آيات من القرآن الكريم

إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا
ﭑﭒ ﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ

سورة المزمل
هى مكية إلا قوله تعالى: «وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا». وقوله: «إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ» إلى آخر السورة فمدنية.
وعدد آيها عشرون نزلت بعد سورة القلم.
ووجه اتصالها بما قبلها:
(١) أنه سبحانه ختم سورة الجن بذكر الرسل عليهم السلام، وافتتح هذه بما يتعلق بخاتمهم عليه السلام.
(٢) أنه قال فى السورة السالفة: «وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ» وقال فى هذه: «قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا».
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١ الى ٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤)
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩)

صفحة رقم 109

شرح المفردات
المزمل: أصله المتزمل من قولهم تزمل بثيابه إذا تلفف بها، ورتل القرآن:
أي اقرأه على تؤدة وتمهل مع تبيين حروفه، يقال ثغر رتل (بسكون التاء وكسرها) :
إذا كان مفلجا لا تتصل أسنانه بعضها ببعض، سنلقى عليك: أي سنوحى إليك، قولا ثقيلا: المراد به القرآن لما فيه من التكاليف الشاقة على المكلفين عامة وعلى الرسول خاصة، لأنه يتحملها بنفسه ويبلغها إلى أمته، ناشئة الليل: هى النفس التي تنشأ من مضجعها للعبادة: أي تنهض وترتفع من قولهم نشأت السحابة إذا ارتفعت وطأ: أي مواطأة وموافقة من قولهم واطأت فلانا على كذا إذا وافقته عليه ومنه قوله تعالى: «لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ» أي ليوافقوا، أقوم قليلا: أي أثبت قراءة، لحضور القلب وهدوء الأصوات، سبحا طويلا: أي تقلبا وتصرفا فى مهامّ أمورك، واشتغالا بشواغلك، فلا تستطيع أن تتفرغ للعبادة، فعليكها فى الليل، وأصل السبح: السير السريع فى الماء، واذكر اسم ربك: أي ودم على ذكره ليلا ونهارا، وتبتل إليه تبتيلا: أي انقطع عن كل شىء إلى أمر الله وطاعته، واتخذه وكيلا: أي وفوض كل أمر إليه.
المعنى الجملي
قال ابن عباس: أول ما جاء جبريل النبي ﷺ خافه وظن أن به مسّا من الجن، فرجع من الجبل مرتعدا وقال: زمّلونى زمّلونى، فبينا هو كذلك إذ جاءه جبريل وناداه. «يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ»
ثم أمره بترتيل القرآن وقراءته بتؤدة وتأنّ، ثم أخبره بأنه سيلقى عليه قرآنا فيه التكاليف الشاقة على المكلفين، وأن النهوض للعبادة بالليل شديد الوطأة ولكنه أقوم لقراءة القرآن لحضور القلب، أما قراءته فى النهار فتكون مع اشتغال

صفحة رقم 110

النفوس بأحوال الدنيا، ثم أمره بذكر ربه والانقطاع إليه بالعبادة، وتفويض أموره كلها إليه.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) أي يا أيها النبي المتزمل بثيابه، المتهيئ للصلاة، دم عليها الليل كله إلا قليلا.
ثم فسر هذا القليل بقوله:
(نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) أي إلا قليلا وهو النصف أو انقص من النصف أو زد على النصف إلى الثلثين، فهو قد خير بين الثلث والنصف والثلثين.
وقصارى ذلك- أنه أمر أن يقوم نصف الليل أو يزيد عليه قليلا أو ينقص منه قليلا، ولا حرج عليه فى واحد من الثلاثة.
وبعد أن أمره بقيام الليل للصلاة أمره بترتيل القرآن فقال:
(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) أي اقرأه على تمهل، فإنه أعون على فهمه وتدبره، وكذلك كان صلوات الله عليه، قالت عائشة رضى الله عنها: كان يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها،
وجاء فى الحديث: «زيّنوا القرآن بأصواتكم، ولقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود، يعنى أبا موسى الأشعري، فقال أبو موسى: لو كنت أعلم أنك كنت تسمع قراءتى لحبّرته لك تحبيرا».
وأخرج العسكري فى كتابه المواعظ عن على كرم الله وجهه «أن رسول الله ﷺ سئل عن هذه الآية فقال: بينه تبيينا ولا تنثره نثر الدّقل:
(أردأ التمر) ولا تهذّه: (لا تسرع به) هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة»
.
وعن عبد الله بن مغفل قال: «رأيت رسول الله ﷺ يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة الفتح فرجّع فى قراءته» أخرجه الشيخان.

صفحة رقم 111

وعن جابر قال: «خرج علينا رسول الله ﷺ ونحن نقرأ القرآن وفينا العربي والعجمي فقال: اقرءوا وكلّ حسن، وسيجيئ أقوام يقيمونه كما يقام القدح: (السهم) يتعجلونه ولا يتأجلونه، لا يجاوز تراقيهم» رواه أبو داود.
قال فى فتح البيان: والمقصود من الترتيل إنما هو حضور القلب عند القراءة لا مجرد إخراج الحروف من الحلقوم بتعويج الوجه والفم وألحان الغناء كما يعتاده قرّاء هذا الزمان من أهل مصر وغيرها فى مكة المكرمة وغيرها، بل هو بدعة أحدثها البطالون الأكالون والحمقى الجاهلون بالشرائع وأدلتها الصادقة، وليس هذا بأول قارورة كسرت فى الإسلام اه.
والحكمة فى الترتيل: التمكن من التأمل فى حقائق الآيات ودقائقها، فعند الوصول إلى ذكر الله يستشعر عظمته وجلاله، وعند الوصول إلى الوعد والوعيد يحصل الرجاء والخوف ويستنير القلب بنور الله- وبعكس هذا فإن الإسراع فى القراءة يدل على عدم الوقوف على المعاني، والنفس تبتهج بذكر الأمور الروحية، ومن سرّ بشىء أحب ذكره كما أن من أحب شيئا لا يحب أن يمر عليه مسرعا.
ثم أتى بحملة معترضة بين الأمر بالقيام وتعليله الآتي ليبين سهولة ما كلّفه من القيام فقال:
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) أي إنا سننزل عليك القرآن وفيه الأمور الشاقة عليك وعلى أتباعك من أوامر ونواه، فلا تبال بهذه المشقة وامرن عليها لما بعدها.
وقال الحسن بن الفضل: ثقيلا أي لا يحمله إلا قلب مؤيد بالتوفيق، ونفس مزينة بالتوحيد، وقال ابن زيد: هو والله ثقيل مبارك، كما ثقل فى الدنيا يثقل فى الميزان يوم القيامة.
وقد يكون المراد- إنه ثقيل فى الوحى
فقد جاء فى حديث البخاري ومسلم: «إن الوحى كان يأتيه ﷺ أحيانا فى مثل صلصلة الجرس، وهذا أشده

صفحة رقم 112

عليه، فيفصم عنه (يفارقه) وقد وعى ما قال. وأحيانا يتمثل له الملك رجلا فيكلمه فيعى ما يقول، وكان ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقا»
يجرى عرقه كما يجرى الدم من الفاصد.
ثم علل الأمر بقيام الليل فقال:
(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا) أي لأن قيام الليل أشد مواطأة وموافقة بين القلب واللسان، وأجمع للخاطر فى أداء القراءة وتفهمها، وهو أفرغ للقلب من النهار، لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات والبحث عن أمور المعاش، ومن ثم قال:
(إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا) أي إن لك فى النهار تقلّبا وتصرفا فى مهامّ أمورك واشتغالا بشواغلك، فلا تستطيع أن تتفرغ فيه للعبادة، فعليك بالتهجد، فإن مناجاة الرب يعوزها الفراغ والتخلي عن العمل.
ثم أمر رسوله بمداومة الذكر والإخلاص له فقال:
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) أي ودم على ذكره ليلا ونهارا بالتسبيح والتهليل والتحميد والصلاة وقراءة القرآن، وانقطع إليه بالعبادة، وجرد إليه نفسك وأعرض عما سواه.
ونحو الآية قوله: «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ» أي فإذا فرغت من شئونك، فانصب فى طاعته وعبادته، لتكون فارغ القلب، خاليا من الهواجس والوساوس الدنيوية.
ثم بين السبب فى الأمر بالذكر والتبتل فقال:
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) أي هو المالك المتصرف فى المشارق والمغارب، لا إله إلا هو، فعليك أن تتوكل عليه فى جميع أمورك.
ونحو الآية قوله: «فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ». وقوله: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ».

صفحة رقم 113
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية