آيات من القرآن الكريم

فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ
ﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

تعالى: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ زجر آخر لقريش وتذكير لهم بموطن من مواطن الهول وأمر الله تعالى الذي لا محيد لبشر عنه وهي حالة الموت والمنازعة التي كتبها الله على كل حيوان، وبَلَغَتِ يريد النفس، والتَّراقِيَ ترقوة وهي عظام أعلى الصدر، ولكل أحد ترقوتان، لكن من حيث هذا الأمر في كثير من جمع، إذ النفس المرادة اسم جنس، والتَّراقِيَ هي موازية للحلاقيم، فالأمر كله كناية عن حال الحشرجة ونزاع الموت، يسره الله علينا بمنه، واختلف الناس في معنى قوله تعالى: مَنْ راقٍ
فقال ابن عباس والضحاك وقتادة وأبو قلابة: معناه من يرقى ويطب ويشفى ونحو هذا مما يتمناه أهل المريض، وقال ابن عباس أيضا وسليمان التيمي ومقاتل وابن سليمان: هذا القول للملائكة: والمعنى من يرقى بروحه، أي يصعد إلى السماء أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ وقرأ حفص عن عاصم بالوقف على مَنْ
ويبتدىء راقٍ
. وأدغم الجمهور، قال أبو علي: لا أعرف وجه قراءة عاصم، وكذلك قرأ «بل ران»، وقوله تعالى:
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ يريد وتيقن المريض أنه فراق الأحبة والأهل والمال والحياة، وهذا يقين فيما لم يقع بعد ولذلك استعملت فيه لفظة الظن، وقرأ ابن عباس «أيقن أنه الفراق»، وقال في تفسيره ذهب الظن واختلف في معنى قوله وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، فقال ابن عباس والحسن والربيع بن أنس وإسماعيل بن أبي خالد هذه استعارة لشدة كرب الدنيا في آخر يوم منها وشدة كرب الآخرة في أول يوم منها لأنه بين الحالين قد اختلطا له، وهذا كما تقول شمرت الحرب عن ساق، وعلى بعض التأويلات في قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [القلم: ٤٢] وقال ابن المسيب والحسن: هي حقيقة، والمراد ساق الميت عند تكفينه أي لفهما الكفن. وقال الشعبي وأبو مالك وقتادة: هو التفافهما بشدة المرض لأنه يقبض ويبسط ويركب هذا على هذا، وقال الضحاك: المراد أسوق حاضريه من الإنس والملائكة لأن هؤلاء يجهزون روحه إلى السماء وهولاء بدنه إلى قبره، وقوله تعالى: إِلى رَبِّكَ معناه إلى حكم ربك وعدله، فإما إلى جنة وإما إلى نار، والْمَساقُ مصدر من السوق.
قوله عز وجل:
[سورة القيامة (٧٥) : الآيات ٣١ الى ٤٠]
فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠)
قال جمهور المتأولين: هذه الآية كلها إنما نزلت في أبي جهل بن هشام.
قال القاضي أبو محمد: ثم كادت هذه الآية أن تصرح له في قوله تعالى: يَتَمَطَّى فإنها كانت مشية بني مخزوم، وكان أبو جهل يكثر منها، وقوله تعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى تقديره فلم يصدق ولم يصل، وهذا نحو قول الشاعر [طرفة بن العبد] :[الطويل]

صفحة رقم 406

وقول الآخر [أبي خيراش الهذلي] :[الرجز]

فأي خميس فإنا لا نهابه وأسيافنا يقطرن من كبشه دما
فَلا في الآية عاطفة، وصَدَّقَ معناه برسالة الله ودينه، وذهب قوم إلى أنه من الصدقة، والأول أصوب، ويَتَمَطَّى معناه يمشي المطيطى وهي مشية بتبختر قال زيد بن أسلم: كانت مشية بني مخزوم، وهي مأخوذة من المطا وهو الظهر لأنه يتثنى فيها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مشت أمتي المطيطى وخدمتهم الروم وفارس سلط بعضهم على بعض». وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في أبي جهل... وقوله تعالى: أَوْلى لَكَ وعيد ثان ثم كرر ذلك تأكيدا، والمعنى أَوْلى لَكَ الازدجار والانتهاء وهو مأخوذ من ولى، والعرب تستعمل هذه الكلمة زجرا، ومنه قوله تعالى: فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ [محمد: ٢٠]، وروي أن رسول الله ﷺ لبب أبا جهل يوما في البطحاء وقال له: «إن الله يقول لك أَوْلى لَكَ فَأَوْلى»، فنزل القرآن على نحوها. وفي شعر الخنساء: [المتقارب]
إن تغفر اللهم تغفر جمّا وأي عبد لك لا ألمّا
سئمت بنفسي كل الهموم فأولى لنفسي أولى لها
وقوله تعالى: أَيَحْسَبُ توقيف وتوبيخ، وسُدىً معناه مهملا لا يؤمر ولا ينهى، ثم قرر تعالى على أحوال ابن آدم في بدايته التي إذا تؤملت لم ينكر معها جواز البعث من القبور عاقل. وقرأ الجمهور:
«ألم يك» بالياء من تحت، وقرأ الحسن: «ألم تك» بالتاء من فوق، و «النطفة» : القطعة من الماء. يقال ذلك للقليل والكثير، و «المني» معروف، وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم وأبو عمرو بخلاف وابن محيصن والجحدري وسلام ويعقوب: «يمنى» بالياء، يراد بذلك المني، ويحتمل أن يكون يمنى من قولك أمنى الرجل، ويحتمل أن يكون من قولك منى الله الخلق، فكأنه قال: من مني تخلق، وقرأ جمهور السبعة والناس. «تمنى» بالتاء، يراد بذلك النطفة، و «تمنى» يحتمل الوجهين اللذين ذكرت، و «العلقة» : القطعة من الدم، لأن الدم هو العلق، وقوله تعالى: فَخَلَقَ فَسَوَّى معناه فخلق الله منه بشرا مركبا من أشياء مختلفة فسواه شخصا مستقلا، وفي مصحف ابن مسعود «يخلق» بالياء فعلا مستقبلا، والزَّوْجَيْنِ:
النوعين، ويحتمل أن يريد المزدوجين من البشر، ثم وقف تعالى توقيف التوبيخ وإقامة الحجة بقوله:
أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى وقرأ الجمهور بفتح الياء الأخيرة من «يحيي»، وقرأ طلحة بن مصرف وسليمان والفياض بن غزوان بسكونها، وهي تنحذف من اللفظ لسكون اللام من الْمَوْتى، ويروى أن رسول الله ﷺ كان إذا قرأ هذه الآية قال: «سبحانك اللهم وبحمدك وبلى»، ويروى أنه كان يقول: «بلى» فقط.
نجز تفسير سورة الْقِيامَةِ والحمد لله رب العالمين.

صفحة رقم 407
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية