آيات من القرآن الكريم

إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا
ﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉ

يتحقق الحصر المفهوم من كلمة إِمَّا بل المراد من الشاكر: الذي يكون مقرا معترفا بوجوب شكر خالقه عليه والمراد من الكفور: الذي لا يقرّ بوجوب الشكر عليه إما لأنه ينكر الخالق أو لأنه وإن كان يثبته لكنه ينكر وجوب الشكر عليه وحينئذ يتحقق الحصر: وهو أن المكلف: إما أن يكون شاكرا وإما أن يكون كفورا. وبهذا يرد على الخوارج الذين احتجوا بهذه الآية على أنه لا واسطة بين المطيع والكافر لأن الشاكر هو المطيع والكفور هو الكافر «١».
جزاء الكفار والأبرار يوم القيامة
[سورة الإنسان (٧٦) : الآيات ٤ الى ١٢]
إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤) إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨)
إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢)
الإعراب:
إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالًا سَلاسِلَ: قرئ بتنوين لمجاورته أَغْلالًا وقرئ من غير تنوين لأنه ممنوع من الصرف.
وكذا أيضا قَوارِيرَا [الآية ١٥] قرئ منونا وغير منون.
عَيْناً يَشْرَبُ بِها عَيْناً منصوب من ستة أوجه: على أنه بدل من قوله:

(١) تفسير الرازي: ٣٠/ ٢٣٩

صفحة رقم 285

كافُوراً أو على التمييز أو لقيامه مقام مفعول محذوف ل يَشْرَبُونَ تقديره: يشربون من كأس ماء عين أو على البدل من كَأْسٍ على الموضع أو على الحال من ضمير مِزاجُها وفيه خلاف أو منصوب بتقدير أعني. ويَشْرَبُ بِها الباء إما بمعنى «من» أي يشرب منها أو زائدة أي يشرب ماءها لأن العين لا تشرب وإنما يشرب ماؤها.
البلاغة:
إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ لف ونشر مشوّش فإنه تعالى قال: شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ثم أعاد بالذكر على الثاني دون الأول.
وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ جناس اشتقاق.
يَوْماً عَبُوساً مجاز عقلي إسناد العبوس إلى اليوم من إسناد الشيء إلى زمانه مثل:
نهاره صائم.
فَوَقاهُمُ ولَقَّاهُمْ جناس غير تام.
المفردات اللغوية:
أَعْتَدْنا هيأنا. سَلاسِلَ قيودا توضع في الأرجل يسحبون بها إلى النار.
وَأَغْلالًا أطواقا وقيودا توضع في الأيدي وتجمع إلى أعناقهم جمع غلّ: وهو القيد.
وَسَعِيراً نارا مسعّرة بها يحرقون ويعذبون.
الْأَبْرارَ أهل الطاعة والإخلاص جمع برّ والبررة جمع بارّ كما جاء في الصحاح.
كَأْسٍ قدح أو إناء زجاجة فيها خمر والمراد: من خمر تسمية للحالّ باسم المحل ومِنْ: للتبعيض. مِزاجُها ما تمزج به. كافُوراً طيب معروف له رائحة جميلة.
يَشْرَبُ بِها أي منها. عِبادُ اللَّهِ أولياؤه. يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً يقودونها ويجرونها حيث شاؤوا إجراء سهلا ويخرجونها من الأرض والمراد أنها تحت تصرفهم وأمرهم.
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ بِالنَّذْرِ: التزام قربة لله تعالى والمراد يؤدون ما أوجبوه على أنفسهم من الطاعات. شَرُّهُ شدائده. مُسْتَطِيراً فاشيا منتشرا في البلاد. عَلى حُبِّهِ محبة الطعام أو الإطعام. مِسْكِيناً محتاجا لفقره. وَيَتِيماً من لا أب له. وَأَسِيراً من أسر من الكفار في حرب إسلامية ويشمل أيضا الأسير المؤمن والمملوك والمسجون. لِوَجْهِ اللَّهِ ابتغاء لرضوانه وطلب ثوابه لا لتوهم المنّ وتوقع المكافأة المنقصة للأجر. شُكُوراً شكرا.
يَوْماً عذاب يوم. عَبُوساً تعبس فيه الوجوه أي كريه المنظر لشدته.

صفحة رقم 286

قَمْطَرِيراً شديد العبوس والهول مظلما. فَوَقاهُمُ دفع عنهم بسبب خوفهم وتحفظهم منه.
وَلَقَّاهُمْ أعطاهم. نَضْرَةً حسنا وبهاء. وَسُرُوراً حبورا. وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا بصبرهم على أداء الواجبات واجتناب المحرّمات وإيثار الأموال. جَنَّةً بستانا يأكلون منه.
وَحَرِيراً يلبسونه.
سبب النزول: نزول الآية (٨) :
وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ..: أخرج ابن المنذر عن ابن جرير في قوله:
وَأَسِيراً قال: لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم يأسر أهل الإسلام ولكنها نزلت في أسارى أهل الشرك كانوا يأسرونهم في العذاب فنزلت فيهم فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يأمرهم بالإصلاح إليهم.
وقال مقاتل: نزلت في رجل من الأنصار أطعم في يوم واحد مسكينا ويتيما وأسيرا. وقال أهل التفسير: نزلت في علي وفاطمة رضي الله عنهما وجارية لهما اسمها فضة لكن القصة لم تصح.
قال القرطبي: والصحيح أنها نزلت في جميع الأبرار ومن فعل فعلا حسنا فهي عامة «١».
المناسبة:
بعد بيان أن الله هدى الناس إلى طريق الخير وطريق الشرّ ثم انقسامهم بعدئذ فريقين: شاكرا وكافرا ذكر تعالى على جهة الوعيد أنه أعد للكافرين قيودا ونارا وللمؤمنين الطائعين جنة فيها ألوان النعيم من المأكل والمشرب والملبس لتتم المقابلة أو المقارنة بين الجزاءين مع بيان العلة أو السبب لكل جزاء.

(١) تفسير القرطبي: ١٩/ ١٣٠

صفحة رقم 287

التفسير والبيان:
إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً أي إننا هيأنا وأعددنا لكل من كفر بالله وبنعمه وخالف أمره سلاسل في أرجلهم يقادرون بها إلى الجحيم قيودا تشد بها أيديهم إلى أعناقهم ونارا تستعر وتتوقد لنعذبهم ونحرقهم بها.
والسلاسل: القيود في جهنم كل سلسلة سبعون ذراعا كما جاء في سورة الحاقة.
والأغلال: ما تغل به الأيدي إلى الأعناق.
ونظير الآية: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر ٤٠/ ٧١- ٧٢].
فهذا إخبار عما أرصده الله عزّ وجلّ للكافرين الأشقياء من خلقه ثم أتبعه بما أعد للمؤمنين الطائعين فقال:
إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً أي إن المؤمنين أهل الطاعة والإخلاص الذين يؤدون حق الله بالتزام فرائضه واجتناب معاصيه يشربون من خمر ممزوجة بكافور بارد أبيض طيب الرائحة ليكمل ريح الخمر وطعمها ويطيب وممزوجة أيضا بماء عين يشرب منها عباد الله الصالحون يجرونها إلى حيث أرادوا من منازلهم وقصورهم وينتفعون بها كما يشاءون ويشقّونها شقّا كما يشقّ النهر ويتفجر الينبوع. وقيل: الكافور: اسم عين في الجنة يقال له عين الكافور.
وقوله: يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً معناه يتصرفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم. والتفجير: الإنباع.
ثم ذكر الله تعالى ثلاثة أسباب لهذا التكريم وثواب الأبرار فقال:
١- ٢- يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً أي يوفون

صفحة رقم 288

بما أوجبوه على أنفسهم من نذور تقربا إلى الله تعالى ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها. والنذر في الشرع: ما أوجبه المكلف على نفسه لله تعالى من صلاة أو صوم أو ذبح أو غيرها مما لم يكن عليه واجبا بالشرع. قال الرازي: اعلم أن مجامع الطاعات محصورة في أمرين: التعظيم لأمر الله وإليه الإشارة بقوله:
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ والشفقة على خلق الله وإليه الإشارة بقوله: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ. ويخافون عذاب يوم هو يوم القيامة كانت شدائده وأهواله فاشية منتشرة في كل جهة وعامة على الناس إلا من رحم الله.
وإنما سميت الأهوال شرّا لكونها مضرة بمن تنزل عليه ولكونها صعبة عليه كما تسمى الأمراض وسائر الأمور المكروهة شرورا.
والآية دالة على وجوب الوفاء بالنذر لأنه تعالى عقبه بقوله: يَخافُونَ يَوْماً وهذا يقتضي أن الخوف من عذاب الله هو سبب الوفاء بالنذر.
٣- وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً أي ويطعمون الطعام في حال محبتهم وشهوتهم له المحتاج الفقير العاجز عن الكسب واليتيم الحزين الذي فقد أباه وعائله والأسير المقيد المحبوس أو المملوك سواء من أهل الإيمان أو من المشركين. وخصّ الطعام بالذكر لكونه إنقاذا للحياة وإصلاحا للإنسان وإحسانا لا ينسى.
وفي قوله عَلى حُبِّهِ تنبيه على ما ينبغي أن يكون عليه المطعم بل كل عامل من إخلاص عمله لله.
ونظير الآية قوله تعالى: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ [البلد ٩٠/ ١١- ١٦] وقوله سبحانه: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ [البقرة ٢/ ١٧٧] وقوله: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران ٣/ ٩٢].

صفحة رقم 289

وبما أن تمام الطاعة لا يكون إلا بالإخلاص وقرن النية بالعمل ذكر النية بعد تلك الأعمال فقال:
إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً أي إنما قصدنا من هذا الإطعام هو ابتغاء رضوان الله وحده ورجاء ثوابه دون منّ عليكم ولا ثناء من الناس ولا توقع مكافأة تنقص الأجر ولا طلب مجازاة منكم ولا إرادة شكر منكم لنا بل هو خالص لوجه الله تعالى.
وهذا أي طلب رضا الله عنهم هو الهدف الأول ثم أعقبه بالهدف الثاني وهو خوف يوم القيامة وأهوالها فقال سبحانه:
إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً أي إننا مع طلب رضوان الله نخاف من أهوال يوم تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته صعب شديد. ووصف اليوم بالعبوس مجاز وصف بصفة أهله أو تشبيها في ضرره بالأسد العبوس أو بالشجاع الباسل والقمطرير أشد ما يكون من الأيام وأطوله بلاء.
ويلاحظ أنه سبحانه وصفهم بالخوف من أهوال القيامة في موضعين: في قوله المتقدم: وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وقوله هنا: إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً.
ثم أوضح الله تعالى أنه حقق للأبرار الهدفين وذكر ما سيجزيهم على أعمالهم وإخلاصهم فذكر الثاني أولا ثم الأول فقال: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً أي فدفع الله عنهم شرّ ذلك اليوم العبوس وآمنهم مما خافوا منه بسبب خوفهم منه وإطعامهم لوجهه وأعطاهم بدل العبوس في الكفار نضرة في الوجوه وسرورا في القلوب لطلبهم رضا الله. والنضرة:
البياض والنقاء في وجوههم من أثر النعمة.

صفحة رقم 290

ونظير الآية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ، ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ [عبس ٨٠/ ٣٨- ٣٩].
وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً أي وكافأهم بسبب صبرهم على التكاليف جنة يدخلونها وحريرا يلبسونه، أي أعطاهم منزلا رحبا، وعيشا رغدا، ولباسا حسنا، كما قال تعالى: وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ [الحج ٢٢/ ٢٣]. والتعبير بقوله: فَوَقاهُمُ ولَقَّاهُمْ بصيغة الماضي، لتأكيد تحقق الوعد.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يأتي:
١- إن انقسام الناس باختيارهم إلى فريقين: شاكر وكافر، اقتضى تنوع الجزاء بعد التكليف والتمكين من المأمورات، فمن كفر فله العقاب من السلاسل في الأرجل، والأغلال في الأيدي، والنار المستعرة التي تحرق الجسد ومن وحّد وشكر، فله الثواب الجزيل والجنة بما فيها من ألوان النعيم.
والآية دليل على أن الجحيم بسلاسلها وأغلالها مخلوقة لأن قوله تعالى:
أَعْتَدْنا إخبار عن الماضي.
ويلاحظ أن الاختصار في ذكر العقاب، مع الإطناب في شرح الثواب، يدل على أن جانب الرحمة أغلب وأقوى «١».
٢- وصف الله تعالى نعيم أهل الجنة بما يبهر، فذكر أن الأبرار: أهل التوحيد والصدق يشربون في الجنة الخمر غير المسكرة، الممزوجة بالكافور، المختومة بالمسك، المختلطة بعين ماء عذبة في الجنة، يشربون منها، وتكون تحت تصرفهم وأمرهم يجرونها كما يشاءون، ويشقّقونها شقّا، كما يفجر النهر في الدنيا.

(١) تفسير الرازي: ٣٠/ ٢٥٦ وما بعدها.

صفحة رقم 291

وتلك العين هي السلسبيل كما
جاء في حديث ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أربع عيون في الجنة:
عينان تجريان من تحت العرش، إحداهما التي ذكر الله: يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً والأخرى الزنجبيل، والأخريان نضّاختان من فوق العرش: إحداهما التي ذكر الله عينا فيها، تسمى سلسبيلا، والأخرى التسنيم»
.
وقال: فالتسنيم للمقربين خاصة شربا لهم، يمزج للأبرار من التسنيم شرابهم، وأما الزنجبيل والسلسبيل فللأبرار منها مزاج.
٣- إن علة أو سبب هذا النعيم للأبرار أمور ثلاثة: وفاؤهم بالنذور وأداؤهم ما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغيرها من الواجبات وخوفهم من يوم القيامة ذي الشدائد والأهوال الفاشية المنتشرة في كل مكان وإطعامهم الطعام على قلّته وحبهم له وشغفهم به ذا مسكنة وفقر وحاجة، ويتيما من يتامى المسلمين، والأسير المؤمن أو الكافر الذي يؤسر فيحبس.
وقد أوصى النبي صلّى الله عليه وسلّم بالأسارى قائلا: «استوصوا بالأسارى خيرا» «١».
ويكون إطعام الأسير المشرك قربة إلى الله تعالى، غير أنه من صدقة التطوع، فأما المفروضة فلا. وتقدم لدينا أن الآية دالة على وجوب الوفاء بالنذر.
وأجاز عامة العلماء الإحسان إلى الكفار في بلاد الإسلام من التطوعات لا من الواجبات. وإطعام الأسير واجب أولا على الإمام (الدولة) فإن لم يفعله وجب على المسلمين.
٤- إطعام هؤلاء بقصدين أو غرضين: رضا الله عنهم، وخوف يوم القيامة.

(١) أخرجه الطبراني عن أبي عزيز، وهو حديث حسن.

صفحة رقم 292
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية