
وقال أبو حمزة الثمالي: الأسير هنا المرأة، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم»، وقوله تعالى: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ المعنى يقولون لهم عند الإطعام، وهذا إما أن يكون المطعم يقول ذلك نصا فحكي ذلك. وإما أن يكون ذلك مما يقال في الأنفس وبالنية فمدح بذلك، هذا هو تأويل ابن مجاهد وابن جبير، وقرأ أبو عمرو في رواية عباس بجزم الميم من «نطعمكم»، قال أبو علي أسكن تخفيفا، و «الشكور» : مصدر الشكر، ووصف اليوم بعبوس هو على التجوز، كما تقول ليل نائم أي فيه نوم، و «القمطرير» والقماطر: هو في معنى العبوس والارتداد، تقول اقمطر الرجل إذا جمع ما بين عينيه غضبا، ومنه قول الشاعر [القرطبي] :[الطويل]
بني عمنا هل تذكرون بلاءنا | عليكم إذا ما كان يوم قماطر |
ففروا إذا ما الحرب ثار غبارها | ولج بها اليوم العبوس القماطر |
ومُتَّكِئِينَ حال من الضمير المنصوب في جَزاهُمْ وهو الهاء والميم، وقرأ أبو جعفر وشيبة «متكيين» بغير همز، و «الأرائك» السرر المستورة بالحجال، هذا شرط لبعض اللغويين، وقال بعض اللغويين: كل ما يتوسد ويفترش مما له حشو فهو أريكة وإن لم يكن في حجلة، وقوله تعالى: لا يَرَوْنَ فِيها الآية عبارة عن اعتدال مس هوائها وذهاب ضرري الحر والقر عنها، وكون هوائها سجسجا كما في الحديث المأثور ومس الشمس وهو أشد الحر، و «الزمهرير» : هو أشد البرد، وقال ثعلب: «الزمهرير» بلغة طيّىء القمر.
قوله عز وجل:
[سورة الإنسان (٧٦) : الآيات ١٤ الى ٢٠]
وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠)
اختلف النحويون في إعراب قوله تعالى: وَدانِيَةً، فقال الزجاج وغيره: هو حال عطفا على مُتَّكِئِينَ [الإنسان: ١٣]، وقال أيضا: ويجوز أن يكون صفة للجنة، فالمعنى وجزاهم جنة دانية. وقرأ جمهور الناس «دانية». وقرأ الأعمش «ودانيا عليهم». وقرأ أبو جعفر «ودانية» بالرفع. وقرأ أبيّ بن كعب صفحة رقم 411

«ودان» مفرد مرفوع في الإعراب، ودنو الظلال بتوسط أنعم لها، لأن الشيء المظل إذا بعد فترة ظله لا سيما من الأشجار والتذليل أن تطيب الثمرة فتتدلى وتنعكس نحو الأرض، و «التذليل» في الجنة هو بحسب إرادة ساكنيها. قال قتادة ومجاهد وسفيان: إن كان الإنسان قائما تناول الثمر دون كلفة وإن كان قاعدا فكذلك.
وإن كان مضطجعا فكذلك. فهذا تذليلها لا يرد اليد عنها بعد ولا شوك. ومن اللفظة قول امرئ القيس:
[الطويل] كأنبوب السقي المذلل ومنه قول الأنصاري: والنخل قد ذللت فهي مطوقة بثمرها. و «القطوف» : جمع قطف وهو العنقود من النخل والعنب ونحوه. و «آنية» جمع إناء. و «الكوب» ما لا عروة له ولا أذن من الأواني. وهي معروفة الشكل في تلك البلاد. وهو الذي تقول له العامة القب، لكنها تسمي بذلك ما له عروة. وذلك خطأ أيضا. وقال قتادة: الكوب القدح. والقوارير: الزجاج. واختلف القراء فقرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم «قواريرا قواريرا» بالإجراء فيهما على ما قد تقدم في قوله «سلاسلا»، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «قوارير قوارير» بترك الإجراء فيهما. وقرأ ابن كثير «قواريرا» بالإجراء في الأول، «قوارير» بترك الإجراء في الثاني، وقرأ أبو عمرو «قواريرا» ووقف بألف دون تنوين «قوارير» بترك الإجراء في الثاني. وقوله تعالى: مِنْ فِضَّةٍ يقتضي أنها من زجاج ومن فضة وذلك متمكن لكونه من زجاج في شفوفه ومِنْ فِضَّةٍ في جوهره، وكذلك فضة الجنة شفافة. وقال أبو علي جعلها مِنْ فِضَّةٍ لصفائها وملازمتها لتلك الصفة وليست من فضة في حقيقة أمرها. وإنما هذا كما قال الشاعر [البعيث] :[الطويل]
ألا أصبحت أسماء جاذمة الوصل | وضنت عليها والضنين من البخل |
طيب حار، وقال الشاعر [الأعشى] :[الرجز]
كأن جنيا من الزنجبيل | بات بفيها وأريا مشورا |
وكأن طعم الزنجبيل به | إذ ذقته وسلافة الخمر |