آيات من القرآن الكريم

إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا
ﭑﭒ ﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ

نَظَرٌ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: قَرَأَ يَعْقُوبُ لِيُعْلَمَ بِالضَّمِّ أي ليعلم الناس أن الرسل قد أبلغوا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ قَوْلٌ حَكَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي زَادِ الْمَسِيرِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْفَظُ رُسُلَهُ بِمَلَائِكَتِهِ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ أَدَاءِ رسالاته ويحفظ ما ينزله إِلَيْهِمْ مِنَ الْوَحْيِ لِيَعْلَمَ أَنَّ قَدْ أَبْلَغُوا رسالات ربهم، ويكون ذلك كقوله تَعَالَى: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ [البقرة: ١٤٣] وكقوله تعالى:
وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ [الْعَنْكَبُوتِ: ١١] إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا قَطْعًا لَا مَحَالَةَ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ هَذَا وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً. آخر تفسير سورة الجن، ولله الحمد والمنة.
تَفْسِيرُ
سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ قَالَ الْحَافِظُ أبو بكر بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عن جابر قَالَ: اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ فِي دَارِ النَّدْوَةِ فَقَالُوا: سموا هذا الرجل اسما يصد النَّاسُ عَنْهُ، فَقَالُوا: كَاهِنٌ. قَالُوا: لَيْسَ بِكَاهِنٍ. قَالُوا: مَجْنُونٌ. قَالُوا: لَيْسَ بِمَجْنُونٍ. قَالُوا: سَاحِرٌ.
قَالُوا: لَيْسَ بِسَاحِرٍ، فَتَفَرَّقَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى ذَلِكَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَمَّلَ فِي ثِيَابِهِ وَتَدَثَّرَ فِيهَا. فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [الْمُدَّثِّرُ: ١] ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: مُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العلم واحتملوا حديثه لكنه تَفَرَّدَ بِأَحَادِيثَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١ الى ٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤)
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩)
يَأْمُرُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَ التَّزَمُّلَ وَهُوَ التَّغَطِّي فِي اللَّيْلِ وَيَنْهَضَ إِلَى الْقِيَامِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [السَّجْدَةِ: ١٦] وكذلك كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمْتَثِلًا مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقَدْ كان واجبا

صفحة رقم 260

عَلَيْهِ وَحْدَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الْإِسْرَاءِ: ٧٩] وَهَاهُنَا بَيَّنَ لَهُ مِقْدَارَ مَا يَقُومُ فَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ يَعْنِي يَا أَيُّهَا النَّائِمُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمُزَّمِّلُ فِي ثِيَابِهِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: نَزَلَتْ وَهُوَ مُتَزَمِّلٌ بِقَطِيفَةٍ، وَقَالَ شَبِيبُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قَالَ: يا محمد زملت القرآن وقوله تعالى: نِصْفَهُ بَدَلٌ مِنَ اللَّيْلِ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ أَيْ أَمَرْنَاكَ أَنْ تَقُومَ نِصْفَ اللَّيْلِ بِزِيَادَةٍ قَلِيلَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ قَلِيلٍ لَا حَرَجَ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا أَيِ اقْرَأْهُ عَلَى تَمَهُّلٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَوْنًا عَلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ. وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، قالت عائشة رضي الله عنها: كَانَ يَقْرَأُ السُّورَةَ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلِ مِنْهَا. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «١» عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَتْ مَدًّا ثُمَّ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ الرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ الرَّحِيمِ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ أم سلمة رضي الله عنها أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الْفَاتِحَةِ: ١- ٤] «٢» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يقال لقارئ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا» «٤» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ التَّفْسِيرِ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّرْتِيلِ وَتَحْسِينِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ «٥» وَ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» «٦» و «لقد أوتي

(١) كتاب فضائل القرآن باب ٢٩.
(٢) أخرجه أبو داود في الحروف باب ١، والترمذي في ثواب القرآن باب ٢٣، وأحمد في المسند ٦/ ٣٠٢.
(٣) المسند ٢/ ١٩٢.
(٤) أخرجه أبو داود في الوتر باب ٢٠، والترمذي في ثواب القرآن باب ١٨.
(٥) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٥٢، وأبو داود في الوتر باب ٢٠، والنسائي في الافتتاح باب ٨٣، وابن ماجة في الإقامة باب ١٧٦، والدارمي في فضائل القرآن باب ٣٤، وأحمد في المسند ٤/ ٢٨٣، ٢٨٥، ٢٩٦، ٣٠٤.
(٦) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٤٤، وأبو داود في الوتر باب ٢٠، والدارمي في الصلاة باب ١٧١، وفضائل القرآن باب ٣٤، وأحمد في المسند ١/ ١٧٢، ١٧٥، ١٧٩.

صفحة رقم 261

هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ» «١» يَعْنِي أَبَا مُوسَى، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ كُنْتَ تَسْمَعُ قِرَاءَتِي لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا: وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الرَّمْلِ وَلَا تَهُذُّوهُ هَذَّ «٢» الشِّعْرِ، قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ وَلَا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ، رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ. فَقَالَ هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ، فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي ركعة «٣».
وقوله تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: أَيِ الْعَمَلُ بِهِ وَقِيلَ: ثَقِيلٌ وَقْتَ نُزُولِهِ مِنْ عَظَمَتِهِ، كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثابت رضي الله عنه: أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَكَادَتْ تَرُضُّ فَخِذِي «٤».
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٥» : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ تُحِسُّ بِالْوَحْيِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْمَعُ صَلَاصِلَ ثُمَّ أَسْكُتُ عِنْدَ ذَلِكَ فَمَا مِنْ مَرَّةٍ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا ظَنَنْتُ أَنَّ نَفْسِي تُقْبَضُ» تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَفِي أَوَّلِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فقال: «أحيانا يأتي فِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ» قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا «٦»، هَذَا لَفْظُهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٧» : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: إِنْ كَانَ لِيُوحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَتَضْرِبُ بِجِرَانِهَا «٨»، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٩» : حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابن ثور عن معمر عن

(١) أخرجه البخاري في فضائل القرآن باب ٣١، ومسلم في المسافرين حديث ٢٣٥، ٢٣٦.
(٢) أي لا تسرعوا في قراءته كما تسرعوا في قراءة الشعر، والهذّ: سرعة القطع.
(٣) أخرجه البخاري في الأذان باب ١٠٦، وأحمد في المسند ١/ ٤١٧. [.....]
(٤) أخرجه البخاري في الصلاة باب ١٢، وتفسير سورة ٤، باب ١٨.
(٥) المسند ٢/ ٢٢٢.
(٦) أخرجه البخاري في بدء الوحي باب ٢.
(٧) المسند ٦/ ١١٨.
(٨) الجران: باطن العنق، والمعنى: أنها تثبت في مكانها.
(٩) تفسير الطبري ١٢/ ٢٨٠.

صفحة رقم 262

هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَضَعَتْ جِرَانَهَا، فَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَحَرَّكَ حَتَّى يُسَرَّى عَنْهُ وَهَذَا مُرْسَلٌ، الْجِرَانُ هُوَ بَاطِنُ الْعُنُقِ، وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّهُ ثَقِيلٌ مِنَ الْوَجْهَيْنِ مَعًا، كَمَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، كَمَا ثَقُلَ فِي الدُّنْيَا ثَقُلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ في الموازين.
وقوله تعالى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَشَأَ، قَامَ بِالْحَبَشَةِ، وَقَالَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ: اللَّيْلُ كُلُّهُ نَاشِئَةٌ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، يُقَالُ نَشَأَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ وَقَتَادَةُ وَسَالِمٌ وَأَبُو حَازِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرُ: وَالْغَرَضُ أَنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ سَاعَاتُهُ وَأَوْقَاتُهُ وَكُلُّ سَاعَةٍ مِنْهُ تُسَمَّى نَاشِئَةً وَهِيَ الْآنَّاتُ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ هُوَ أَشَدُّ مُوَاطَأَةً بَيْنَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَأَجْمَعُ عَلَى التلاوة، ولهذا قال تعالى: هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا أَيْ أَجْمَعُ لِلْخَاطِرِ فِي أَدَاءِ الْقِرَاءَةِ وَتَفَهُّمِهَا مِنْ قِيَامِ النَّهَارِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِشَارِ النَّاسِ وَلَغَطِ الْأَصْوَاتِ وأوقات المعاش، وقال الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وَأَصْوَبُ قِيلًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّمَا نَقْرَؤُهَا وَأَقْوَمُ قِيلًا، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَصْوَبَ وَأَقْوَمَ وأهيأ وأشباه هذا واحد.
ولهذا قال تعالى: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ: الفراغ والنوم، وقال أبو العالية ومجاهد وأبو مَالِكٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: فَرَاغًا طَوِيلًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: فَرَاغًا وَبُغْيَةً وَمُنْقَلَبًا. وَقَالَ السُّدِّيُّ سَبْحاً طَوِيلًا تَطَوُّعًا كَثِيرًا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ في قوله تعالى: سَبْحاً طَوِيلًا قَالَ:
لِحَوَائِجِكَ فَأَفْرِغْ لِدِينِكَ اللَّيْلَ، قَالَ وَهَذَا حِينَ كَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَرِيضَةً ثم إن الله تبارك وتعالى منّ على عباده فَخَفَّفَهَا وَوَضَعَهَا وَقَرَأَ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا إلى آخر الآية ثم قرأ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ- حتى بلغ- فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ اللَّيْلَ نِصْفَهُ أَوْ ثُلْثَهُ ثُمَّ جَاءَ أَمْرٌ أُوْسَعُ وَأَفْسَحُ وَضَعَ الْفَرِيضَةَ عنه وعن أمته فقال وقال تَعَالَى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الْإِسْرَاءِ: ٧٩] وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ كَمَا قَالَهُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» فِي مُسْنَدِهِ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبِيعَ عَقَارًا لَهُ بِهَا، وَيَجْعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ ثُمَّ يُجَاهِدُ الرُّومَ حَتَّى يَمُوتَ، فَلَقِيَ رَهْطًا مِنْ قَوْمِهِ فَحَدَّثُوهُ أَنَّ رَهْطًا مِنْ قَوْمِهِ سِتَّةً أَرَادُوا ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم فقال: «أليس

(١) المسند ٦/ ٥٤.

صفحة رقم 263

لكم فيّ أسوة حسنة؟» فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَأَشْهَدَهُمْ عَلَى رَجْعَتِهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ عَنِ الْوِتْرِ فَقَالَ: أَلَّا أُنَبِّئُكَ بِأَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: ائْتِ عَائِشَةَ فسلها ثُمَّ ارْجِعْ إِلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بِرَدِّهَا عَلَيْكَ. قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ فَاسْتَلْحَقْتُهُ إِلَيْهَا «١» فَقَالَ: مَا أَنَا بِقَارِبِهَا «٢» إِنِّي نَهَيْتُهَا أَنْ تَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشِّيعَتَيْنِ «٣» شَيْئًا فَأَبَتْ فِيهِمَا إِلَّا مُضِيًّا، فَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ فَجَاءَ مَعِي فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا فَقَالَتْ: حَكِيمٌ وَعَرَفَتْهُ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَتْ: من هذا الذي مَعَكَ؟ قَالَ: سَعِيدُ بْنُ هِشَامٍ. قَالَتْ: مَنْ هشام؟ قال: ابن عامر. قالت:
فترحمت عليه وقالت: نعم المرء كان عامرا. قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتِ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ ثُمَّ بَدَا لِي قِيَامُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ قيام رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتِ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه حَوْلًا حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا فِي السَّمَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ التَّخْفِيفَ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا مِنْ بَعْدِ فَرِيضَةٍ.
فَهَمَمْتُ أَنْ أَقْوَمَ ثُمَّ بَدَا لِي وِتْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتِ: كُنَّا نَعُدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ لِمَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَتَسَوَّكُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ ثم يصلي ثمان ركعات ولا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إِلَّا عِنْدَ الثَّامِنَةِ، فَيَجْلِسُ وَيَذْكُرُ ربه تعالى ويدعو ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقول ليصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله وحده ثم يدعوه ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ، فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ، فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيَّ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا شَغَلَهُ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ أَوْ مَرَضٌ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلَا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ وَلَا قَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ. فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِهَا فَقَالَ: صَدَقَتْ أَمَا لَوْ كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَيْهَا لَأَتَيْتُهَا حَتَّى تُشَافِهَنِي مُشَافَهَةً، هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِتَمَامِهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ «٤» فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ بنحوه.
[طريق أخرى عن عائشة رضي الله عنها فِي هَذَا الْمَعْنَى] قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٥» : حَدَّثَنَا ابن وكيع،

(١) استلحقته إليها: أي طلبت منه مرافقته إياي في الذهاب إليها.
(٢) ما أنا بقاربها: أي لن اقترب منها، أو لا أريد قربها.
(٣) أي أصحاب الجمل وشيعة علي.
(٤) كتاب المسافرين حديث ١٣٩.
(٥) تفسير الطبري ١٢/ ٢٧٩.

صفحة رقم 264

حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مِهْرَانُ قَالَا جَمِيعًا، وَاللَّفْظُ لِابْنِ وَكِيعٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ طحلاء عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها قَالَتْ: كُنْتُ أَجْعَلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصِيرًا يُصَلِّي عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ فَتَسَامَعَ النَّاسُ بِهِ فَاجْتَمَعُوا فَخَرَجَ كَالْمُغْضَبِ، وَكَانَ بِهِمْ رَحِيمًا، فَخَشِيَ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِمْ قِيَامُ اللَّيْلِ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ اكْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ مِنَ الثَّوَابِ حَتَّى تَمَلُّوا مِنَ الْعَمَلِ وَخَيْرُ الْأَعْمَالِ مَا دِيمَ عَلَيْهِ» وَنَزَلَ الْقُرْآنُ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يَرْبِطُ الْحَبْلَ وَيَتَعَلَّقُ، فَمَكَثُوا بِذَلِكَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ فَرَأَى اللَّهُ مَا يَبْتَغُونَ مِنْ رِضْوَانِهِ فَرَحِمَهُمْ فَرَدَّهُمْ إِلَى الْفَرِيضَةِ وَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ بِدُونِ زِيَادَةِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ وَهَذَا السِّيَاقُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ نُزُولَ هَذِهِ السُّورَةِ بِالْمَدِينَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ مَكِّيَّةٌ وَقَوْلُهُ فِي هَذَا السِّيَاقِ إِنَّ بَيْنَ نُزُولِ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ غَرِيبٌ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا سَنَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ أَوَّلُ الْمُزَّمِّلِ كَانُوا يَقُومُونَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا قَرِيبٌ مِنْ سَنَةٍ، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِهِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ بَيْنَهُمَا سَنَةٌ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مِهْرَانُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قَامُوا حَوْلًا حتى ورت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ قَالَ: فَاسْتَرَاحَ النَّاسُ. وَكَذَا قال الحسن الْبَصْرِيِّ وَالسُّدِّيُّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: فَقُلْتُ يَعْنِي لِعَائِشَةَ أَخْبِرِينَا عَنْ قيام رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتِ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُلْتُ بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّهَا كَانَتْ قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ وَحُبِسَ آخِرُهَا فِي السَّمَاءِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ نَزَلَ، وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا قَامُوا حَوْلًا أَوْ حَوْلَيْنِ حَتَّى انْتَفَخَتْ سُوقُهُمْ وَأَقْدَامُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تخفيفها بعد في آخر السورة.

(١) تفسير الطبري ١٢/ ٢٨٠.

صفحة رقم 265
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية