آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ

البزار عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلّم يخرج لابن آدم ثلثة دواوين ديوان فيه العمل الصالح وديوان فيه ذنوبه وديوان فيه النعم من الله فيقول الله لاصغر نعمه في ديوان النعم خذى منك من عمله الصالح فتستوعب العمل الصالح فيقول وعزتك ما استوفيت وتبقى الذنوب والنعم وقد ذهب العمل الصالح كله فاذا أراد الله ان يرحم عبدا قال يا عبدى قد ضاعفت لك حسناتك وتجاوزت عن سياتك ووهبت لك نعمتى واخرج الطبراني عن واصلة بن الأسقع يبعث الله يوم القيامة عبدا لا ذنب له فيقول الله تبارك وتعالى الى الامرين أحب إليك ان اجزى بعملك او بنعمتي عليك قال يا رب أنت اعلم انى لم اعصك قال خذوا عبدى بنعمة من نعمى فما تبقى له حسنة الا استغرقتها تلك النعمة فيقول بنعمتك ورحمتك ومن هاهنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم انه لا ينجى أحدا منكم عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يستغمدنى الله برحمة منه وفضل متفق عليه من حديث ابى هريرة وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال سددوا وقاربوا وابشروا فانه لا يدخل الجنة أحدا عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدنى الله برحمته واليه أشار الله سبحانه بقوله وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) يعنى ما وعدتكم على التقوى ليس مما يوجب ذلك علينا تقويكم بل انما هو تفضل واحسان كالسيد إذا وعد انعاما لعبده على عمل واجب عليه وان لم ينعم السيد ذلك وقيل معنى يكفر عنكم سيئاتكم يعنى الصغائر ويغفر لكم يعنى ذنوبكم الكبائر.
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على قوله إذا أنتم قليل يعنى اذكروا إذ يمكر بك الذين كفروا وإذ قالوا اللهم فان هذه السورة مدنية وهذا المكر والقول كان بمكة روى ابن إسحاق وعبد الرزاق واحمد وابن جرير وابو نعيم وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس وعبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة ان قريشا لما أسلمت الأنصار رأت ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد كانت له شيعة وأصحابا من غير بلدهم ورأوا خروج أصحابه المهاجرين إليهم عرفوا انهم نزلوا دارا وأصابوا جوارا ومنعة فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلّم

صفحة رقم 55

إليهم وعرفوا انه قد اجمع لحربهم فاجتمعوا له في دار الندوة وهى دار قصى بن كلاب التي كانت قريش لا تقضى امرا لا يتشاورن فيها فاجتمعوا لذلك واتعدوا وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل عليه بت له فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا من الشيخ قال شيخ من اهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى ان لا تعدموا منه رايا ولا نصحا قالوا أجل ادخل فدخل معهم واجتمع فيها اشراف قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وطعيمة بن عدى والنضر ابن الحارث بن كلدة وابو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وابو جهل بن هشام ونبيه ومنبه ابنا حجاج وامية بن خلف وابو سفيان بن حرب وجبير بن معطم وحكيم ابن حزام واسلم الثلاثة الاخيرة بعد ذلك وغيرهم من كان منهم ومن غيرهم ممن لا يعد من قريش فقال بعضهم لبعض ان هذا الرجل قد كان من امره ما قد رأيتم وانا والله ما ناء منه على الوثوب علينا بمن اتبعه من غيرنا فاجمعوا فيه رأيا فتشاوروا فقال قائل منهم نقل السهيلي عن عبد السلام انه ابو البختري بن هشام احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهير والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم فقال الشيخ النجدي لعنه الله والله ما هذا لكم برأى والله لئن حبستموه في بيت ليخرجن امره من وراء الباب الذي اغلقتم دونه الى أصحابه فيوشك ان يثبوا عليكم فيقاتلوكم ويأخذوه من ايديكم قالوا صدق الشيخ فقال قائل منهم ذكر السهيلي انه ابو الأسود ربيعه بن عمر أخو بنى عامر بن لوى نخرجه من بين أظهرنا فلا يضرنا ما صنع واين وقع إذا غاب عنا وفرغنا منه فاصلحنا أمرنا وألفتنا فقال الشيخ النجدي لعنه الله ما هذلكم برأى الم تروا الى حسن حديثه وحلاوة منطقة وغلبة قلوب الرجال بما يأتي به والله لئن فعلتم ذلك فيذهب فيستميل قلوب قوم ثم يسير بهم إليكم حتى يطاكم به فياخذ أمركم من ايديكم ثم يفعل بكم ما أراد فأروا فيه رايا غير هذا فقال ابو جهل والله ان لى فيه رايا ما أراكم وقفتم عليه بعد قالوا وما هو يا أبا

صفحة رقم 56

الحكم قال ارى ان ناخذ من كل قبيلة شابا جلدا حسيبا وسطا ثم نعطى كل فتى منهم سيفا صارما ثم يعمدوا عليه بأجمعهم فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فانهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا به بالعقل فعقلناه لهم فقال الشيخ النجدي القول ما قال هذا الرجل هذا الرأي لا راى غيره وقال شعر

الرأي رايان راى ليس يعرفه هاد وراى كنصل السيف معروف
يكون اوله عزو مكرمة يوما وآخره حمد وتشريف
فتفرق القوم على ذلك وهم مجتمعون له فانى جبرئيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي تبيت عليه وأخبره بمكر القوم واذن الله تعالى في الخروج فلما كانت العتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيبيتون عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم مكانهم قال لعلي رضى الله عنه نم على فراشي وتسبح بردائي الأخضر الحضرمي فنم فيه فانه لن يخلص إليك منهم امر تكرهه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينام في برده ذاك إذا نام فلما اجتمعوا قال ابو جهل ان محمدا يزعم انكم ان تابعتموه على امره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن «١» وان أنتم لم تفعلوا كان له فيكم ذبيح ثم بعثتم بعد موتكم فجعل لكم النار تحرقون فيها فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه حفنة «٢» من تراب ثم قال نعم انا أقول ذلك وأنت أحدهم وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل يذرى التراب على رؤسهم وهو يتلوا هذه الآيات يس والقرآن الحكيم الى قوله فهم لا يبصرون ولم يبق منهم رجل الا وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلّم على رأسه ترابا وانصرف الى حيث أراد ان يذهب فاتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنظرون هاهنا قالوا محمدا قال خيبكم الله عز وجل قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا الا وقد وضع على راسه ترابا وانطلق لحاجته فما
(١) الأردن موضع معروف من ارض الشام قريب بيت المقدس ١٢
(٢) الحفنة الكف ١٢

صفحة رقم 57

ترون ما بكم ووضع كل رجل منهم يده على راسه فاذا عليه تراب ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا رضى الله عنه على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلّم متسبحا برداء رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيقولون والله ان هذا محمدا نائم عليه برده فلم يزالوا كذلك حتى أصبحوا فقام علىّ عن فراشه فقالوا والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى غار ثور وسيجى باقى قصة خروجه صلى الله عليه وسلّم في سورة التوبة إنشاء الله تعالى روى الحاكم عن ابن عباس قال شرى عليّ نفسه ولبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلّم ثم نام مكانه وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجعلوا يرمون عليا ويرونه النبي صلى الله عليه وسلّم وجعل عليّ يتضور «١» فاذا هو عليّ فقالوا انك لليئم انك لتتضور وكان صاحبك لا يتضور ولقد استنكرناه فيك وروى الحاكم عن على بن الحسين قال ان أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله علىّ وقال في ذلك شعر

وقيت بنفسي خير من وطى الحصى ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول اله أخاف ان يمكروا به فنجاه ذو الطول الإله من المكر
وبات رسول الله في الغار آمنا موقى وفي حفظ الإله وفي ستر
وبت أراعيهم وما يتهمونه وقد وطنت نفسى على القتل والاسر
قال ابن إسحاق وكان مما نزل في ذلك اليوم وما اجتمعوا له قوله تعالى وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ اى يحبسوك ويوثقوك كما قال به ابو الحقيق أَوْ يَقْتُلُوكَ كما قال به ابو جهل وارتضى به إبليس لعنهما الله سبحانه أَوْ يُخْرِجُوكَ كما قال به أخو بنى عامر وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ط المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة وذلك ضربان مكر محمود وهو ان يتحرى بذلك فعل جميل ومذموم وهو ان يتحرى به فعل قبيح لكن اسناده الى الله تعالى انما يحسن للمزاوجة ولا يجوز إطلاقها ابتدا علما فيه من إيهام الذم والمعنى انهم احتالوا لابطال امر محمد واطفاء نور الله والله تعالى احتال لاتمام امره ونوره وإهلاك أعدائه وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣) فان فعله تعالى
(١) اى ينقلب ظهر البطن ١٢

صفحة رقم 58
التفسير المظهري
عرض الكتاب
المؤلف
القاضي مولوي محمد ثناء الله الهندي الفاني فتي النقشبندى الحنفي العثماني المظهري
تحقيق
غلام نبي تونسي
الناشر
مكتبة الرشدية - الباكستان
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية