آيات من القرآن الكريم

يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ
ﮢﮣ ﮥﮦ ﮨﮩ ﮫﮬ ﮮﮯ ﮱﯓﯔ ﯖﯗ ﯙﯚﯛ ﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸ

سورة النّازعات
مكّيّة كلّها بإجماعهم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ١ الى ١٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤)
فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩)
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)
قوله عزّ وجلّ: وَالنَّازِعاتِ فيه سبعة أقوال «١» : أحدها: أنها الملائكة تَنْزِعُ أرْواح الكفَّار، قاله علي، وابن مسعود، وروى عطية عن ابن عباس قال: هي الملائكة تَنْزِع نفوسَ بني آدم، وبه قال مسروق. والثاني: أنه الموت يَنْزِع النفوسَ، قاله مجاهد. والثالث: أنها النفس حين تُنْزَعُ، قاله السدي.
والرابع: أنها النجوم تَنْزِع من أُفُق الى أُفُق تطلع ثم تغيب، قاله الحسن، وقتادة، وأبو عبيدة، والأخفش، وابن كيسان. والخامس: أنها القِسِيّ تَنْزِع بالسَّهم، قاله عطاء وعكرمة. والسادس: أنها الوحوش تنزع وتنفر، حكاه الماوردي. والسابع: أنها الرّماة، حكاه الثّعلبيّ.
وقوله عزّ وجلّ: غَرْقاً اسم أقيم مقام الإغراق. قال ابن قتيبة: والمعنى: والنازعات إغراقاً، كما يغرق النازع في القوس، يعني: أنه يبلغ به غاية المد..
قوله عزّ وجلّ: وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً فيه خمسة أقوال: أحدها: أنها الملائكة. ثم في معنى الكلام قولان: أحدهما: أنها حين تنشط أرواح الكفار حتى تخرجها بالكرب والغمّ، قاله عليّ عليه السلام.
قال مقاتل: ينزع ملك الموت روح الكافر، فإذا بلغت ترقوته غرقها في حلقه، فيعذِّبه في حياته، ثم ينشطها من حلقه- أي: يجذبها- كما ينشط السفّود من الصوف المبتل. والثاني: أنها تنشط. أرواح المؤمنين بسرعة كما ينشط العقال من يد البعير إذا حل عنها، قاله ابن عباس. وقال الفراء: الذي سمعته
(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٥١: قال ابن مسعود: وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً: الملائكة، يعنون حين تنتزع أرواح بنو آدم، فمنهم من تأخذ روحه بعسر فتفرق في نزعها، ومن تأخذ روحه بسهولة وكأنما حلته من نشاط. وهو الصحيح وعليه الأكثرون اه..

صفحة رقم 393

من العرب: كأنما أُنْشِط من عِقَال، بألف. تقول: إذا ربطت الحبل في يد البعير: نشطته، فإذا حللته قلت: أنشطته.
والقول الثاني: أنها أنفس المؤمنين تنشط عند الموت للخروج، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً.
وبيانه أن المؤمن يرى منزله من الجنة قبل الموت فتنشط نفسه لذلك. والثالث: أن الناشطات: الموت ينشط نفس الإنسان، قاله مجاهد. والرابع: النجوم تنشط من أفق إلى أفق، أي: تذهب، قاله قتادة، وأبو عبيدة، والأخفش. ويقال لبقر الوحش: نواشط، لأنها تذهب من موضع إلى موضع. قال أبو عبيدة: والهموم تنشط بصاحبها. قال هميان بن قحافة:

أَمْسَتْ همومي تَنْشِط المنَاشِطَا الشَّامَ بي طَوْراً وطَوْراً وَاسِطَا
والخامس: أنها النفس حين تنشط بالموت، قاله السّدّيّ.
قوله عزّ وجلّ: وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً فيه ستة أقوال:
أحدها: أنها الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين، قاله عليّ عليه السلام. قال ابن السائب: يقبضون أرواح المؤمنين كالذي يسبح في الماء. فأحياناً ينغمس، وأحياناً يرتفع، يسلُّونها سلاً رفيقاً، ثم يَدَعُونها حتى تستريح. والثاني: أنهم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين، كما يقال للفرس الجواد: سابح: إذا أسرع في جريه، قاله مجاهد، وأبو صالح، والفراء. والثالث: أنه الموت يسبح في نفوس بني آدم، روي عن مجاهد أيضاً. والرابع: أنها السفن تسبح في الماء، قاله عطاء. والخامس: أنها النجوم، والشمس، والقمر، كل في فلك يسبحون، قاله قتادة، وأبو عبيدة. والسادس: أنها الخيل، حكاه الماوردي.
قوله عزّ وجلّ: فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فيه خمسة أقوال: أحدها: أنها الملائكة. ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء، قاله عليّ عليه السلام ومسروق. والثاني:
أنها تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة، قاله مجاهد، وأبو روق. والثالث: سبقت بني آدم الى إلإيمان، قاله الحسن.
والقول الثاني: أنها أنفس المؤمنين تسبق الملائكة شوقاً إلى لقاء الله، فيقبضونها وقد عاينت السرور، قاله ابن مسعود. والثالث: أنه الموت يسبق إلى النفوس، روي عن مجاهد أيضاً. والرابع:
أنها الخيل، قاله عطاء. والخامس: أنها النجوم يسبق بعضه بعضا في السّير، قاله قتادة.
قوله عزّ وجلّ: فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً قال ابن عباس: هي الملائكة. قال عطاء: وُكِّلتْ بأمور عَرَّفهم الله العمل بها. وقال عبد الرحمن بن سابط: يُدَبِّر أمر الدنيا أربعة: جبريل، وهو موكل بالرِّياح والجنود. وميكائيل، وهو موكل بالقطر والنبات. وملك الموت، وهو موكل بقبض الأنفس.
وإسرافيل، وهو يَنزل بالأمر عليهم. وقيل: بل جبريل للوحي، وإسرافيل للصور. وقال ابن قتيبة:
فالمدبِّرات أمراً: تنزل بالحلال والحرام. فإن قيل: أين جواب هذه الأقسام ففيه جوابان: أحدهما: أنّ الجواب قوله عزّ وجلّ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى، قاله مقاتل. والثاني: أن الجواب مضمر، تقديره:
لَتُبْعَثُنَّ، ولتحاسبنّ، ويدلّ على هذا قوله عزّ وجلّ أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً قاله الفرّاء.
قوله عزّ وجلّ: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ، وهي النفخة الأولى التي تموت منها جميع الخلائق.

صفحة رقم 394

و «الراجفة» صيحة عظيمة فيها تردُّدٌ واضطراب كالرعد إذا تمحض. و «ترجف» بمعنى: تتحرَّك حركة شديدةً تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ وهي: النفخة الثانية ردفت الأولى، أي: جاءت بعدها وكل شيء جاء بعد شيءٍ فهو يردفه قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ أي: شديدة الاضطراب لما عاينت من أهوال يوم القيامة أيضا أَبْصارُها خاشِعَةٌ أي: ذليلةٌ لمعاينة النار. قال عطاء: وهذه أبصار من لم يمت على الإسلام. ويدل على هذا أنه ذَكَرَ منكري البعث، فقال عزّ وجلّ: يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ قرأ ابن عامر وأهل الكوفة «أإنا» بهمزتين مخففتين على الاستفهام، وقرأ الباقون بتخفيف الأولى وتليين الثانية، وفصل بينهما بألف وأبو عمرو. فِي الْحافِرَةِ وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال: أحدها: إن الحافرة: الحياة بعد الموت. والمعنى:
أنرجع أحياءً بعد موتنا؟! وهذا قول ابن عباس، وعطية، والسدي. قال الفراء: يعنون: أَنُرَدُّ إلى أمرنا الأول إلى الحياة؟! والعرب تقول: أتيت فلاناً، ثم رجعت على حافرتي، أي: رجعت من حيث جئت.
قال أبو عبيدة: يقال: رجع فلان في حافرته، وعلى حافرته: إذا رجع من حيث جاء، وهذا قول الزجاج. والثاني: أنها الأرض التي تحفر فيها قبورهم، فَسُمِّيت حافرةً، والمعنى: محفورة، كما يقال:
ماءٍ دافِقٍ «١» وعِيشَةٍ راضِيَةٍ «٢» وهذا قول مجاهد والخليل. فيكون المعنى: أإنّا لمردودون إلى الأرض خلقاً جديداً؟! قال ابن قتيبة: «في الحافرة» أي: إلى أول أمرنا. ومن فسّرها بالأرض، فإلى هذا يذهب، لأنّا منها بدأنا. قال الشاعر:

أحافرة على صلع وشيب معاذ الله من سفه وعار
كأنه قال: أأرجع إلى ما كنت عليه في شبابي من الغزل والصّبا «بعد ما شبت وصلعت».
والثالث: أنّ الحافرة: النار، قاله ابن زيد.
قوله عزّ وجلّ: أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم «ناخرة» قال الفرّاء: وهما بمعنى واحد في اللغة. مثل طمع، وطامع وحذر، وحاذر. وقال الأخفش: هما لغتان.
وقال الزّجّاج: يقال: نخر العظم ينخر، فهو نخر. مثل عفن الشيء يعفن، فهو عفن. وناخرة على معنى: عظاما فارغة، يجيء فيها من هبوب الرياح كالنّخير. قال المفسّرون: والمراد أنهم أنكروا البعث، وقالوا: نردّ أحياء إذا متنا وبليت عظامنا؟! تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ أي: إن رددنا بعد الموت لنخسرنّ بما يصيبنا ممّا يعدنا به محمّد، فأعلمهم الله بسهولة البعث عليه، فقال عزّ وجلّ: فَإِنَّما هِيَ يعني النّفخة الأخيرة زَجْرَةٌ واحِدَةٌ أي: صيحة في الصّور يسمعونها من إسرافيل وهم في بطون الأرض فيخرجون فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ وفيها أربعة أقوال «٣» : أحدها: أنّ السّاهرة: وجه الأرض، قاله ابن عباس:
ومجاهد، وعكرمة والضّحّاك، واللغويون. قال الفرّاء: كأنها سمّيت بهذا الاسم، لأنّ فيها نوم الحيوان وسهرهم. والثاني: أنه جبل عند بيت المقدس، قاله وهب بن منبّه. والثالث: أنها جهنّم، قاله قتادة.
والرابع: أنها أرض الشام، قاله سفيان.
(١) الطارق: ٦.
(٢) الحاقة: ٢١.
(٣) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٥٢: وهذه الأقوال كلها غريبة، والصحيح أنها الأرض وجهها الأعلى.

صفحة رقم 395
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية