آيات من القرآن الكريم

فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ
ﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸ

وَالْخُسْرَانُ: أَصْلُهُ نَقْصُ مَالِ التِّجَارَةِ الَّتِي هِيَ لِطَلَبِ الرِّبْح، أَي زِيَادَة الْمَالِ فَاسْتُعِيرَ هُنَا لِمُصَادَفَةِ الْمَكْرُوهِ غَيْرِ الْمُتَوَقَّعِ.
وَوَصْفُ الْكَرَّةِ بِالْخَاسِرَةِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِلْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ الْخَاسِرَ أَصْحَابُهَا. وَالْمَعْنَى: إِنَّا إِذَنْ خَاسِرُونَ لِتَكْذِيبِنَا وَتَبَيُّنِ صِدْقِ الَّذِي أَنْذَرَنَا بِتِلْكَ الرّجْعَة.
[١٣، ١٤]
[سُورَة النازعات (٧٩) : الْآيَات ١٣ إِلَى ١٤]
فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)
الْفَاءُ فَصِيحَةٌ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى مَا يفِيدهُ قَوْلهم أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً [النازعات: ٩، ١٠] مِنْ إِحَالَتِهِمُ الْحَيَاةَ بَعْدَ الْبِلَى وَالْفَنَاءِ.
فتقدير الْكَلَام: لَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ فَمَا هِيَ إِلَّا زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا أَنْتُمْ حَاضِرُونَ فِي الْحَشْرِ.
وَضَمِيرُ (هِيَ) ضَمِيرُ الْقِصَّةِ وَهُوَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ. وَاخْتِيرَ الضَّمِيرُ الْمُؤَنَّثُ لِيَحْسُنَ عَوْدُهُ إِلَى زَجْرَةٌ. وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ اسْتِعْمَالَاتِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ. وَالْقَصْرُ حَقِيقِيٌّ مُرَادٌ مِنْهُ تَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِتَنْزِيلِ السَّامِعِ مَنْزِلَةَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ زَجْرَةً وَاحِدَةً غَيْرُ كَافِيَةٍ فِي إِحْيَائِهِمْ.
وَفَاءُ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ لِلتَّفْرِيعِ على جملَة فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ وَ (إِذَا) لِلْمُفَاجَأَةِ، أَيِ الْحُصُولُ دُونَ تَأْخِيرٍ فَحَصَلَ تَأْكِيدُ مَعْنَى التَّفْرِيعِ الَّذِي أَفَادَتْهُ الْفَاءُ وَذَلِكَ يُفِيدُ عَدَمَ التَّرَتُّبِ بَيْنَ الزَّجْرَةِ وَالْحُصُولِ فِي السَّاهِرَةِ.
وَالزَّجْرَةُ: الْمَرَّةُ مِنَ الزَّجْرِ، وَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي فِيهِ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ فِي حَالَةِ غَضَبٍ، يُقَالُ: زَجَرَ الْبَعِيرَ، إِذَا صَاحَ لَهُ لِيَنْهَضَ أَوْ يَسِيرَ، وَعُبِّرَ بِهَا هُنَا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ بِتَكْوِينِ أَجْسَادِ النَّاسِ الْأَمْوَاتِ تَصْوِيرًا لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّسْخِيرِ لِتَعْجِيلِ التَّكَوُّنِ. وَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ لِإِحْيَاءِ مَا كَانَ هَامِدًا كَمَا يُبْعَثُ الْبَعِيرُ الْبَارِكُ بِزَجْرَةٍ يَنْهَضُ بِهَا سَرِيعًا خَوْفًا مِنْ زَاجِرِهِ. وَقَدْ عُبِّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالصَّيْحَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق: ٤٢] وَهُوَ الَّذِي عُبِّرَ عَنْهُ بِالنَّفْخِ فِي الصُّورِ.
وَوُصِفَتِ الزَّجْرَةُ بِوَاحِدَةٍ تَأْكِيدًا لِمَا فِي صِيغَةِ الْمَرَّةِ مِنْ مَعْنَى الْوَحْدَةِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ إِفْرَادَهُ لِلنَّوْعِيَّةِ، وَهَذِهِ الزَّجْرَةُ هِيَ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

صفحة رقم 72
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية