
ولم يتفكروا [فيما سمعوا] (١) فكانوا بمنزلة من لم (٢) يسمع (٣).
٢٢ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ﴾ الآية، قال ابن عباس (٤) ومجاهد (٥) ومقاتل (٦): يريد المشركين، نفرًا من بني عبد الدار، وبني عبد العزى، كانوا صمًا عن الحق؛ فلا يسمعونه، بكمًا عن التكلم به.
وكل ما دب على وجه الأرض فهو من جملة الدواب (٧)، بين الله تعالى أن هؤلاء الكفار شر ما دب على الأرض من الحيوان.
٢٣ - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ﴾ أي لو خلق فيهم خيرًا؛ لأن ما خلقه الله يعلمه، وما لا يعلمه الله فهو ما لم يخلقه على معنى أنه لا يعلمه مخلوقًا (٨)، كما قال تعالى: ﴿أتنبئون الله بما لا يعلم [في الأرض﴾ [يونس: ١٨] أي: بما لم يجعله ولم يخلقه، ومعنى الآية: ولو
(٢) في (ح) و (م): (لا)، وما أثبته من (س) موافق للمصدر.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٠٨.
(٤) رواه مختصراً البخاري في "صحيحه" كتاب التفسير، سورة الأنفال ٦/ ١١٨، وابن جرير ١٣/ ٤٦٠، وابن أبي حاتم ٣/ ٢٣٥ ب.
(٥) رواه ابن جرير١٣/ ٤٦١ بمعناه.
(٦) "تفسير مقاتل" ١١٩ ب، وقد أورد المؤلف قول مقاتل بمعناه.
(٧) في "لسان العرب" (دبب) ٣/ ١٣١٤: الدابة: اسم لما دب من الحيوان مميزة وغير مميزة، ثم قال في الصفحة التالية: وقد غلب هذا الاسم على ما يركب من الدواب.
(٨) يشير المؤلف إلى تعلق علم الله بالكون من ناحية الوجود والعدم، وذلك قسمان:
أحدهما: جملة الموجودات.
الثاني: جملة المعدومات. فالموجود يعلمه الله موجودًا، والمعدوم لا يعلمه الله موجودًا، بمعنى أنه يعلمه معدومًا.

علم الله أنهم يصلحون بما يورده] (١) من حججه وآياته لأسمعهم إياها ولم يخلف (٢) عنهم شيئًا منها.
وقال ابن جريج وابن زيد: لأسمعهم الحجج والمواعظ سماع تفهيم وتعليم، ولو أسمعهم بعد أن علم أن لا خير فيهم ما انتفعوا بذلك، ولتولوا وهم معرضون (٣).
وقال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿لَأَسْمَعَهُمْ﴾: يريد: لهداهم (٤).
﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ رجع تبارك وتعالى إلى ما سبق في علمه وقضائه وقدره فأخبر بما كان قبل أن يكون، ومعنى قوله (٥): (لهداهم) أي: لأسمعهم ما يهتدون به سماع تفهيم.
وشرح أبو علي الجرجاني هذا القول شرحًا شافيًا فقال: إن الله يعلم ما يكون، وما لا يكون، وما لا يكون لو كان كيف يكون، فتأويل قوله: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ﴾ أي ليس فيهم خير فلا يسمعهم؛ لأنه جبلهم على ذلك، وهذا مثل قولك للرجل: لو علمت أنك تفهم لأخبرتك، أي: أنك لا تفهم، ثم قال: ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ﴾ -أي إسماع الإفهام الذي ينفع (٦) ويجدي إذا كان في الإنسان خير، وكان سعيدًا- ﴿لَتَوَلَّوْا﴾ أيضًا
(٢) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: يخف.
(٣) ما ذكره المؤلف هو قول ابن زيد كما رواه بلفظ مقارب ابن جرير ٩/ ٢١٢، وأما قول ابن جريج فنصه: ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لقالوا ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا﴾ [يونس: ١٥] ولقالوا ﴿لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ [الأعراف: ٢٠٣] ولو جاءهم بقرآن غيره لتولوا وهو معرضون.
(٤) رواه بمعناه الفيروزأبادى في "تنوير المقباس" ص ١٧٩ من رواية الكلبي وهو واهٍ.
(٥) أى ابن عباس في قوله السابق.
(٦) في (م): (ينتفع به).

﴿وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ إخبارًا منه عز وجل عما لا يكون لو يكون كيف يكون (١)، ومثل هذا قوله إخبارًا عن المنافقين: ﴿لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ﴾ (٢) [الحشر: ١١] فقال الله تعالى: ﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ﴾ (٣) [الحشر: ١٢] فأعلمنا أن ذلك لا يكون منهم، ثم قال: ﴿وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ﴾ [الحشر: ١٢] فأعلم عز وجل عما لا يكون بأنه لو كان كيف يكون.
وسلك أبو إسحاق في معنى هذه الآية طريقة حسنة فقال: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ﴾ جواب كل ما يسألون عنه، ثم قال (٤): ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا﴾ أي لو بين لهم كل ما يختلج (٥) في نفوسهم ﴿لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ لمعاندتهم (٦).
واختاره ابن الأنباري وشرحه فقال: ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم جواب كل ما يسألون عنه مما يقترحون ويطالبون (٧) من المعجزات، ولو
(٢) حذف الجرجاني أو المؤلف بعض الآية ونصه: ﴿وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا﴾ وقد فعل ذلك الرازي أيضًا في "تفسيره" ١٥/ ١٥٠ وهو كثير النقل من تفسير الواحدي "البسيط".
(٣) في جميع النسخ: (ولئن). وهو خطأ.
(٤) في "معاني القرآن وإعرابه": ثم قال جل وعز. وفي (م): (وقوله).
(٥) في المصدر السابق: يعتلج. اهـ، والكلمتان متقاربتان في المعنى، ففي "لسان العرب" (خلج) ٣/ ١٢٢٣: اختلج الشيء في صدري وتخالج: احتكأ مع شك، وأصل الاختلاج: الحركة والاضطراب. وفي المصدر نفسه (علج) ٥/ ٣٠٦٥: اعتلج القوم: اتخذوا صراعًا وقتالاً، واعتلج الموت: التطم، وهو منه، وأعتلج الهمّ في صدره، كذلك على المثل.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٢/ ٤٠٩.
(٧) ساقط من (ح).