آيات من القرآن الكريم

وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا
ﭑﭒ ﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞ ﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪ ﭬﭭ ﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة النّبإ
وهي مكية بإجماع، وليس فيها نسخ ولا حكم إلا ما قاله بعض الناس في قوله تعالى: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً [النبأ: ٢٣] من أنه منسوخ وهو قول خلف لأن الأخبار لا تنسخ وإنما ذكرنا هذا القول تنبيها على فساده.
قوله عز وجل:
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ١ الى ١٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤)
ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٥) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (١٤)
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦)
أصل عَمَّ «عن ما»، ثم أدغمت النون بعد قلبها فبقي «عما» في الخبر والاستفهام، ثم حذفوا الألف في الاستفهام فرقا بينه وبين الخبر، ثم من العرب من يخفف الميم تخفيفا فيقول: «عم»، وهذا الاستفهام ب عَمَّ هو استفهام توقيف وتعجب منهم، وقرأ أبيّ بن كعب وابن مسعود وعكرمة وعيسى: «عما» بالألف، وقرأ الضحاك: «عمه» بهاء، وهذا إنما يكون عند الوقف. والنَّبَإِ الْعَظِيمِ قال ابن عباس وقتادة هو الشرع الذي جاء به محمد، وقال مجاهد وقتادة: هو القرآن خاصة، وقال قتادة أيضا: هو البعث من القبور، ويحتمل الضمير في يَتَساءَلُونَ أن يريد جميع العالم فيكون الاختلاف حينئذ يراد به تصديق المؤمنين وتكذيب الكافرين ونزغات الملحدين. ويحتمل أن يراد بالضمير الكفار من قريش، فيكون الاختلاف شك بعض وتكذيب بعض. وقولهم سحر وكهانة وشعر وجنون وغير ذلك. وقال أكثر النحاة قوله: عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ، متعلق ب يَتَساءَلُونَ الظاهر كأنه قال: لم يتساءلون عن هذا النبأ، وقال الزجاج: الكلام تام في قوله: عَمَّ يَتَساءَلُونَ ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيب فيقول: يتساءلون عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ، فاقتضى إيجاز القرآن وبلاغته أن يبادر المحتج بالجواب الذي تقتضيه الحال والمجاورة اقتضابا للحجة وإسراعا إلى موضع قطعهم، وهذا نحو قوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ [الأنعام: ١٩] وأمثلة كثيرة، وقد وقع التنبيه عليها في مواضعها. وقرأ السبعة والحسن وأبو جعفر وشيبة والأعمش: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ بالياء في الموضعين على ذكر الغائب، فظاهر الكلام أنه رد على

صفحة رقم 423

الكفار في تكذيبهم وعيد لهم في المستقبل وكرر الزجر تأكيدا، وقال الضحاك المعنى: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ يعني الكفار على جهة الوعيد، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ: يعني المؤمنين على جهة الوعد. وقرأ ابن عامر فيما روى عنه مالك بن دينار والحسن بخلاف: «كلا ستعلمون» بالتاء في الموضعين على مخاطبة الحاضر كأنه تعالى يقول: قل لهم يا محمد وكرر عليهم الزجر والوعيد تأكيدا وكل تأويل في هذه القراءة غير هذا فمتعسف وقرأ... «كلا سيعلمون» بالياء على جهة الرد والوعيد للكفار، «ثم كلا ستعلمون» بالتاء من فوق على جهة الرد على الكفار والوعد والمؤمنين. والعلم في هذه الآية بمعنى ستعرفون، فلذلك لم يتعد، ثم وقفهم تعالى على آياته وغرائب مخلوقاته وقدرته التي يوجب النظر فيها الإقرار بالبعث والإيمان بالله تعالى.
و «المهاد» : الفراش الممهد الوطيء وكذلك الأرض لبنيتها، وقرأ مجاهد وعيسى وبعض الكوفيين «مهدا»، والمعنى نحو الأول، وشبه الْجِبالَ ب «الأوتاد» لأنها تمسك وتثقل وتمنع الأرض أن تميد، وأَزْواجاً معناه أنواعا في ألوانكم وصوركم وألسنتكم، وقال الزجاج وغيره معناه مزدوجين ذكرا وأنثى، و «السبات» :
السكون، وسبت الرجل معناه استراح واتدع وترك الشغل، ومنه السبات وهي علة معروفة سميت بذلك لأن السكون والسكوت أفرط على الإنسان حتى صار ضارا قاتلا، والنوم شبيه به إلا في الضرر، وقال أبو عبيدة: سُباتاً قطعا للأعمال والتصرف، والسبت: القطع ومنه سبت الرجل رأسه إذا قطع شعره، ومنه النعال السبتية وهي التي قطع عنها الشعر، ولِباساً مصدر، وكان الميل كذلك من حيث يغشي الأشخاص، فهي تلبسه وتتدرعه، وقال بعض المتأولين: جعله لِباساً لأنه يطمس نور الأبصار، ويلبس عليها الأشياء والتصريف يضعف هذا القول، لأنه كان يجب أن يكون ملبسا، ولا يقال لِباساً إلا من لبس الثياب والنَّهارَ مَعاشاً على حذف مضاف أو على النسب، وهذا كما تقول ليل نائم، و «السبع الشداد» : السموات. والأفصح في لفظة السماء التأنيث ووصفها بالشدة، لأنه لا يسرع إليها فساد لوثاقتها، و «السراج» : الشمس، و «الوهاج» : الحار المضطرم الاتقاد المتعالي اللهب، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن الشمس في السماء الرابعة إلينا طهرها ولهبها مضطرم علوا. واختلف الناس في الْمُعْصِراتِ، فقال الحسن بن أبي الحسن وأبيّ بن كعب وابن جبير وزيد بن أسلم ومقاتل وقتادة: هي السموات. وقال ابن عباس وأبو العالية والربيع والضحاك: الْمُعْصِراتِ السحاب القاطرة، وهو مأخوذ من العصر، لأن السحاب ينعصر فيخرج منه الماء وهذا قول الجمهور وبه فسر عبيد الله بن الحسن بن محمد العنبري القاضي بيت حسان: [الكامل] كلتاهما حلب العصير وقال بعض من سميت هي السحاب التي فيها الماء تمطر كالمرأة المعصر وهي التي دنا حيضها ولم تحض بعد، وقال ابن الكيسان: قيل للسحاب معصرات من حيث تغيث فهي من المعصرة ومنه قوله تعالى: وَفِيهِ يَعْصِرُونَ [يوسف: ٤٩]. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: الْمُعْصِراتِ الرياح، لأنها تعصر السحاب، وقرأ ابن الزبير وابن عباس والفضل بن عباس وقتادة وعكرمة: «وأنزلنا بالمعصرات»، فهذا يقوي أنه أراد الرياح، و «الثجاج» : السريع الاندفاع كما يندفع الدم عن عروق الذبيحة، ومنه قول النبي ﷺ وقد قيل له: ما أفضل الحج؟ قال: «العج والثج» أراد التضرع إلى الله بالدعاء الجهير

صفحة رقم 424
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية