آيات من القرآن الكريم

يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ
ﮢﮣ ﮥﮦ ﮨﮩ ﮫﮬ ﮮﮯ ﮱﯓﯔ ﯖﯗ ﯙﯚﯛ ﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة والنازعات
مكية
- قوله تعالى: ﴿والنازعات [غَرْقاً]﴾ إلى قوله: ﴿فَإِذَا هُم بالساهرة﴾.
قال ابن عباس: ﴿والنازعات غَرْقاً﴾، هي الملائكة تنزع الأنفس.
وقال ابن جبير: هي أرواح الكفارن نزعت أرواحهم ثم غرقت ثم حرقت ثم قذف بها في النار. وقال مجاهد: ﴿والنازعات﴾ الموت ينزع النفوس.
وقال الحسن: هي النجوم تنزع من أفق (إلى أفق). وهو قول قتادة. وقال

صفحة رقم 8019

عطاء: هي القسي تنزع بالسهم. [وقال] السدي: هي النفوس حين تغرق في الصدر.
والتقدير على هذا كله: ورب النازعات. والله جل ذكره يقسم بما شاء. والتقدير في ﴿غَرْقاً﴾: إغراقا، كما يغرق النازع في [القوس].
وعن ابن عباس قال: يعني نفس الكافر ينتزعها مالك الموت من جسده من تحت كل شعرة، ومن تحت كل [ظفر]، ثم يغرقها، أي: يرددها في جسده وينزعها.
- ثم قال تعالى: ﴿والناشطات نَشْطاً﴾.

صفحة رقم 8020

قال ابن عباس: هي " الملائكة "، (أي): تنشط نفس المؤمن فتقبضها كما ينشط العقال (من يد البعير إذا [حل] عنها كأنها [تقبض] الأرواح بسرعة. ومنه رجل نشط)، ويقال: نَشَطَهُ إذا أخذه بسرعة.
قال الفراء: يقال: نَشَطَه: إذا ربطه، وأنْشَطَهُ: [إذا حله]، وحكى عن العرب: " كأنما أنشط من عقال ".
وهما عند غيره لغتان، يقال: نَشَطه: إذا حَلَّهُ وأنشطَهُ.
وقال مجاهد: ﴿والناشطات نَشْطاً﴾ هي " الموت "، ينشط نفس المؤمن. ومثله عن ابن عباس أيضاً، (وعنه أيضاً) أنه قال: يعني نفس الكافر والمنافق، ينشط كما

صفحة رقم 8021

ينشط العَقَبُ [الذي يعقب] (به) السَّرجُ.
وقال السدي: " نَشْطُهَا - يعني النفس - حين تُنْشَطٌ من القدمين. وقال قتادة: " هي النجوم "، ينشط [أفقا إلى أفق].
وقال عطاء: (هي الأ) وهاق) "
- ثم قال تعالى: ﴿والسابحات سَبْحاً﴾.
قال مجاهد: هي " الموت " يسبح في نفس ابن آدم.
وعنه أيضاً أنها الملائكة [تسبح] في صعودها وهبوطها بأمر الله جل ذكره،

صفحة رقم 8022

شبه [سيرها] بالسباحة، كما يقال [للفرس الجوادِ]: " سابح ".
وقال قتادة ومعمر: هي " النجوم ".
وقال عطاء: هي " السفن ".
وقيل: هي نفس المؤمن تسبح شوقاً إلى الله وشوقاً إلى [رحمته]، فهي تسبح إلى ما [عاينت من السرور].
- ثم ق ل تعالى: ﴿فالسابقات سَبْقاً﴾.
قال مجاهد: هو " الموت ". وعنه أنها الملائكة تأتي تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء.

صفحة رقم 8023

وقال عطاء: هي الخيل السابقة.
وقال قتادة ومعمر: هي " النجوم "، يسبق (بضعها) بعضاً في السير.
وقيل: [يعني] نفس المؤمن تسبق إلى ملك الموت فتبادر الخروج (إليه) لحسنه وطيب رائحته شوقاً إلى كرامة الله جل ذكره.
- ثم قال تعالى: ﴿فالمدبرات أَمْراً﴾.
قال ابن عباس وقتادة والحسن ومجاهد: هي الملائكة تدبر الأمر من عند الله بإذن الله وتدبيره.
وعن ابن عباس: أن هذا كله في الملائكة.

صفحة رقم 8024

وعن الحسن أنه كله في النجوم إلاّ ﴿فالمدبرات أَمْراً﴾، فإنه في الملائكة [تنزل] بالحلال والحرام والأمطار وغير ذلك من الأمر المدبر [المحكم] من عند الله جل ذكره.
وجوب القسم محذوف، والتقدير: ورب هذه الأشياء لتبعثن. ودل على ذلك قوله حكاية عن إنكار المشركين للبعث: ﴿يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ/ فِي الحافرة * أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً﴾.
وقيل: الجواب: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً﴾ [النازعات: ٢٦].
وقيل: الجواب: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة﴾، على حذفل اللام، أي: لَيوم ترجف الراجفة.

صفحة رقم 8025

وقيل: المعنى: فإذا هم بالساهرة والنازعات.
والقول الأول أصحها إن شاء الله.
- ثم قال تعالى جل ذكره: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة * تَتْبَعُهَا الرادفة﴾.
أي: لتبعثن يوم ترجف الأرض والجبال للفنخة الأولى، تتبعها أخرى بعدها، وهي النفخة الثانية [ردفت] الأولى، فقيل لها رادفة، بينهما أربعون سنة، [بالأولى يهلك من في الأرض]، وبالثانية يبعث من في الأرض.
قال ابن عباس: هما النفختان، الأولى والثانية.
قال الحسن: هما النخفتان، أما الأولى فتميتُ الأحياء، (وأما) الثانية فتحيي الموتى. وتلا الحسن: ﴿وَنُفِخَ فِي الصور فَصَعِقَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨].

صفحة رقم 8026

" وروي أن أبا هريرة سأل النّبيّ ﷺ عن الصور، فقال: هو قَرنٌ، قَالَ: وكَيْف هو؟ قَالَ: قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفْخاتٍ، الأولى نفخةُ الفَزَع، الثانيةُ نفخةُ الصّعْقِ، والثالثة نَفْخةُ القِيامِ [لِرَبِّ] العالمين، يَأْمُرُ اللهُ إسرافيلَ بالنفخة الأولى، فيقولُ: انفُخ نفخة الفَزع، فيفزَعُ من في السماوات ومن في الأرض إلا من شَاء اللهُ. [ويأمره] الله - جل ذكره - فَيُديمُها ويُطّولها فلا [تفتُرُ]، وهي التي يقول الله: ﴿وَمَا يَنظُرُ هؤلاء إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ﴾، فيُسيّرُ الله - جل وعز - الجِبال، فتكونُ سراباً، فَترتَجُّ الأرضُ بأهلها رجّاً، وهي التي يقول الله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة * تَتْبَعُهَا الرادفة﴾ ".

صفحة رقم 8027

قال قتادة: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة * تَتْبَعُهَا الرادفة﴾: هما الصيحتان، أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله، وأما الأخرى فتحيي كل شيء بإذن الله، وروي أن رسول الله ﷺ كان يقول: " بينهما أربعون [عاماً]. قال أصحابه: والله ما زادنا على ذلك " قال قتادة: وذكر لنا أن نبي الله عليه السلام [كان] يقول: " يبعث الله في تلك الأربعين مطراً يقال له الحياة حتى تطيب الأرض وتهتز وتنبت أجساد الناس نَباتَ البقل، ثم ينفخ الثانية فإذا هم قيام ينظرون ".
قال الضحاك: الراجفة: النفخة الأولى، والرادفة: الثانية.
وقال مجاهد: ﴿الراجفة﴾ [ترجف الأرض بمن فيها، و] هو رجف الأرض والجبال، وهي الزلزلة والرادفة، وهو قوله:
﴿وَحُمِلَتِ الأرض والجبال فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ [الحاقة: ١٤].
وقال ابن زيد ": ﴿الراجفة﴾ ترجف الأرض بمن فيها، والرادفة: قيام الساعة.

صفحة رقم 8028

- ثم قال تعالى: -ayah text-primary">﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾.
أي: قلوب خلق من خلق الله يومئذ خائفة وجلة.
يقال: وجف القلب إذا [خفق].
- ثم قال تعالى: ﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾.
(أي: أبصار أصحاب) القلُوب ذليلة من الخوف والرعب من هول ذلك اليوم.
- ثم قال تعالى: ﴿يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة * أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً﴾.
﴿يَقُولُونَ﴾ ليس بمتصل بما قبله، لأن (ما) قبله من صفة حالهم يوم القيامة. وما بعدها القول من قولهم في الدنيا في إنكار البعث.
ولو [أضمرت] " كان " قبل ﴿يَقُولُونَ﴾ كان متصلاً بما قبله، تخبر عما كانوا يقولون في الدنيا.

صفحة رقم 8029

أي: يقول هؤلاء [المكذبون] بالبعث في الدنيا: أنُردّ إلى حالنا الأولى بعد الممات فنرجع أحياء بعد أن نصير عظاماً [تصوت] فيها الريح.
يقال: رجع [على] حافرته: إذا رجع من حيث أتى. والعرب تقول: " النقد عند الحافرة ". أي: عند أول كلمة. قال ابن عباس: ﴿لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة﴾ أي: (في) " الحياة "؟! وقال السدي ﴿(فِي) الحافرة﴾: " في الحياة. وقيل: الحافرة - هنا -

صفحة رقم 8030

بمعنى المحفُورة، بمنزلة قوله: ﴿مِن مَّآءٍ دَافِقٍ﴾ [الطارق: ٦] بمعنى: مدفوق. فالمعنى: أنرد في قبورها أمواتاً؟!
قال مجاهد: ﴿الحافرة﴾: الأرض، (أي): أنبعث خلقاً جديداً؟!
وقال ابن زيد: ﴿الحافرة﴾: النار وقال: هي النار، وهي الجحيم، وهي سقر، وهي جهنم، وهي الهاوية، وهي الحافرة، (وهي) لظى، وهي الحطمة.
- وقوله: ﴿أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً﴾.
قال ابن عباس: النخرة: الذاهبة البالية. يقال: نخرة وناخرة، (لغتان) بمعنى.

صفحة رقم 8031

وقد قيل: النخرة [المؤتكلة]، (والناخرة) البالية. وقيل: النخرة: البالية. والناخرة: العظم المجوف تمر فيه الريح فتنخر. قال أبو عبيدة.
- ثم قال تعالى: ﴿قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾.
هذا إخبار من الله لنبيه عن قول المنكرين للبعث أنهم قالوا: تلك/ الرجعة - إن كانت رجعة - خاسرة، (أي): [نخسر] فيها، لأنا وعدنا فيه بالنار.
- ثم قال تعالى: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بالساهرة﴾.
أي: إنما هي صيحة واحدة، وهي النفخة، ينفخ في الصور فإذا هؤلاء المكذبون بالبعث بظهر الأرض أحياء.

صفحة رقم 8032

والعرب تسمي الفلا ة وظهر الأرض " ساهرة "، لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم، فسميت بما يكون فيها.
قال ابن عباس: (﴿بالساهرة﴾ " على الأرض ". وهو قول الحسن وعكر مة.
وقال قتادة): ﴿بالساهرة﴾: بأعلى الأرض، بعدما كانوا في بطنها. وهو قول ابن جبير والضحاك وابن زيد.
وقال سفيان: الساهرة: " أرض بالشام ".
وقال وهب بن منبه: " الساهرة: جبل إلى جنب بيت المقدس ".

صفحة رقم 8033
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية