
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة المزّمّلوهي مكية كلها في قول المهدوي وجماعة، وقال الجمهور: هي مكية إلا قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ [الزمل: ٢٠] إلى آخر السورة، فإن ذلك نزل بالمدينة.
قوله عز وجل:
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١ الى ١٠]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤)إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩)
وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠)
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ نداء للنبي صلى الله عليه وسلم، واختلف الناس لم نودي بهذا، فقالت عائشة والنخعي وجماعة: لأنه كان وقت نزول الآية متزملا بكساء، والتزمل: الالتفاف في الثياب بضم وتشمير، ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
كأن أبانا في أفانين ودقة | كبير أناس في بجاد مزمل |
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ للنبوءة وأعبائها، أي المتشمر المجدّ. وقال جمهور المفسرين والزهري بما في البخاري من أنه عليه السلام لما جاءه الملك في غار حراء وحاوره بما حاوره رجع رسول الله ﷺ إلى خديجة فقال: زملوني زملوني: فنزلت يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر: ١]، وعلى هذا نزلت يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. وفي مصحف ابن مسعود وأبي بن كعب «يا أيها المتزمل». وقرأ بعض السلف «يا أيها المزمّل» بفتح الزاي وتخفيفها وفتح الميم وشدها، والمعنى الذي زمله أهله أو زمل للنبوءة. وقرأ عكرمة «يا أيها المزمّل» بكسر الميم المشددة وتخفيف الزاي أي المزمل نفسه، واختلف الناس في هذا الأمر بقيام الليل كيف كان؟ فقال جمهور أهل العلم: هو أمر على جهة الندب مذ كان لم يفرض قط، ويؤيد هذا: الحديث صفحة رقم 386

الصحيح أن رسول الله ﷺ قام ليلة في رمضان خلف حصير احتجره فصلى وصلى بصلاته ناس ثم كثروا من الليلة القابلة ثم غص المسجد بهم في الثالثة أو الرابعة فلم يخرج رسول الله ﷺ فحصبوا بابه فخرج مغضبا وقال: «إني إنما تركت الخروج لأني خفت أن يفرض عليكم». وقيل إنه لم يكلمهم إلا بعد الصبح. وقال آخرون: كان فرضا في وقت نزول هذه الآية. واختلف هؤلاء فقال بعضهم: كان فرضا على النبي ﷺ خاصة، وبقي كذلك حتى توفي عليه السلام، وقيل:
بل نسخ عنه ولم يمت إلا والقيام تطوع، وقال بعضهم: كان فرضا على الجميع ودام الأمر على ما قال سعيد بن جبير عشر سنين، وقالت عائشة وابن عباس دام عاما، وروي عنها أيضا ثمانية أشهر ثم رحمهم الله تعالى. فنزلت: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ [المزمل: ٢٠] فخفف عنهم. وقال قتادة بقي عاما أو عامين. وقرأ أبو السمال «قم الليل» بضم الميم لاجتماع الساكنين، والكسر في الكلام العرب أكثر كما قرأ الناس، وقوله تعالى: نِصْفَهُ يحتمل أن يكون بدلا من قوله قَلِيلًا، وكيف ما تقلب المعنى، فإنه أمر بقيام نصف الليل أو أكثر شيء أو أقل شيء، فالأكثر عند العلماء لا يزيد على الثلثين، والأقل لا ينحط عن الثلث ويقوي هذا حديث ابن عباس في بيت ميمونة قال: فلما انتصف الليل أو قبله بقليل قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلزم على هذا الذي ذكرناه أن يكون نصف الليل قد وقع عليه الوصف بقليل، وقد يحتمل عندي قوله إِلَّا قَلِيلًا، أن يكون استثناء من القيام، فيجعل الليل اسم جنس، ثم قال إِلَّا قَلِيلًا، أي الليالي التي تخل بقيامها عند العذر البين. وهذا النظر يحسن مع القول مع الندب جدا. وقد تكلم الجرجاني رحمه الله في نظمه في هذه الآية بتطويل وتدقيق غير مفيد أكثره غير صحيح. وقرأ الجمهور: «أو انقص» بضم الواو، وقرأ الحسن وعاصم وحمزة بكسر الواو، وقرأ عيسى بالوجهين، والضمير في مِنْهُ وعَلَيْهِ عائدان على النصف، وقوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ معناه في اللغة تمهل وفرق بين الحروف لتبين. والمقصد أن يجد الفكر فسحة للنظر وفهم المعاني، وبذلك يرق القلب ويفيض عليه النور والرحمة. قال ابن كيسان: المراد تفهمه تاليا له ومنه الثغر الرتل الذي بينه فسخ وفتوح. وروي أن قراءة رسول الله ﷺ كانت بينة مترسلة لو شاء أحد أن يعد الحروف لعدها. والقول الثقيل: هو القرآن. واختلف الناس لم سماه ثَقِيلًا، فقالت جماعة من المفسرين: لما كان يحل في رسول الله من ثقل الجسم حتى أنه كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته بركت به، وحتى كادت فخذه أن ترض فخذ زيد بن ثابت رحمه الله. وقال أبو العالية والقرطبي: بل سماه ثَقِيلًا لثقله على الكفار والمنافقين بإعجازه ووعيده ونحو ذلك. وقال حذاق العلماء: معناه ثقيل المعاني من الأمر بالطاعات والتكاليف الشرعية من الجهاد ومزاولة الأعمال الصالحة دائمة، قال الحسن: إن الهذ خفيف ولكن العمل ثقيل. وقوله تعالى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً، قال ابن جبير وابن زيد هي لفظة حبشية نشأ الرجل إذا قام من الليل، ف ناشِئَةَ على هذا، جمع ناشئ، أي قائم، وأَشَدُّ وَطْئاً معناه ثبوتا واستقلالا بالقيام، وَأَقْوَمُ قِيلًا، أي بخلو أفكارهم وإقبالهم على ما يقرأونه.
وقال ابن عمر وأنس بن مالك وعلي بن الحسين: ناشِئَةَ اللَّيْلِ ما بين المغرب والعشاء، وقالت عائشة ومجاهد: القيام بعد النوم، ومن قام أول الليل قبل النوم فلم يقم ناشئة، وقال ابن جبير وابن زيد