آيات من القرآن الكريم

وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ

ولا أن تشكرونا لدى الناس: قال مجاهد وسعيد بن جبير: أما والله ما قالوه بألسنتهم ولكن علم الله به من قلوبهم فأثنى عليهم به، ليرغب فى ذلك راغب (٢) خوف يوم القيامة، وإلى ذلك أشار بقوله:
(إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) أي إنا نفعل ذلك ليرحمنا ربنا ويتلقانا بلطفه فى ذلك اليوم العبوس القمطرير.
وبعد أن حكى عنهم أنهم أتوا بالطاعة لغرضين: طلب رضا الله، والخوف من يوم القيامة- بيّن أنه أعطاهم الغرضين فأشار إلى الثاني بقوله:
(فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) أي فدفع الله عنهم ما كانوا فى الدنيا يحذرون من شر ذلك اليوم العبوس بما كانوا يعملون مما يرضى ربهم عنهم.
وأشار إلى الأول بقوله:
(وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) أي وأعطاهم نضرة فى وجوههم وسرورا فى قلوبهم ونحو الآية قوله: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ. ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ».
وقد جرت العادة أن القلب إذا سرّ استنار الوجه،
قال كعب بن مالك: وكان رسول الله ﷺ إذا سر استنار وجهه كأنه فلقة قمر، وقالت عائشة رضى الله عنها: دخل علىّ رسول الله ﷺ مسرورا تبرق أسارير وجهه- الحديث.
(وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) أي وجزاهم بصبرهم على الإيثار وما يؤدى إليه من الجوع والعرى بستانا فيه مأكول هنى، وحريرا منه ملبس بهى، ونحو الآية قوله: «وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ»
[سورة الإنسان (٧٦) : الآيات ١٣ الى ٢٢]
مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧)
عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (٢٢)

صفحة رقم 166

شرح المفردات
الأرائك: واحدتها أريكة، وهو السرير فى الحجلة (الناموسية) والزمهرير:
البرد الشديد، دانية: أي قريبة، ظلالها: أي ضلال أشجارها، وذلّلت: أي سخرت ثمارها وسهل أخذها وتناولها، والقطوف: الثمار، واحدها قطف (بكسر القاف) وآنية: واحدها إناء، وهو ما يوضع فيه الشراب، والأكواب: واحدها كوب، وهو كوز لا عروة له، والقوارير: واحدتها قارورة، وهى إناء رقيق من الزجاج، قدّروها تقديرا: أي قدرها السقاة على قدر رىّ شاربها، كأسا: أي خمرا، والزنجبيل: نبت فى أرض عمّان وهو عروق تسرى فى الأرض وليس بشجر، ومنه ما يأتى من بلاد الزنج والصين وهو الأجود، قاله أبو حنيفة الدينوري، وكانت العرب تحبه فى الشراب، لأنه يحدث لذعا فى اللسان إذا مزج بالشراب، قال الأعشى.
كأن القرنفل والزنجبيل باتا بفيها وأريا مشورا والسلسبيل: الشراب اللذيذ، تقول العرب: هذا شراب سلسل وسلسال وسلسبيل:
أي طيب الطعم لذيذه، وتسلسل الماء فى الحلق: جرى، مخلدون: أي دائمون على

صفحة رقم 167

البهاء والحسن لا يهرمون ولا يتغيرون، نمّ: أي هناك، والسندس: ما رقّ من الديباج، والإستبرق: ما غلظ منه، والأساور: واحدها سوار.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر طعام أهل الجنة ولباسهم- أردفه وصف مساكنهم، ثم وصف شرابهم وأوانيه وسقاته، ثم أعاد الكلام مرة أخرى بذكر ما تفضل به عليهم من فاخر اللباس والحلي، ثم ألمع إلى أن هذا كان جزاء لهم على ما عملوا، وما زكوا به أنفسهم من جميل الخصال، وبديع الخلال.
الإيضاح
(مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) أي متكئين فى الجنة على السرر فى الحجال، ليس لديهم حرّ مزعج ولا برد مؤلم، بل جوّ واحد معتدل دائم سرمدى، فهم لا يبغون عنها حولا.
والخلاصة- إنهم لا يرون فى الجنة حر الشمس، ولا برد الزمهرير، ومنه قول الأعشى:
منعّمة طفلة كالمها... لم تر شمسا ولا زمهريرا
وفى الحديث: «هواء الجنة سجسج لا حرّ ولا قرّ».
(وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) أي إن ظلال أشجار الجنة قريبة من الأبرار، مظلة عليهم زيادة فى نعيمهم.
(وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا) أي سخرت للقائم والقاعد والمتكئ، قال مجاهد:
إن قام ارتفعت منه بقدر، وإن قعد تدلّت له حتى ينالها، وكذلك إذا اضطجع، لا يردّ اليد عنها بعد ولا شوك.

صفحة رقم 168

وعن البراء بن عازب قال: إن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعودا ومضطجعين وعلى أي حال شاءوا.
وبعد أن وصف طعامهم ولباسهم ومسكنهم- وصف شرابهم وأوانيه فقال:
(وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا. قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً) أي يدير عليهم خدمهم كؤوس السراب والأكواب من الفضة.
وقد تكوّنت وهى جامعة لصفاء الزجاجة وشفيفها، وبياض الفضة ولينها، وقد قدّرها لهم السقاة الذين يطوفون عليهم للسقيا على قدر كفايتهم وريهم، وذلك ألذّ لهم وأخف عليهم، فهى ليست بالملأى التي تفيض، ولا بالناقصة التي تغيض.
والخلاصة- إن آنية أهل الجنة من فضة بيضاء فى صفاء الزجاج، فيرى ما فى باطنها من ظاهرها.
أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس أنه قال: «ليس فى الجنة شىء إلا قد أعطيتم فى الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة». ولا منافاة بين كون الأوانى من الفضة، وبين كونها من الذهب كما ذكر فى قوله: «يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ» لأنهم تارة يسقون بهذه، وتارة يسقون بتلك.
وبعد أن وصف أوانى مشروبهم وصف المشروب نفسه فقال:
(وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا) أي ويسقى الأبرار فى الجنة خمر ممزوجة بالزنجبيل، وقد كانوا يحبون ذلك ويستطيبونه، كما قال المسيّب بن علس يصف رضّاب امرأة:

وكأن طعم الزنجبيل به إذ ذقته بسلاقة الخمر
(عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا) أي ويسقون من عين فى الجنة غاية فى السلاسة وسهولة الانحدار فى الحلق، قال ابن الأعرابى: لم أسمع السلسبيل إلا فى القرآن، وكأن العين إنما سميت بذلك لسلاستها وسهولة مساغها اه، ومنه قول حسان بن ثابت:

صفحة رقم 169

وقال مقاتل: هو عين يتسلسل عليهم ماؤها فى مجالسهم كيف شاءوا اه.
وهذا كله ما هو إلا أسماء لما هو شبيه بما فى الدنيا، وهناك ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، فالمعانى غير ما نعهد، والألفاظ لمجرد تخيل شىء مما نراه كما قال ابن عباس.
ثم ذكر أوصاف السقاة الذين يسقونهم ذلك الشراب فقال:
(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) أي يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة يأتون على ما هم عليه: من الشباب والطراوة والنضارة، لا يهرمون ولا يتغيرون ولا تضعف أجسامهم عن الخدمة.
(إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) أي إذا رأيت هؤلاء الولدان خلتهم لحسن ألوانهم، ونضارة وجوههم وانتشارهم فى قضاء حوائج سادتهم- كأنهم اللؤلؤ المنثور «واللؤلؤ المنثور أجمل فى النظر من اللؤلؤ المنظوم» ولأنهم إذا كانوا كذلك كانوا سراعا فى الخدمة.
وعن المأمون أنه قال ليلة زفّت إليه بوران بنت الحسن بن سهل، وهو على بساط منسوج من الذهب، وقد نثرت عليه نساء دار الخلافة اللؤلؤ، ونظر إليه فاستحسن ذلك المنظر: لله درّ أبى نواس كأنه أبصر هذا حيث قال:

يسقون من ورد البريص عليهم كأسا يصفّق بالرحيق السلسل
كأن صغرى وكبرى من قواقعها حصباء در على أرض من الذهب
ولما ذكر نعيم أهل الجنة بما تقدم ذكر أن هناك أمورا أعلى وأعظم من ذلك فقال:
(وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) أي وإذا نظرت فى الجنة رأيت نعيما عظيما وملكا كبيرا لا يحيط به الوصف.
وقد اختلفوا فى المراد من هذا الملك الكبير، فقيل إن أدناهم منزلة من ينظر

صفحة رقم 170

ملكه فى مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه، وقيل هو استئذان الملائكة عليهم، فلا يدخلون إلا بإذنهم، وقيل هو الملك الدائم الذي لا زوال له.
ولم يجىء فى الأخبار الصحيحة ما يفسر هذا الملك الكبير، فأولى بنا أن نؤمن به ونترك تفصيله إلى علام الغيوب.
وبعد أن وصف شرابهم وآنيته وما هم فيه من النعيم، وصف ملابسهم فقال:
(عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) أي إن لباس أهل الجنة فى الجنة الحرير، ومنه سندس، وهو رفيع الديباج للقمصان والغلائل ونحوها مما يلى أبدانهم، وإستبرق: وهو غليظ الديباج لا معه مما يلى الظاهر كما هو المعهود فى لباس الدنيا.
وبعدئذ ذكر حليّهم فقال:
(وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) أي وقد حلوا أساور من فضة، وجاء هنا «مِنْ فِضَّةٍ» وفى سورة فاطر «يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ» لأنهم قد يجمعون بينهما، أو يلبسون الذهب تارة والفضة أخرى.
وقال سعيد بن المسيّب: لا أحد من أهل الجنة إلا وفى يده ثلاثة أسورة واحدة من ذهب، وأخرى من فضة، وثالثة من لؤلؤ.
والتحلّي مما يختلف باختلاف العادات والطبائع، ونشأة الآخرة غير هذه النشأة، ومن المشاهد فى الدنيا أن بعض الملوك يتحلّون بأعضادهم وعلى تيجانهم وعلى صدورهم ببعض أنواع الحلي، ولا يرون فى ذلك بأسا لمكان الإلف والعادة فلا يبعد أن يكون من طباع أهل الجنة فى الجنة حبّ التحلي دائما.
ثم ذكر أنهم يسقون شرابا آخر يفوق النوعين السابقين، وهما ما يمزج بالكافور وما يمزج بالزنجبيل فقال:
(وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) أي وسقاهم ربهم غير ما سلف شرابا يطهّر شاربه من الميل إلى اللذات الحسية، والركون إلى ما سوى الحق، فيتجرد لمطالعة جماله، والتلذذ بلقائه، وهذا منتهى درجات الصديقين.

صفحة رقم 171
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية