكيف كان صنعه، وردّ القرآن على من اتخذوه إلها.
٧٨ اختار موسى من قومه سبعين رجلا.
٨١ صفات النبي ﷺ فى القرآن.
٨٩ ما جاء فى التوراة عن عدد بنى إسرائيل الذين كانوا فى التيه، وردّ ابن خلدون على ذلك.
٩٣ الحكمة فى كون النبي محمد عليه الصلاة والسلام أمّيا لا يقرأ ولا يكتب.
٩٦ هل كان مسخ بنى إسرائيل فى الخلق أو فى الخلق؟
١٠٩ ضرب الله المثل لمن يميل إلى الدنيا ويتبع هواه بالكلب فى أقبح حالاته ١١٣ المؤمن تسمو نفسه بمعرفة ربه فلا يذل لغيره ولا يخاف منه.
١١٤ المسلمون أهملوا النظر فى آيات الله فى الأنفس والآفاق.
١١٥ الإسلام يحض على استعمال الطيبات فى الحياة بلا تقتير ولا إسراف.
١١٧ إن لله تسعة وتسعين اسما ١٢٣ عقاب الأمم مبنى على النواميس التي سنها الله فى الخليقة.
١٢٥ الأمر بالنظر فى ملكوت السموات والأرض ١٢٨ تأتى الساعة على الناس بغتة وهم لا يشعرون ١٣٠ الحكمة فى إخفاء الآجال والأعمال.
١٣١ عمر الدنيا وما جاء فى ذلك من الآثار.
١٣٢ أشراط الساعة وأماراتها.
١٣٣ المهدى المنتظر ١٣٦ الرسول لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه.

صفحة رقم 211

الصفحة المبحث ١٥١ قوىّ الروح بالإيمان والتقوى لا تؤثر فيه نزغات الشيطان.
١٥٢ المؤمن إذا مسه طائف من الشيطان تذكر فأناب إلى ربه.
١٥٣ أوصاف القرآن.
١٥٥ ما يفعله جماهير الناس فى المحافل عند سماع القرآن.
١٥٦ ذكر الله باللسان وحده لا يجدى نفعا.
١٦٨ قصة بدر وسببها.
١٧٢ دعاء النبي ربه قبل الغزوة.
١٧٣ إنزال الملائكة مددا للمؤمنين.
١٧٩ الفرار من الزحف من الكبائر ١٨٨ من يتبع هواه لا تؤثر فيه النصائح ١٩٠ عقاب الأمم على ذنوبها مطرد دون عقاب الأفراد.
١٩٣ الخيانة من صفات المنافقين والأمانة من صفات المؤمنين.
١٩٦ المتقى يؤتيه الله فرقانا يميز به بين الرشد والغى.
١٩٨ اتفقت كلمة المشركين على إيقاع الأذى بالنبي ﷺ بإحدى ثلاث.
٢٠٥ أهل الكفر الآن ينفقون الأموال للصد عن الإسلام وفتنة الضعفاء.
٢٠٨ ما غلب المسلمون وذهب أكثر ملكهم إلا لتركهم هدى الإسلام.

صفحة رقم 212
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية