آيات من القرآن الكريم

رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا
ﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥ ﭧﭨ ﭪﭫﭬ ﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟ ﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ

فوجدناها كلّها العظام النخرة، ولم أسمع في شيء منها الناخرة، وكان أبو عمرو يحتج بحجة ثالثة قال: إنّما يكون تناخره إلى تنخرها، ولم يفعل، وهما لغتان في قول أكثر أهل اللسان مثل:
الطمع والطامع والبخل والباخل والفره والفاره والجذر والجاذر، وفرّق بينهما فقالوا: النخرة:
البالية، والناخرة: المجوّفة التي تمرّ فيها الريح فتخرّ أي تصوّت.
قالُوا يعني المنكرين تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ رجعة غابنة قال الله سبحانه: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ صيحة ونفخة واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ يعني وجه الأرض صاروا على ظهر الأرض بعد ما كانوا في جوفها، والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض ساهرة، قال أئمة أهل اللغة تراهم سمّوا ذلك بها [لأنّ فيها نوم الحيوان] سهّرهم فوصف بصفة ما فيه، واستدل ابن عباس والمفسرون بقول أمية بن أبي الصلت:
وفيها لحم ساهرة وبحر... وما فاهوا به لهم مقيم «١»
أي لهم البر والبحر، وقال امرؤ القيس:
ولاقيتم بعده غبّها... فضاقت عليكم به الساهرة
وقال ابو ذؤيب:
يرتدن ساهرة كأن حميمها... وعميمها أسداف ليل مظلم «٢»
وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا ابن لمهان قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا جهاد عن أبي سنان عن أبي المنية فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ جبل عند البيت المقدّس، وروى الوليد بن مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ قال الصقع الذي بين جبل حسان وجبل أريحا يمدّه الله كيف يشاء، وقال سفيان: هي أرض الشام، وقال قتادة: هي جهنم.
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ١٥ الى ٤٦]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩)
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩)
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤)
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩)
وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤)
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦)

(١) تفسير الطبري: ١٠/ ٢٥٢ والبيت وصف الجنة.
(٢) تفسير القرطبي: ١٩/ ١٩٩.

صفحة رقم 126

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى قرأ أهل الحجاز وأيوب ويعقوب بتشديد الزاي أي تتزكّى ومثله روى العباس عن أبي عمرو، غيرهم بتخفيفه ومعناه تسلّم وتصلح وتطهّر.
وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبيش قال: أخبرنا ابن زنجويه قال: حدّثنا مسلمة قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن التيمي عن عبيد الله بن أبي بكر قال: حدّثني صخر بن جويرية قال: لما بعث الله تعالى موسى (عليه السلام) إلى فرعون فقال له: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى إلى فَتَخْشى ولن يفعل. قال موسى (عليه السلام) : يا رب وكيف أذهب إليه وقد علمت أنه لن يفعل؟ فأوحى الله تعالى إليه أن أمض إلى من أمرت به فإن في السماء اثني عشر ألف ملك يطلبون علم القدر فلم يبلغوه ولم يدركوه.
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى وهي العصا واليد البيضاء.
فَكَذَّبَ وَعَصى ثُمَّ أَدْبَرَ تولى وأعرض عن الإيمان.
يَسْعى يعمل بالفساد فَحَشَرَ فجمع السحرة وقومه فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى يقول ليس ربّ فوقي، وقيل: أراد أن الأصنام أرباب وأنا ربّها وربكم، وقيل: أراد القادة والسادة فَأَخَذَهُ اللَّهُ فعاقبه الله نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى يعني في الدنيا والآخرة، الأولى بالغرق وفي الآخرة بالنار، وقيل: نكال كلمته الأولى وهي قوله سبحانه ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي وكلمته الآخرة هي قوله أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى وكان بينهما أربعون سنة.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى أَأَنْتُمْ أيها المنكرون للبعث أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ إن الذي قدر على خلق السماء قادر عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى وقوله لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ «١».
بَناها رَفَعَ سَمْكَها سقفها، قال الفراء: كل شيء حمل شيئا من البناء وغيره فهو سمك وبناء وسموك فَسَوَّاها بلا شطور ولا فطور وَأَغْطَشَ أظلم لَيْلَها والغطش أشد الظلمة ورجل أغطش أي أعمى وَأَخْرَجَ ضُحاها أبرز وأظهر نهارها ونوره.
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها اختلفوا في معنى الآية، فقال ابن عباس: خلق الله سبحانه

(١) سورة غافر: ٥٧.

صفحة رقم 127

الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ، ثم دحا الأرض بعد ذلك أي بسطها، قال ابن عباس وعبد الله بن عمرو: خلق الله الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام فدحيت الأرض من تحت البيت، وقيل معناه: والأرض مع ذلك دحاها كما يقال للرجل: أنت أحمق وأنت بعد هذا لئيم الحسب، أي مع هذا، قال الله عزّ وجل: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ «١» أي مع ذلك، وقال الشاعر:

فقلت لها عني إليك فإنني حرام وإني بعد ذاك لبيب «٢»
يعني مع ذلك.
ودليل هذا التأويل قراءة مجاهد والأرض عند ذلك دحاها وقيل بعد بمعنى قبل كقوله سبحانه: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ «٣» أي من قبل الذكر وهو القرآن، وقال الهذلي:
حملت الهي بعد عروة إذا نجا خراش وبعض الشراهون من بعض زعموا أن خراشا نجا قبل عروة.
وقراءة العامة وَالْأَرْضَ بالنصب، وقرأ الحسن والأرض رفعها بالابتداء الرجوع الهاء وكلا الوجهين سائغان في عائد الذكر، والدّحو البسط والمدّ، ومنه أدحي النعامة لأنها تدحوه بصّدرها، يقال: دحا يدحوا دحوا ودحا يدحا دحيا لغتان مثل قولهم طغى يطغو أو يطغي وصغا يصغو ويصغي، ومحا يمحو ويمحي ولحي العود يلحوا أو يلحي، فمن قال: يدحو قال دحوت، ومن قال يدحا قال: دحيت.
أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها قال القتيبي: أنظر كيف دلّ بشيئين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للأنعام من العشب والشجر والحبّ والتمر والعصف والحطب واللباس والنار والملح، لأنّ النار من العيدان والملح من الماء.
وَالْجِبالَ أَرْساها قراءة العامة بالنصب وقرأ عمرو بن عبيد بالرفع. مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى وهي القيامة سميت بذلك لأنها تطم على كلّ هائلة من الأمور فتغمر ما سواها بعظم هولها أي يغلب، والطامة عند العرب الناهية التي لا تستطاع، وإنّما أخرت من قولهم طمّ الفرس طميمها إذا استفرغ جهده الجري.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبيش قال: حدّثنا محمد بن عمران قال: حدّثنا هناد ابن السهى قال: حدّثنا أبو أسامة عن ملك بن مغول عن القاسم الهمداني فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى قال الحسن: يسوق أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.
(١) سورة القلم: ١٣.
(٢) تفسير القرطبي: ١٩/ ٢٠٥.
(٣) سورة الأنبياء: ١٠٥.

صفحة رقم 128

يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى عمل في الدنيا من خير أو شر وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها متى ظهورها وثبوتها فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها علمها عند الله ولست من علمها في شيء
قالت عائشة:
لم يزل النبي ﷺ يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت هذه الآيات.
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها قراءة العامة بالإضافة وقرأ أبو جعفر وابن محيض منذر بالتنوين، ومثله روى العباس عن أبي عمرو.
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا في الدنيا قيل: في قبورهم، إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها قال الفراء: ليس للغاشية ضحى إنّما الضحى لصدر النهار ولكن هذا ظاهر من كلام العرب أن تقولوا أتتك العشية أو عداتها إنما معناه آخر يوم أو أوّله قال وأنشد بعض بني عقيل:

نحن صبّحنا عامرا في دارها جردا تعاطى طرفي نهارها «١»
عشية الهلال أو سرارها.
بمعني عشية الهلال أو عشية سرار العشية.
(١) لسان العرب: ٢/ ٥٠٣.

صفحة رقم 129
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية