آيات من القرآن الكريم

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا
ﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻ ﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﰍﰎ ﰐﰑﰒ ﭑﭒﭓ ﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛ ﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀ ﮂﮃﮄ

عِوَضًا مِنَ الدُّنْيَا. فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَالْأَظْهَرُ القول الأول، والله أعلم.
وقوله تعالى: وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ أَيِ اجْعَلْ صَبْرَكَ عَلَى أَذَاهُمْ لِوَجْهِ رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ إبراهيم النخعي: اصبر على عطيتك لله عز وجل. وقوله تَعَالَى: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ النَّاقُورِ الصُّورِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ كَهَيْئَةِ الْقَرْنِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ ينتظر متى يؤمر فينفخ؟» فقال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا» «١» وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَسْبَاطٍ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ فُضَيْلٍ وَأَسْبَاطٍ كِلَاهُمَا عَنْ مُطَرِّفٍ بِهِ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابن عباس به.
وقوله تعالى: فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ أَيْ شَدِيدٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ أَيْ غَيْرُ سَهْلٍ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَقُولُ الْكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [الْقَمَرِ: ٨]، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَاضِي الْبَصْرَةِ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ، فَقَرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ شَهِقَ شَهْقَةً ثم خرّ ميتا رحمه الله تعالى.
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ١١ الى ٣٠]
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥)
كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠)
ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ مَا سَقَرُ (٢٧) لَا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)
يَقُولُ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا لِهَذَا الْخَبِيثِ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِنِعَمِ الدُّنْيَا فَكَفَرَ بِأَنْعُمِ اللَّهِ وَبَدَّلَهَا كُفْرًا وَقَابَلَهَا بِالْجُحُودِ بِآيَاتِ اللَّهِ وَالِافْتِرَاءِ عَلَيْهَا، وَجَعَلَهَا مِنْ قَوْلِ الْبَشَرِ وَقَدْ عَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ نعمه حيث قال تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً أَيْ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَحْدَهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَا ولد ثم رزقه الله تعالى: مَالًا مَمْدُوداً أَيْ وَاسِعًا كَثِيرًا قِيلَ أَلْفُ دِينَارٍ وَقِيلَ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ، وَقِيلَ أَرْضًا يستغلها، وقيل غير ذلك وجعل له بنين شُهُوداً قَالَ مُجَاهِدٌ لَا يَغِيبُونَ أَيْ حُضُورًا عنده لا يسافرون بالتجارات بَلْ مَوَالِيهِمْ وَأُجَرَاؤُهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ذَلِكَ عَنْهُمْ: وَهُمْ قُعُودٌ عِنْدَ أَبِيهِمْ يَتَمَتَّعُ بِهِمْ وَيَتَمَلَّى بِهِمْ، وَكَانُوا فِيمَا ذَكَرَهُ السُّدِّيُّ وَأَبُو مَالِكٍ وَعَاصِمُ بن عمر بن قتادة ثلاثة عشر،

(١) أخرجه أحمد في المسند ٣/ ٧٣.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٣٠٤.

صفحة رقم 274

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ كَانُوا عَشْرَةً وَهَذَا أَبْلَغُ فِي النِّعْمَةِ وَهُوَ إِقَامَتُهُمْ عِنْدَهُ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً أَيْ مَكَّنْتُهُ مِنْ صُنُوفِ الْمَالِ وَالْأَثَاثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً أَيْ مُعَانِدًا وَهُوَ الْكُفْرُ عَلَى نِعَمِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ قَالَ الله تعالى: سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا حَسَنٌ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَهْوِي فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ، وَالصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نار يصعد فيه الكافر سَبْعِينَ خَرِيفًا، ثُمَّ يَهْوِي بِهِ كَذَلِكَ فِيهِ أَبَدًا» «٢» وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْأَشْيَبِ بِهِ، ثُمَّ قَالَ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ دَرَّاجٍ، كَذَا قَالَ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٣» عَنْ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ وَفِيهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعْرُوفِ بِعَلَّانَ الْمِصْرِيِّ قَالَ:
حَدَّثَنَا مِنْجَابٌ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهَنِيِّ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً قَالَ: «هُوَ جَبَلٌ فِي النَّارِ مِنْ نَارٍ يُكَلَّفُ أَنْ يَصْعَدَهُ فَإِذَا وَضَعَ يَدَهُ ذَابَتْ وَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ، فَإِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ ذَابَتْ وَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ «٤» مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ بِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ عَنِ ابن عباس: صعودا صخرة فِي جَهَنَّمَ يُكَلَّفُ أَنْ يَصْعَدَهَا وَقَالَ مُجَاهِدٌ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً أَيْ مَشَقَّةً مِنَ الْعَذَابِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: عَذَابًا لَا رَاحَةَ فِيهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جرير.
وقوله تعالى: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ أَيْ إِنَّمَا أَرْهَقْنَاهُ صُعُودًا أَيْ قَرَّبْنَاهُ مِنَ الْعَذَابِ الشَّاقِّ لِبُعْدِهِ عَنِ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ أَيْ تَرَوَّى مَاذَا يَقُولُ فِي الْقُرْآنِ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْقُرْآنِ فَفَكَّرَ مَاذَا يَخْتَلِقُ مِنَ الْمَقَالِ وَقَدَّرَ أَيْ تَرَوَّى فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ ثُمَّ نَظَرَ أَيْ أَعَادَ النَّظْرَةَ وَالتَّرَوِّيَ ثُمَّ عَبَسَ أَيْ قَبَضَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَطَّبَ وَبَسَرَ أَيْ كَلَحَ وَكَرِهَ وَمِنْهُ قول توبة بن الحمير: [الطويل]

وَقَدْ رَابَنِي مِنْهَا صُدُودٌ رَأَيْتُهُ وَإِعْرَاضُهَا عَنْ حَاجَتِي وَبُسُورُهَا «٥»
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ أَيْ صرف عن الحق ورجع القهقهرى مُسْتَكْبِرًا عَنِ الِانْقِيَادِ لِلْقُرْآنِ فَقالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ أَيْ هَذَا سِحْرٌ يَنْقُلُهُ محمد عن غيره ممن قَبْلَهُ وَيَحْكِيهِ عَنْهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ أَيْ لَيْسَ بِكَلَامِ اللَّهِ، وهذا المذكور في هذا السياق
(١) المسند ٣/ ٧٥.
(٢) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٢١، باب ١.
(٣) تفسير الطبري ١٢/ ٣٠٨.
(٤) تفسير الطبري ١٢/ ٣٠٨.
(٥) البيت في تفسير الطبري ١٢/ ٣٠٩.

صفحة رقم 275

هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ أَحَدُ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ لَعَنَهُ اللَّهُ.
وَكَانَ مِنْ خَبَرِهِ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ دَخَلَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ خَرَجَ عَلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ يَا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة، فو الله مَا هُوَ بِشِعْرٍ وَلَا بِسَحْرٍ وَلَا بِهَذْيٍ مِنَ الْجُنُونِ، وَإِنَّ قَوْلَهُ لِمَنْ كَلَامِ اللَّهِ فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ النَّفَرُ مِنْ قُرَيْشٍ ائْتَمَرُوا وقالوا: والله لئن صبأ الوليد لتصبو قُرَيْشٌ، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: أَنَا وَاللَّهِ أَكْفِيكُمْ شَأْنَهُ فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ، فَقَالَ لِلْوَلِيدِ: أَلَمْ تر إلى قَوْمَكَ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الصَّدَقَةَ؟ فَقَالَ: أَلَسْتُ أَكْثَرَهُمْ مَالًا وَوَلَدًا؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: يَتَحَدَّثُونَ أَنَّكَ إِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ لِتُصِيبَ مِنْ طَعَامِهِ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: أَقَدْ تَحَدَّثَ بِهِ عَشِيرَتِي؟ فَلَا وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ وَلَا عُمَرَ وَلَا ابْنَ أَبِي كَبْشَةَ، وَمَا قَوْلُهُ إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً- إِلَى قَوْلِهِ- لَا تُبْقِي وَلا تَذَرُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: زَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ نَظَرْتُ فِيمَا قَالَ الرَّجُلُ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ بِشِعْرٍ وَإِنَّ لَهُ لحلاوة، وإنه عليه لطلاوة، وإنه ليعلو وما يعلى عليه وَمَا أَشُكُّ أَنَّهُ سِحْرٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ الْآيَةَ.
ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ قَبَضَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَكَلَحَ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ أَيْ عَمُّ إِنَّ قَوْمَكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالًا. قَالَ: لِمَ؟ قَالَ يُعْطُونَكَهُ فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا تَتَعَرَّضُ لِمَا قِبَلَهُ، قَالَ قد علمت قريش أني أكثرهم مَالًا، قَالَ: فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يُعْلِمُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لِمَا قَالَ وَأَنَّكَ كَارِهٌ لَهُ، قال فماذا أقول فيه، فو الله مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي وَلَا أَعْلَمُ بِرَجْزِهِ وَلَا بِقَصِيدِهِ وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، والله إن لقوله الذي يقوله لَحَلَاوَةً، وَإِنَّهُ لَيُحَطِّمُ مَا تَحْتَهُ وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يَعْلَى، وَقَالَ وَاللَّهِ لَا يَرْضَى قَوْمُكَ حتى تقول فيه، قال فدعني حتى أتفكر فيه، فلما فكر قال: إن هذا إلا سحر يؤثره عَنْ غَيْرِهِ، فَنَزَلَتْ: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً- حَتَّى بَلَغَ- تِسْعَةَ عَشَرَ.
وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ نَحْوًا مِنْ هَذَا، وَقَدْ زَعَمَ السُّدِّيُّ أَنَّهُمْ لَمَّا اجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيُجْمِعُوا رَأْيَهُمْ عَلَى قَوْلٍ يَقُولُونَهُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِمْ وُفُودُ الْعَرَبِ لِلْحَجِّ لِيَصُدُّوهُمْ عَنْهُ، فَقَالَ قَائِلُونَ: شَاعِرٌ وَقَالَ آخَرُونَ: سَاحِرٌ وَقَالَ آخَرُونَ: كَاهِنٌ وَقَالَ آخَرُونَ:
مَجْنُونٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا [الْإِسْرَاءِ:
٤٨] كُلُّ هَذَا وَالْوَلِيدُ يُفَكِّرُ فِيمَا يَقُولُهُ فِيهِ، ففكر وقدر ونظر وعبس وبسر، فقال:

(١) تفسير الطبري ١٢/ ٣٠٩.

صفحة رقم 276

إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ أَيْ سَأَغْمُرُهُ فِيهَا مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ، ثم قال تعالى: وَما أَدْراكَ مَا سَقَرُ وَهَذَا تَهْوِيلٌ لِأَمْرِهَا وتفخيم، ثم فسر ذلك بقوله تعالى: لَا تُبْقِي وَلا تَذَرُ أَيْ تَأْكُلُ لُحُومَهُمْ وَعُرُوقَهُمْ وَعَصَبَهُمْ وَجُلُودَهُمْ ثُمَّ تُبَدَّلُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ لَا يَمُوتُونَ وَلَا يَحْيَوْنَ، قاله ابن بريدة وأبو سنان وغيرهم.
وقوله تعالى: لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ قَالَ مُجَاهِدٌ أَيْ لِلْجِلْدِ، وَقَالَ أَبُو رَزِينٍ: تَلْفَحُ الْجِلْدَ لَفْحَةً فَتَدَعُهُ أَسْوَدَ مِنَ اللَّيْلِ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: تَلُوحُ أَجْسَادُهُمْ عَلَيْهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ أَيْ حَرَّاقَةٌ لِلْجِلْدِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَحْرِقُ بَشْرَةَ الإنسان. وقوله تعالى: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ أَيْ مِنْ مُقَدِّمِي الزَّبَانِيَةِ عَظِيمٌ خَلْقُهُمْ غَلِيظٌ خُلُقُهُمْ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، أَخْبَرَنِي حارث عن عامر عن البراء في قوله تعالى: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ قَالَ: إِنَّ رَهْطًا مِنَ الْيَهُودِ سَأَلُوا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ فقال: الله ورسوله أعلم، فجاء الرجل فأخبر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ سَاعَتَئِذٍ عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ وَقَالَ:
«ادْعُهُمْ أَمَا إِنِّي سَائِلُهُمْ عَنْ تُرْبَةِ الجنة إن أتوني، أما إنها در مكة بيضاء» فجاؤوه فَسَأَلُوهُ عَنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ فَأَهْوَى بِأَصَابِعِ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ وَأَمْسَكَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّانِيَةِ ثُمَّ قَالَ: «أَخْبِرُونِي عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ» فَقَالُوا: أَخْبِرْهُمْ يَا ابْنَ سَلَامٍ، فَقَالَ: كَأَنَّهَا خُبْزَةٌ بَيْضَاءُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أما إِنَّ الْخُبْزَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الدَّرْمَكِ» هَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْبَرَاءِ.
وَالْمَشْهُورُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مِنْدَهْ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَيَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ غُلِبَ أَصْحَابُكَ الْيَوْمَ. فَقَالَ: «بِأَيِّ شَيْءٍ؟» قَالَ: سَأَلَتْهُمْ يَهُودُ هَلْ أَعْلَمَكُمْ نَبِيُّكُمْ عِدَّةَ خَزَنَةِ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالُوا:
لَا نَعْلَمُ حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفَغُلِبَ قَوْمٌ سُئِلُوا عَمَّا لا يعلمون فقالوا لَا نَعْلَمُ حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم؟ علي بأعداء الله لكنهم قد سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ أَنْ يُرِيَهُمُ اللَّهَ جَهْرَةً» فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ قَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ كَمْ عدة خَزَنَةِ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: «هَكَذَا» وَطَبَّقَ كَفَّيْهِ ثُمَّ طَبَّقَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ وَعَقَدَ وَاحِدَةً وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: «إِنْ سُئِلْتُمْ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ فَهِيَ الدَّرْمَكُ» فَلَمَّا سَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِعِدَّةِ خَزَنَةِ أَهْلِ النَّارِ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ؟» فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: خُبْزَةٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. فَقَالَ: «الْخُبْزُ مِنَ الدَّرْمَكِ» «١» وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ، وَقَالَ هُوَ وَالْبَزَّارُ لَا يعرف إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ، وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ سُفْيَانَ فقص الدرمك فقط.

(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٧٤، باب ٤، وأحمد في المسند ٣/ ٣٦١.

صفحة رقم 277
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية