آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ رَزَقَهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، فَهَهُنَا مَنَعَهُمْ مِنَ الْخِيَانَةِ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِتِلْكَ الْخِيَانَةِ عَلَى أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَبِي لُبَابَةَ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُرَيْظَةَ لَمَّا حَاصَرَهُمْ، وَكَانَ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ فِيهِمْ. فَقَالُوا يَا أَبَا لُبَابَةَ مَا تَرَى لَنَا أَنَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِينَا؟ فَأَشَارَ أَبُو لُبَابَةَ إِلَى حَلْقِهِ، أَيْ إِنَّهُ الذَّبْحُ فَلَا تَفْعَلُوا، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خِيَانَةً للَّه وَرَسُولِهِ. الثَّانِي: قَالَ السُّدِّيُّ: كَانُوا يَسْمَعُونَ الشَّيْءَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وو سلّم فَيَشُقُّونَهُ وَيُلْقُونَهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَنَهَاهُمُ اللَّه عَنْ ذَلِكَ. الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَهَاهُمُ اللَّه أَنْ يَخُونُوا كَمَا صَنَعَ الْمُنَافِقُونَ، يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ وَيُسِرُّونَ الْكُفْرَ.
الرَّابِعُ: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ، فَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُرُوجَهُ وَعَزَمَ عَلَى الذَّهَابِ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا يُرِيدُكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَةَ. الْخَامِسُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ حِينَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا هَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهَا، حَكَاهُ الْأَصَمُّ. وَالسَّادِسُ: قَالَ الْقَاضِي: الْأَقْرَبُ أَنَّ خِيَانَةَ اللَّه غَيْرُ خِيَانَةِ رَسُولِهِ، وَخِيَانَةَ الرَّسُولِ غَيْرُ خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ، لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَخُونُوا الْغَنَائِمَ، وَجَعَلَ ذَلِكَ خِيَانَةً لَهُ، لِأَنَّهُ خِيَانَةٌ لِعَطِيَّتِهِ وَخِيَانَةٌ لِرَسُولِهِ لِأَنَّهُ الْقَيِّمُ بِقَسْمِهَا، فَمَنْ خَانَهَا فَقَدْ خَانَ الرَّسُولَ، وَهَذِهِ الْغَنِيمَةُ قَدْ جَعَلَهَا الرَّسُولُ أَمَانَةً فِي أَيْدِي الْغَانِمِينَ وَأَلْزَمَهُمْ أَنْ لَا يَتَنَاوَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَارَتْ وَدِيعَةً، وَالْوَدِيعَةُ/ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودِعِ، فَمِنْ خَانَ مِنْهُمْ فِيهَا فَقَدْ خَانَ أَمَانَةَ النَّاسِ، إِذِ الْخِيَانَةُ ضِدُّ الْأَمَانَةِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَمَانَةِ كُلَّ مَا تُعُبِّدَ بِهِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغَنِيمَةُ وَغَيْرُهَا، فَكَانَ مَعْنَى الْآيَةِ: إِيجَابُ أَدَاءِ التَّكَالِيفِ بِأَسْرِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّمَامِ وَالْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَلَا إِخْلَالٍ. وَأَمَّا الْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ، فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِيهَا، لَكِنْ لَا يَجِبُ قَصْرُ الْآيَةِ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : مَعْنَى الْخَوْنِ النَّقْصُ. كَمَا أَنَّ مَعْنَى الْوَفَاءِ التَّمَامُ. وَمِنْهُ تَخَوَّنَهُ إِذَا انْتَقَصَهُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي ضِدِّ الْأَمَانَةِ وَالْوَفَاءِ. لِأَنَّكَ إِذَا خُنْتَ الرَّجُلَ فِي شَيْءٍ فَقَدْ أَدْخَلْتَ عَلَيْهِ النُّقْصَانَ فِيهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي قَوْلِهِ: وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: التَّقْدِيرُ (وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي حَرْفِ عَبْدِ اللَّه وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ الثَّانِي: التَّقْدِيرُ: لَا تَخُونُوا اللَّه وَالرَّسُولَ، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ خُنْتُمْ أَمَانَاتِكُمْ، وَالْعَرَبُ قَدْ تَذْكُرُ الْجَوَابَ تَارَةً بِالْفَاءِ، وَأُخْرَى بِالْوَاوِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ فِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ تَخُونُونَ يَعْنِي أَنَّ الْخِيَانَةَ تُوجَدُ مِنْكُمْ عَنْ تَعَمُّدٍ لَا عَنْ سَهْوٍ. الثَّانِي: وَأَنْتُمْ عُلَمَاءُ تَعْلَمُونَ قُبْحَ الْقَبِيحِ، وَحُسْنَ الْحَسَنِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا كَانَ الدَّاعِي إِلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْخِيَانَةِ هُوَ حُبُّ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ. نَبَّهَ تَعَالَى على أنه يجب على العاقل يحترز عن المضار المتولدة مِنْ ذَلِكَ الْحُبِّ. فَقَالَ: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
لِأَنَّهَا تَشْغَلُ الْقَلْبَ بِالدُّنْيَا، وَتَصِيرُ حِجَابًا عَنْ خِدْمَةِ الْمَوْلَى.

صفحة رقم 475
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية