- قوله تعالى: -ayah text-primary">﴿لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً﴾ إلى قوله: -ayah text-primary">﴿عَطَآءً حِسَاباً﴾.
أي: أنزلنا الماء لنخرج به من الأرض لكم حباً، يعني القمح والشعير وسائر القطنية، ﴿وَنَبَاتاً﴾ يعني ما ترعى البهائم.
- ﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً﴾.
أي: وثمر جنات ملتفة مجتمعة قال ابن عباس: " التف بعضها ببعض ". وهو قول مجاهد وقتادة وغيرهما. وقال الأخفش وأبو عبيدة: واحد الألفاف لِفٌّ. وقيل: لَفِيفٌ وحكى الكسائي أنه جمع الجمع، وواحده " لَفَّاءُ " كحمراء،
ثم جمعت لَفَّاءُ على (لِفّ [كحمر] ثم جمعت " لِفٌّ " على) ألفاف، [كخف] وأخفاف.
قال ابن مسعود: يرسل الله جل وعز الرياح فتأخذ الماء من السماء فتجريه في السحاب [فتذريه] كما تذر اللقحة.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ مِيقَاتاً﴾.
أي: يوم يفصل الله فيه بين خلقه كان ميقاتاً لما أعد الله للمكذبين بالبعث ولنظرائهم من الخلق.
قال قتادة: هو يوم عظمه الله يفصل فيه بين الأولين والآخرين.
- ثم أبدل من -ayah text-primary">﴿يَوْمَ﴾ للبيان فقال:
- ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً﴾.
أي: يوم الفصل بين الخلق يوم ينفخ إسرافيل في الصور فتأتون من قبوركم إلى المحشر ﴿أَفْوَاجاً﴾ [أي]: زُمَراً زُمَراً.
روي أن كل أمة تأتي مع رسولها [يوم القيامة]، وهو قوله: ﴿يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١].
- ثم قال تعالى: ﴿وَفُتِحَتِ السمآء فَكَانَتْ أَبْوَاباً﴾.
[أي]: وشققت السماء وصدعت (فكانت) طرقاً.
وقيل: تصير قطعاً كقطع الخشب المشققة لأبواب الدور والمساكن.
والمعنى: وفتحت السماء فكانت قطعاً كالأبواب، (فلما سقطت الكاف صارت الأبواب) خبرا.
وكذلك قوله: ﴿وَسُيِّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَاباً﴾.
أي: صارت لا شيء، كما أن السراب لا شيء، وذلك أنها تنسف فَتُجْتَثُّ من أصولهها فتصير هباء منبثاً لعين الناظر كالسراب الذي يظنه (الناظر) ماء وهو في الحقيقة ليس بماء إنما هو هباء.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً﴾.
أي: إن جهنم كانت ذات ارتقاب ترتقب من يجتاز بها وترصدهم، ولم يقل " مرصادة "، لأنه غير جار على الفعل. فالمعنى ترصد من عصى الله. وفي " مرصاد " معنى التكثير. ولذلك لم يقل: " راصدة "، ففي وصفها لما لم يجر على الفعل معنى التكثير، ولو قال [راصدة] لثبتت الهاء، لأنه جار على الفعل، ولم يكن فيه (معن) تكثير، ففي " مرصاد " معنى النسب (كأنه قال: " ذات إرصاد "، وكل ما حمل على معنى النسب) من الأخبار والصفات ففيه معنى التكثير واللزوم، فالمعنى أنها
مركاد لمن كان يكذب بها في الدنيا.
وكان الحسن يقول - إذا قرأ هذه الآية -: أَلاَ إن على النار المَرْصَد، فمن جاء بجواز جاز ومن لم يجئ احتبس.
وروي عنه أنه قال: لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز على النار.
وقال قتادة: [تعلمن] أنه لا سبيل إلى الجنة حتى تقطع النار.
وقال سفيان: على جهنم ثلاث قناطير.
- ثم قال تعالى: ﴿لِّلطَّاغِينَ مَآباً﴾.
أي: هي لمن طغى في الدنيا فتعدى حدود الله [مرجع] يرجعون إليها ويصبرون إليها.
- ثم قال تعالى: -ayah text-primary">﴿لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً﴾.
قال قتادة: لا بثين في جهنم أحقاباً (لا انقطاع لها.
وقيل: معناه: ﴿لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً) * لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً﴾، ثم بعد ذلك يعذبون بغير هذ العذاب مما شاء الله، كما قال: ﴿وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٨].
وقيل: الضمير في ﴿فِيهَا﴾ يعود على الأرض، لأنه قد تقدم ذكرها، والضمير في ﴿يَذُوقُونَ فِيهَا﴾ لجهنم لتقدم ذكرها.
فعلى [القول] الأول، يكون ﴿لاَّ يَذُوقُونَ﴾ حالاً من ﴿لِّلطَّاغِينَ﴾ أو ل ﴿جَهَنَّمَ﴾ / أو نعتاً للأحقاب.
وعلى هذا القول الآخر، يكون ﴿لاَّ يَذُوقُونَ﴾ حالاً من ﴿جَهَنَّمَ﴾ أو من الطاغين.
وروى أبو أمامة أن النبي ﷺ قال: " الحقب الواحد ثلاثون ألف سنة ".
وهو جمع الجمع، واحده: حقبة، جمعت على حقب، وجمعت حقب على أحقاب.
ويجوز أن يكون أحقاب جمع حُقْب والحُقْبُ ثلاثمائة سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً، كل يوم ألف سنة من سنين الدنيا. قاله [بشير] بن كعب.
وقال علي بن أبي طالب: الحقب: ثمانون سنة، كل سنة اثنا عشر شهراً، كل شهر ثلاثون يوماً، كل يوم ألف سنة من سنين الدنيا، وهو قول ابن جبير، وقاله الربيع بن أنس.
[وقال] أبو هريرة: الحقب ستون سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً، كل يوم ألف سنة من سنين الدنيا.
وقال قتادة: " الحقب ثمانون سنة من سنيّ الآخرة ". وقال: هي أحقاب لا انقطاع لها، كلما مضى حقب جاء حقب بعده.
وقال الحسن: أما الأحقاب، فليس لها عدة إلا الخلود في النار، ولكن ذكر أن الحقب سبعون سنة، كل يوم منها كألف سنة مما نعده.
قال خالد بن مَعَدَّان: هي في أهل التوحيد من أهل القبلة مثل قوله ﴿إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١٠٨]، وهذا التأويل يرده قوله بعد ذلك.
﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً﴾.
وليس هذه صفة الموحدين.
وقد روي عن مقاتل أنه قال: إنها منسوخة، نسختها قوله: ﴿فَلَن نَّزِيدَكُمْ (إِلاَّ) عَذَاباً﴾.
وهذا لا يكون فيه نسخ، لأنه خبر من الأخبار لا تنسخ.
والحقب عند أهل اللغة مبهم كالحين والزمان. البرد: النوم.
وقيل: [الهدوء]. وقيل: برد [الشراب] المستلذ. قال ابن عباس: هو برد الشراب وقيل: البرد: الراحة.
- ثم قال: ﴿إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً﴾.
قال الربيع: " استثنى من الشراب الحميم، ومن البرد الغساق ".
[والحميم الذي قد انتهى [حره] كالمهل [يشوي] الوجوه.
وقال ابن زيد: الحميم: دموع أعينهم، يجمع في حياض ثم يسقونه. والغساق]: الصديد الذي يخرج من جلودهم مما تصهرهم النار، يجمع في حياض النار فيُسْقَوْنَهُ.
وأصل الحميم الماء الحار، ومنه اشتق الحًَمَّامُ، ومنه الحُمَّى، ومنه [اليَحْمُومُ].
قال قتادة: الغساق ما يسيل [من] جلده ولحمه.
وقال سفيان: هو ما يسيل من دموعهم.
وقال النخعي: هو " ما يسيل من صديدهم من البرد ".
وعن ابن عباس أن الغساق: " الزمهرير ".
وقال مجاهد: " الغساق: الذ لا يستطيعون أن يذوقوه (من برده).
وقال عبد الله بن [بريدة]: " هو المُنْتِنُ ".
وروى الخدري عن النبي ﷺ أنه قال: " لَوْ أَنَّ دَلْواً مِن غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ فِي
الدُّنْيَا لأَنْتَنَ أَهْلُ الدُّنْيَا ".
وقال عبد الله بن [عمرو]: " أتدرون أي شيء الغساق؟ قالوا: الله أعلم، قال: هو القيح الغليظ، لو أن قطرة منه تهراق بالمغرب لأنتنت أهل [المشرق]. ولو تهرق [بالمشرق] لأنتنت أهل المغرب.
- وقوله: ﴿جَزَآءً وِفَاقاً﴾.
أي: هذا العذاب الذي وصف جزاء للكفار على أفعالهم في الدنيا وافق أعمالهم وفاقاً، قاله ابن عباس. قال قتادة: " وافق الجزاء أعمال القوم... ". وقال
الربيع: " ثواباً وافق أعمالهم ". قال ابن زيد: " عملو شراً فجوزوا شراً، [وعملوا] حسناً فجوزوا حسناً ".
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً﴾.
أي: لا يخافون محاسبة الله (لهم على أعمالهم في الآخرة.
قال قتادة: كانوا في الدنيا لا يخافون محاسبة).
وقال ابن زيد: كانوا لا يؤمنون بالبعث ولا بالحساب فكيف يخافون الحساب وهم لا يوقنون بالبعث بعد الموت؟!
- ثم قال تعالى: ﴿وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً﴾.
أي: حجوا بها جحوداً.
- ثم قال تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً﴾.
أي: وأحصينا كل شيء من أعمالهم وغير ذلك فكتبناه كتاباً، [ف ﴿كِتَاباً﴾] مصدر عمل فيه فعل مضمر.
وقيل: العامل فيه (احصينا) [لأنه] يعني: كتبنا.
- ثم قال تعالى: ﴿فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً﴾.
أي: ثقال لهم - إذا شربوا الحميم والغساق - ذوقوا العذاب الذي كنتم به تكذبون في الدنيا، فلن نزيدكم على العذاب الذي أنتم فيه إلا عذاباً زائداً.
قال عبد الله بن عمرو: لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه، فهم في مزيد أبداً.
وقد روي مثل ذلك علن النبي ﷺ.
وروي أنه لا يأتي على أهل الجنة ساعة إلا ويزدادون صنفاً من النعيم لم
يكونوا يعرفونه، ولا يأتي على أهل لنار ساعة إلا وهم مستنكرون لشيء من العذاب لم يكونوا يعرفونه.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً﴾.
أي: منجى من النار إلى الجنة ينجون به، وهي حدائق وأعناب.
وقال ابن عباس: ﴿مَفَازاً﴾، " متنزهاً ". وقيل: المفاز: الظفر بما يحبه الإنسان. يقال: فاز فلان بكذا إذا ظفر به.
والحدائق: جمع حديقة، وهي البستان من النخيل والأعناب والأشجار التي قد حوط عليها الحيطان فأحدقت (بها)، فَلإِحْدَاقِ الحيطان بها سميت حديقة،
ولو لم/ تكن الحيطان بها محدقة لم تسم حديقة.
قال ابن عباس: الحدائق: [الشجر] الملتف. وقال الضحاك: الحدائق التي عليها الحيطان.
- وقوله: ﴿وَأَعْنَاباً﴾.
معناه: وكروم وأعناب، ثم حذف.
- وقوله: ﴿وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً﴾.
(أي): وحورا نواهد في سن واحدة. قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما.
- ثم قال: -ayah text-primary">﴿وَكَأْساً دِهَاقاً﴾.
مَلأَى من الخمر مترعة، وأصله من الدهق، وهو متابعة الضغط على الشيء بشدة وعنف. قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد: الدهاق: الملأى. وهو قول ابن زيد. وقال عكرمة: الدهاق: الصافية. وقال ابن جبير: هي " المتابعة ". وقد روي مثل ذلك أيضاً عن ابن عباس ومجاهد.
- ثم قال: -ayah text-primary">﴿لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً﴾.
أي: باطلاً [من القول]. ﴿وَلاَ كِذَّاباً﴾، أي: ولا يكذب بعضهم بعضاً.
وقال قتادة: ﴿وَلاَ كِذَّاباً﴾، أي: مأثماً. و ﴿لَغْواً﴾: باطلاً.
- ثم قال تعالى: ﴿جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً﴾.
أي: هذا لهم جزاء لأعمالهم في الدنيا، أعطاهمه الله ذلك عطاءً كافياً.
يقال: أحسبني الشيء، أي: كفاني. وقيل: ﴿حِسَاباً﴾ بمعنى: محاسبة لهم بأعمالهم لله في الدنيا، يعطون على قدر أعمالهم.