آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ

تحقيقا لوعده، وما كان إمدادكم بهم للنصر، وإنما هو للاطمئنان والبشارة فقط «إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ» منيع الجانب قوي غالب لا يقهره شيء «حَكِيمٌ (١٠) » في تدبيره ونصره لأوليائه على أعدائه. روى البخاري عن ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال يوم بدر (بعد ما ناشد ربه) هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب.
قال ابن عباس كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض، ويوم حنين عمائم خضر، ولم تقاتل الملائكة في يوم من الأيام سوى يوم بدر، وكانوا يكونون فيما سواه عددا ومددا.
واذكر يا محمد لقومك أيضا «إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ» من الله لكم من عدوكم طمأنينة لقلوبكم ورأفة لأنفسكم وإزالة لرعبكم إذ كنتم في سهر من خوف عدوكم، وهذه نعمة عظيمة، لأن وقوعه في الحرب أمر خارق للعادة، لأن زمن الحرب وقت رهبة وخشية لا يتصور فيه حدوث النوم «وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ» ويطفىء غبار الأرض ويلبدها، وذلك أن المشركين سبقوهم إلى بدر ونزلوا عليه، ونزل المسلمون على كثيب رمل ولا ماء عندهم، وأصبحوا لا يجدون ما يشربون ولا ما يتوضئون ويغتسلون به، فلما أرسل لهم المطر طابت نفوسهم واستدلوا بهذه النعمة الثانية على أن الله تعالى ناصرهم على عدوهم «وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ» ثقله الحاصل على أثر انتباهكم من النوم ووسوسته التي ألقاها في قلوب بعضكم من أنه لو كنتم أولياءه لما غلبكم المشركون على الماء. وقال بعض المفسرين انهم كانوا مجتبين بدليل التشديد في قوله (لِيُطَهِّرَكُمْ) إذ يطلق غالبا على المبالغة في الطهارة ويراد بها الجنب، ولكن التفسير الأول أولى لأنه يشمل الجنب وغيره «وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ» برباط الصبر حتى لا يدخلها الجزع، والربط هو الشد فكل من صبر على أمر فقد ربط نفسه «وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١) » لئلا تسوخ في الرمل فضلا عن تلبده وتقويته ومنع الغبار من الأرض، وأذكر أيضا «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ» بالنصر والمعونة والهيبة والهداية والروعة والدهشة في قلوب الأعداء «فَثَبِّتُوا» أيها الملائكة وقروا قلوب «الَّذِينَ آمَنُوا» بتكثير سوادهم وقتال أعدائهم، ولا ترعووا فإني «سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ» منكم والخوف

صفحة رقم 278

في قلوبهم، ولما لم تعرف الملائكة كيفية القتل علمهم الله تعالى بقوله «فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ» أي رءوس المشركين «وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) » الأطراف والمفاصل، وأصل البنان رءوس الأصابع ولكنها تطلق على ما ذكر من إطلاق الجزء وإرادة الكل، وخصت بالذكر لأن الفارس يمسك بها سلاحه ويقاتل بها، ومن قال إن الضمير في (فَاضْرِبُوا) يعود للمؤمنين فلا يكاد يصح لما فيه من البعد ومخالفتة سياق التنزيل ومغايرته للخطاب في سياق الآية وسياقها، ومما يؤيد هذا ما قاله ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يومئذ (يوم بدر) يشتد (يعدو من عدا إذا أسرع) في إثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم، إذا نظر إلى المشرك أمامه خرّ مستلقيا، فنظر إليه فإذا قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السيف، فأحصى ذلك أجمع، وجاء فحدث بذلك رسول الله، قال صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة، فنصرهم الله نصرا مؤزرا، وقتلوا سبعين، وأسروا سبعين مثلهم من المشركين، وهذا القتل والأسر يعد كثيرا جدا بالنسبة لذلك الزمن وعدده وعدده، وانتهت المعركة بهذا وأعز الله جنده، وصدق وعده ونصر عبده. وما روي عن أبي داود المازني وكان شهد بدرا قال: إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أن قد قتله غيري. وما روي عن سهل بن الأحنف قال:
لقد رأيتنا يوم بدر وان أحدنا يشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف. وروى مقسم عن ابن عباس قال: كان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو أخو ابن سلمة، وكان رجلا مجموعا، وكان العباس جسيما، فقال صلّى الله عليه وسلم لقد أعانك عليه ملك كريم. لِكَ»
الذي وقع لكم من النصر والظفر أيها المؤمنونِ أَنَّهُمْ»
أي المشركينَ اقُّوا»
خالفوا وجادلوا وخاصمواللَّهَ وَرَسُولَهُ»
وجانبوهما وصاروا في شق عنهماَ مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ»
القادر من إيقاع القهر والانتقامَ رَسُولَهُ»
المؤيد من لدنه بالنصر والإحكامَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) »
لهذا المخالف في الدنيا والآخرة وهو صعب الأخذ (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) راجع الآية ١٠٣ من سورة هود في ج ٢. هذا، وليعلم

صفحة رقم 279

أن ما أصابهم من القتل والأمر والنهب والسبي ليس بشيء بالنسبة لما خبىء إليهم من العذاب «ذلِكُمْ» الذي أصابكم من الغلب والاندحار «فَذُوقُوهُ» معجلا لكم أيها المشركون «وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ» منكم الذين يموتون على كفرهم عذاب أشد وأقسى وأعظم وهو «عَذابَ النَّارِ» (١٤) في الآخرة التي لا تقواها القوى البشرية. ولما فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم من حادثة بدر قيل له إذ وفقك الله على النفير فعليك بالبعير إذ تركت وليس دونها أحد، قال قتادة فناداه العباس من وثاقه لا يصلح لك، لأن الله وعدك إحدى الطائفتين، وقد أعطاك ما وعدك، قال صدقت- أخرجه الترمذي-. وكانت هذه الحادثة يوم الجمعة في ١٧ رمضان السنة الثانية من الهجرة. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً» قادمين عليكم، والزحف انبعاث مع جر الرجل كانبعاث الصبي قبل أن يمشي (وتقول العامة يحبو) وسمي به الجيش الدّهم المتوجه إلى العدو لتكاثفه، فيرى لكثرته كأنه يزحف زحفا إذ يكون كالجسم الواحد في تراصه، فيظن رائيه أنه بطيء الحركة مع أنه مسرع، انظر إلى فلكة المهواية ودواليب المحركات وصدور الرحى وكل متناه في السرعة تراه كأنه واقفا، قال تعالى (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) الآية ٨٨ من سورة النمل في ج ١، وقيل في المعنى:

وأرعن مثل الطود تحسب أنه وقوف لجاج والركاب تهملج
أي إذا رأيتم أيها المؤمنون أعداءكم مقبلين عليكم على هذه الصورة فاستقبلوهم بصدوركم «فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) » فتنهزمون أمامهم وتعطونهم ظهوركم فإنهم يستخفونكم ويلحقونكم فيدركونكم ويستأصلونكم، ثم هدد الله تعالى الهارب من عدوه على هذه الصفة بقوله «وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ» ظهره فرارا منهم يوم الزحف واشتداد المعركة «إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ» بأن يري عدوه الانهزام بقصد الكرة عليه أو يستدرجه فيطوقه من ورائه أو ينوي ضربا آخر من ضروب الحرب ومكايده وخدعه، لأن الحرب خدعة يجوز فيه ما لا يجوز في غيره، لأنه بعد أن استحل فيه سفك الدماء فلأن يحل فيه غيره من باب أولى.

صفحة رقم 280

ثم ذكر جل شأنه عذرا آخر في جواز الانسحاب إلى الوراء في اشتداد أزمة الحرب فقال «أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ» بقصد الانضمام إلى جماعة يريدون الهجوم على العدو من جهة أخرى، أو يريدون قتاله من مكان آخر، أو يريد أن يجابه العدو مع تلك الجماعة، أو بضرب آخر من فنون الحرب التي يراها، فهاتان الحالتان وما يتفرع عنهما جائز فيهما وفيما يراه من الطرق الأخرى التقهقر والهروب صنيعة بل هما مطلوبتان لما فيهما من النفع ومثاب عليهما فاعلهما، أما إذا كان انهزامه لمجرد الخوف والرهبة «فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ» والعياذ بالله، فإنه يرجع بالذم في الدنيا والعقاب في الآخرة بدل المدح والسعادة في الدنيا والشهادة والرضاء في الآخرة، لأن فعله هذا يكسر معنويات الجيش ويقوي جنان العدو فيسبب الذل والهوان والخزي والعار في الدنيا «وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ» في الآخرة «وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) » مصير أهلها ولما نصر الله عباده في واقعة بدر وكان ثابتا في علمه أنهم سيلاقون حروبا أخرى، وانها قد تكون سجالا بينهم (أي لهم وعليهم) فقد حثهم في هذه الآية على الثبات وحذرهم من الهزيمة، وهذه الآية محكمة وحكمها عام في كل منهزم إلى يوم القيامة لأنها مصدرة بخطاب المؤمنين ومطلقة باقية على إطلاقها لم تخصص ولم تقيد، وقد جاء في الحديث الصحيح أن الفرار من الزحف من السبع الموبقات التي أمر الرسول باجتنابها، وما قيل إنها منسوخة بآية (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ) قيل لا صحة له، لأن هذه الآية مقيدة ومخصصة للتي قبلها كما سيأتي، ثم ان المؤمنين بعد أن عادوا من بدر واستقروا في المدينة صاروا يتفاخرون بينهم مثل عادة الكفرة، هذا يقول قتلت فلانا، وهذا يقول أسرت فلانا، وهذا يقول رميت فلانا، فأنزل الله ردّا لهم كلهم «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ» لا أنتم، لأنه هو الفاعل الحقيقي، وهو الذي أمدكم بملائكته وأمركم بقتالهم وتعهد لكم بالنصر، ولو ترككم وشأنكم لما قاتلتم ولا قتلتم وكان جبريل عليه السلام قال لحضرة الرسول أثناء اللقاء خذ قبضة من تراب وارم بها الكفرة ففعل وقال شاهت الوجوه (يعني قبحت) فلم يبق مشرك إلا ودخل في عينيه ومنخريه من ذلك التراب وسبب انهزام المشركين فأنزل الله «وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ»

صفحة رقم 281

المشركين بقبضة التراب «وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى» إذ أمر الريح بإيصاله لكل منهم، وهو الذي أمر جبريل أن يقول لك ذلك فهو المسبب الحقيقي لإصابة رميتك وجوه الكفار كافة حتى دخل أعينهم ومناخرهم، لأنك لا تقدر على ذلك، وإنما كنت سببا ظاهرا، وإذا كان الله تعالى يقول لحبيبه بأنه لم يرم وإنما الرامي هو جل جلاله، فلأن لا يفتخر أصحابه بما وقع منهم في هذه الحرب من قتل وأسر ونهب ورمي وسلب من باب أولى، لأن الله هو الذي أقدرهم على ذلك فنصرهم وخيب أعداءهم «وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ» فينعمه عليهم «بَلاءً حَسَناً» جميلا وقد فسر عامة المفسرين هذا البلاء بالنعمة، ويجوز تفسيره بالاختبار، أي أنه اختبرهم بهذه الحادثة اختبارا حسنا فكانوا عنده كما هم في علمه «إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ» لما تقولون أيها المؤمنون «عَلِيمٌ (١٧) » بما تضرونه لا يخفى عليه حالكم «ذلِكُمْ» البلاء الذي اختبركم الله به هو منه وحده «وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ» مضعف وما حق «كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) » ومبطل مكرهم وحيلهم. قالوا لما خرج المشركون لقتال بدر تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم إن كان محمد على الحق فانصره، وإن كنا على الحق فانصرنا، وقال أبو جهل لما صار اللقاء اللهم أنصر أهدى الفئتين وخير الفريقين وأفضل الجمعين، اللهم من كان أفجر
واقطع لرحمه فأحنه (ألوه واكسره) اليوم. فأنزل الله «إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ»، وهذا خطاب لهم على سبيل التهكم بهم، وقد مر أن ذكرنا أن الفتح بمعنى القضاء والحكم، أي أن تستحكموا الله على ما قلتم فقد جاءكم حكمه، فعليكم أن تتيقنوا أن محمدا أحق منكم وأوصل الرحم وأهدى الفئتين وخير الفريقين وأفضل الجمعين هو وأصحابه، ولذلك فقد أجبت دعاءه وخيبتكم ونصرته عليكم، فآمنوا به وأطيعوه «وَإِنْ تَنْتَهُوا» من الآن عن الكفر بالله وتكذيب رسوله ومقاتلته «فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» في دينكم ودنياكم وعاقبة أمركم «وَإِنْ تَعُودُوا» لقتال رسولكم وتصروا على تكذيبه بعد أن شاهدتم كيفية نصرته عليكم وتوفيقه وتأييده من عند ربه، ولم ترجعوا عن الكفر وتؤمنوا به «نَعُدْ» لأمره ثانيا بقتالكم وننصره عليكم أيضا، وهكذا حتى تؤمنوا أو

صفحة رقم 282
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية