آيات من القرآن الكريم

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ
ﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﭑﭒﭓﭔﭕ

فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ عَلَى قولنا أيضا صحة الحكم عليه بالعود، قول: ثَانِيًا: الْأَجْزَاءُ الْقَلِيلَةُ مُخْتَلِطَةٌ بِأَجْزَاءِ الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ، قُلْنَا لَكِنْ ثَبَتَ أَنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ، وَقَادِرٌ عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ فَيَصِحُّ مِنْهُ جَمْعُهَا بِأَعْيَانِهَا. وَإِعَادَةُ الْحَيَاةِ إِلَيْهَا. قَوْلُهُ: ثَالِثًا: الْأَجْسَامُ الْقَشِفَةُ الْيَابِسَةُ لَا تَقْبَلُ الْحَيَاةَ. قُلْنَا: نَرَى السَّمَنْدَلَ، يَعِيشُ فِي النَّارِ، وَالنَّعَامَةَ تَبْتَلِعُ الْحَدِيدَةَ الْمُحْمَاةَ، وَالْحَيَّاتِ الْكِبَارَ الْعِظَامَ مُتَوَلِّدَةً فِي الثُّلُوجِ، فَبَطَلَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الِاسْتِقْرَاءِ، وَاللَّهُ الهادي إلى الصدق والصواب.
[سورة النازعات (٧٩) : آية ١٢]
قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢)
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مِنَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي حَكَاهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مُنْكِرِي الْبَعْثِ قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ وَالْمَعْنَى كَرَّةٌ مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْخُسْرَانِ، كَقَوْلِكَ تِجَارَةٌ رَابِحَةٌ، أَوْ خَاسِرٌ أَصْحَابُهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا إِنْ صَحَّتْ فَنَحْنُ إِذًا خَاسِرُونَ لِتَكْذِيبِنَا، وَهَذَا مِنْهُمُ اسْتِهْزَاءٌ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنْهُمْ هَذِهِ الكلمات قال:
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ١٣ الى ١٤]
فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا هُمْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ لَا تَسْتَصْعِبُوهَا فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، يَعْنِي لَا تَحْسَبُوا تِلْكَ الْكَرَّةَ صَعْبَةً عَلَى اللَّهِ فَإِنَّهَا سَهْلَةٌ هَيِّنَةٌ فِي قُدْرَتِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: يُقَالُ: زَجَرَ الْبَعِيرَ إِذَا صَاحَ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الصَّيْحَةِ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ صَيْحَةُ إِسْرَافِيلَ، قَالَ المفسرون: يحيهم اللَّهُ فِي بُطُونِ الْأَرْضِ فَيَسْمَعُونَهَا فَيَقُومُونَ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً مَا لَها مِنْ فَواقٍ [ص: ١٥].
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: السَّاهِرَةُ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ الْمُسْتَوِيَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ/ سَالِكَهَا لَا يَنَامُ خَوْفًا مِنْهَا الثَّانِي: أَنَّ السَّرَابَ يَجْرِي فِيهَا مِنْ قَوْلِهِمْ عَيْنٌ سَاهِرَةٌ جَارِيَةُ الْمَاءِ، وَعِنْدِي فِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهِيَ أَنَّ الْأَرْضَ إِنَّمَا تُسَمَّى سَاهِرَةً لِأَنَّ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ فيها يطير النوم عن الْإِنْسَانِ، فَتِلْكَ الْأَرْضُ الَّتِي يَجْتَمِعُ الْكُفَّارُ فِيهَا فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ يَكُونُونَ فِيهَا فِي أَشَدِّ الْخَوْفِ، فَسُمِّيَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ سَاهِرَةً لِهَذَا السَّبَبِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ أَرْضُ الدُّنْيَا، وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ أَرْضُ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ عِنْدَ الزَّجْرَةِ وَالصَّيْحَةِ يُنْقَلُونَ أَفْوَاجًا إِلَى أَرْضِ الْآخِرَةِ وَلَعَلَّ هَذَا الْوَجْهَ أَقْرَبُ.
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ١٥ الى ١٧]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧)
فيه مسائل:

صفحة رقم 37

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْ الْكُفَّارِ إِصْرَارَهُمْ عَلَى إِنْكَارِ الْبَعْثِ حَتَّى انْتَهَوْا فِي ذَلِكَ الْإِنْكَارِ إِلَى حَدِّ الِاسْتِهْزَاءِ فِي قَوْلِهِمْ: تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ [النازعات: ١٢] وَكَانَ ذَلِكَ يَشُقُّ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ قِصَّةَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ الْكَثِيرَةَ فِي دَعْوَةِ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ ذَلِكَ كَالتَّسْلِيَةِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّانِي: أَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ أَقْوَى مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَأَكْثَرَ جَمْعًا وَأَشَدَّ شَوْكَةً، فَلَمَّا تَمَرَّدَ عَلَى مُوسَى أَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي تَمَرُّدِهِمْ عَلَيْكَ إِنْ أَصَرُّوا أَخَذَهُمُ اللَّهُ وَجَعَلَهُمْ نَكَالًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: هَلْ أَتاكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَلَيْسَ قَدْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى هَذَا إِنْ كَانَ قَدْ أَتَاهُ ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ، أَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَتَاهُ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هَلْ أَتاكَ كَذَا، أَمْ أَنَا أُخْبِرُكَ بِهِ فَإِنَّ فِيهِ عِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْوَادِي الْمُقَدَّسُ الْمُبَارَكُ الْمُطَهَّرُ، وَفِي قَوْلِهِ: طُوىً وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أنه اسم وادي بِالشَّامِ وَهُوَ عِنْدَ الطُّورِ الَّذِي أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ [الطُّورِ: ١، ٢] وَقَوْلِهِ:
وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ [مَرْيَمَ: ٥٢] وَالثَّانِي: أَنَّهُ بِمَعْنَى يَا رَجُلُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَا رَجُلُ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: طُوىً أَيْ نَادَاهُ طُوىً مِنَ اللَّيْلَةِ اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ لِأَنَّكَ تَقُولُ جِئْتُكَ بَعْدَ طُوىً أَيْ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ الَّذِي طُوِيَ أَيْ بُورِكَ فِيهِ مَرَّتَيْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو طُوَى بِضَمِّ الطَّاءِ غَيْرَ مُنَوَّنٍ، وَقَرَأَ/ الْبَاقُونَ بِضَمِّ الطَّاءِ مُنَوَّنًا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو. طِوَى بِكَسْرِ الطَّاءِ، وَطَوَى مِثْلُ ثَنَى، وَهُمَا اسْمَانِ لِلشَّيْءِ الْمَثْنِيِّ، وَالطَّيُّ بِمَعْنَى الثَّنْيِ، أَيْ ثَنَّيْتُ فِي الْبَرَكَةِ وَالتَّقْدِيسِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: طُوىً وَادٍ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَمِصْرَ، فَمَنْ صَرَفَهُ قَالَ: هُوَ ذَكَرٌ سَمَّيْنَا بِهِ ذَكَرًا، وَمَنْ لَمْ يَصْرِفْهُ جَعَلَهُ مَعْدُولًا عَنْ جِهَتِهِ كَعُمَرَ وَزُفَرَ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّرْفُ أَحَبُّ إِلَيَّ إِذْ لَمْ أَجِدْ فِي الْمَعْدُولِ نَظِيرًا، أَيْ لَمْ أَجِدِ اسْمًا مِنَ الْوَاوِ وَالْيَاءِ عُدِلَ عَنْ فَاعِلِهِ إِلَى فِعْلٍ غَيْرَ طُوىً.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: تَقْدِيرُ الْآيَةِ: إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ وَقَالَ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ أَنِ اذْهَبْ، لِأَنَّ فِي النِّدَاءِ مَعْنَى الْقَوْلِ. وَأَمَّا أَنَّ ذَلِكَ النِّدَاءَ كَانَ بِإِسْمَاعِ الْكَلَامِ الْقَدِيمِ، أَوْ بِإِسْمَاعِ الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَكَيْفَ عَرَفَ مُوسَى أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ. فَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ طه.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: أَنَّ سَائِرَ الْآيَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ مَا نَادَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَكَرَ لَهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ طه: نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ إِلَى قَوْلِهِ: لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى [طه: ٢٣، ٢٤] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ هَاهُنَا: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى مِنْ جُمْلَةِ مَا نَادَاهُ بِهِ رَبُّهُ، لَا أَنَّهُ كُلُّ مَا نَادَاهُ بِهِ، وَأَيْضًا لَيْسَ الْغَرَضُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى فِرْعَوْنَ فَقَطْ، بَلْ إِلَى كُلِّ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الطَّرَفِ، إِلَّا أَنَّهُ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّ دَعْوَتَهُ جَارِيَةٌ مَجْرَى دَعْوَةِ كُلِّ ذَلِكَ الْقَوْمِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: الطُّغْيَانُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ تَعَدَّى فِي أَيِّ شَيْءٍ، فَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ وَكَفَرَ بِهِ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ طَغَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْأَوْلَى عِنْدِي الْجَمْعُ

صفحة رقم 38
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية