
قال مقاتل: تلقي بالروح (١).
وقال قتادة: تلقي بالقرآن (٢).
وقال الكلبي: تلقي الذكر إلى الأنبياء (٣).
وبعض المفسرين يخص الآية بجبريل (٤)، وعلى هذا يجوز أن يسمى باسم الجماعة. وذكرنا ذلك في قوله: ﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾ (٥) [الصافات: ٣].
٦ - قوله تعالى: ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا﴾ قال قتادة: عذرًا من الله، ونذرًا منه
وحكي عن جمهور المفسرين في "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٧، "زاد المسير" ٨/ ١٥٤، "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ١٥٤، "البحر المحيط" ٨/ ٤٠٤.
وهناك قولان آخران مخالفان لما ذكر الجمهور:
أحدهما: المراد: الرسل يلقون إلى أممهم مما أنزل إليهم. قاله قطرب.
والآخر: أنها النفوس تلقي في الأجساد ما تريد من الأعمال.
انظر: "النكت والعيون" ٦/ ١٧٧، "البحر المحيط" ٨/ ٤٠٤.
قلت: ما ذكر من القولين المخالفين للجمهور لم يعتد بهما الإمام الواحدي، ولم ينظر إليهما، واعتبر قول الجمهور والغالبية هو قول بالإجماع، وهذا ما قررناه سالفاً، والله أعلم.
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٤٠، "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣٢.
(٣) "النكت والعيون" ٦/ ١٧٧ بمعناه.
(٤) منهم مقاتل في رواية له. انظر: "تفسير مقاتل" ٢٢٣/ أ، "المحرر الوجيز" ٥/ ٤١٧.
(٥) ومما جاء في سبب تسمية جبريل عليه السلام بالجمع: قال الواحدي: "وذكر بلفظ الجمع إشارة إلى أنه كبير الملائكة، وهو لا يخلو من أعوان وجنود له من الملائكة يعرجون بعروجه، وينزلون بنزوله".

إلى خلقه (١)، ونحو هذا قالت الجماعة (٢).
وفيهما القراءتان: التثقيل، والتخفيف (٣).
قال الفراء: وهو مصدر مثقلاً كان أو مخففًا، والمعنى: إعذارًا، وإنذارًا (٤).
واختار أبو عبيد التخفيف، وقال: لأنهما في موضع المصدرين إنما هما: الإعذار، والإنذار، وليسا بجمع فيثقلا (٥).
وقال أبو إسحاق: معناهما: المصدر -والتثقيل (٦)، والتخفيف (٧) بمعنى واحد-، ونصبه على ضربين:
أحدهما: مفعول على البدل من قوله: ﴿ذِكْرًا﴾ [المرسلات: ٥].
والثاني: على المفعول له، فيكون "الملقيات ذكراً" للإعذار
(٢) منهم الفراء: "معاني القرآن" ٣/ ٢٢٢، والطبري "جامع البيان" ٢٩/ ٢٣٢، والسمرقندي "بحر العلوم" ٣/ ٤٣٤، والماوردي "النكت والعيون" ٦/ ١٧٧.
(٣) قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر، وأبو جعفر، ويعقوب "عُذْراً" خفيفة، "أو نُذُراً" مثقلة.
وقرأ: أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف: "عُذْراً أو نُذْراً" بالتخفيف جميعاً.
انظر: "كتاب السبعة" (٦٦٦)، "القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٣٧، "الحجة" ٦/ ٣٦٢، "الكشف" ٢/ ٣٥٧، "المبسوط" (٣٩١)، "البدور الزاهرة" (٣٣٢).
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٢٢ بتصرف.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) أي: "عُذُراً أو نُذُراً".
(٧) أي: "عُذْراً أو نُذراً".

والإنذار (١).
وقال (أبو الحسن) (٢) الأخفش: "عذراً أو نذراً" أي إعذاراً أو إنذاراً، وقد خففتا (٣) جميعاً، وهما لغتان (٤).
قال أبو علي الفارسي: العذر، والعذير (٥)، والنذر، والنذير، مثل: النكر والنكير، وهما جميعاً مصدران، ويجوز التخفيف فيهما على حد التخفيف (٦) في العُنق، والأُذُن -قال-: ويجوز في قولهم من [ضَمَّ] (٧) أن يكون "عُذُراً" جمع عاذر، كشارف وشُرُف، وكذلك "النُّذُر" يجوز أن يكون جمع نذير، كقوله تعالى: ﴿هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى﴾ [النجم: ٥٦]، ويكون "عذراً أو نذراً" على هذا القول حالاً من الإلقاء، كأنهم يُلْقُون الذكر في حال العذر، والنذر.
وذكر أيضًا وجهاً آخر في انتصاب "عذراً أو نذراً" وهو أن يكون مفعول الذكر كأنه قيل: فالملقيات أن يذكر عُذْراً أو نُذْراً (٨)، وهو غير ما ذكر أبو إسحاق، فقد حصل أربعة أقوال: وجهان لأبي إسحاق، ووجهان لأبي علي، واختار المبرد أن يكون انتصابه على الحال؛ لأنه قال: هما
(٢) ساقط من: (أ).
(٣) في (أ): خففتا.
(٤) نقلاً عن "الحجة" ٦/ ٣٦٣.
(٥) بياض في (ع).
(٦) بياض في (ع).
(٧) في كلا النسختين: يقل، ولا تستقيم العبارة بها، والصواب ما أثبته من مصدره، وهو "الحجة" ٦/ ٣٦٣.
(٨) "الحجة" ٦/ ٣٦٢ - ٣٦٣ باختصار.

جمعان، الواحد: عذيراً ونذيراً (١)، (وأنشد (٢) [لحاتم الطائي] (٣):
أماويَّ قَدْ طالَ التَّجَنُّبُ والهَجْرُ | وقدْ عَذَرَتْني في طِلابكُمُ العُذْرُ (٤) |
ومن أول السورة إلى هاهنا أقسام ذكرها الله تعالى على قوله: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ﴾ وهذا جواب القسم.
قال مقاتل: إنما توعدون من أمر الساعة لكائن (٦).
وقال الكلبي: إنما توعدون من الخير والشر لواقع بكم (٧).
ثم ذكر متى يقع فقال: ﴿فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ﴾ قال ابن عباس: يريد ذهاب ضوئها (٨).
وقال مقاتل: حولت من الضوء إلى السواد (٩). وقال المبرد: أي مُحي ضوؤها (١٠).
(٢) أي: أبو علي الفارسي.
(٣) بياض في (أ)، وعند أبي علي في "الحجة" لحاتم فأثبته، وهو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي القحطاني. انظر: ديوانه: ٦.
(٤) ديوان حاتم الطائي: ٤٢ برواية: "من" بدلاً من: "في".
(٥) ما بين القوسين نقلاً عن "الحجة" ٦/ ٣٦٣.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢٢٣/ أ.
(٧) "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٦٩ بنحوه.
(٨) أعثر على مصدر لقوله.
(٩) "تفسير مقاتل" ٢٢٣/ أ.
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله.