آيات من القرآن الكريم

نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا
ﭑﭒ ﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة المزمل عليه السلام
وهي عشرون آية مكية
[سورة المزمل (٧٣) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُزَّمِّلِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَصْلُهُ الْمُتَزَمِّلُ بِالتَّاءِ وَهُوَ الَّذِي تَزَمَّلَ بِثِيَابِهِ أَيْ تَلَفَّفَ بِهَا، فَأُدْغِمَ التَّاءُ فِي الزَّايِ، وَنَحْوُهُ الْمُدَّثِّرُ فِي الْمُتَدَثِّرِ، وَاخْتَلَفُوا لِمَ تَزَمَّلَ بِثَوْبِهِ؟ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوَّلُ مَا جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَافَهُ وَظَنَّ أَنَّ بِهِ مَسًّا مِنَ الْجِنِّ، فَرَجَعَ مِنَ الْجَبَلِ مُرْتَعِدًا وَقَالَ: زَمِّلُونِي، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ جِبْرِيلُ وَنَادَاهُ وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ وَثَانِيهَا: قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّمَا تَزَمَّلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِثِيَابِهِ لِلتَّهَيُّؤِ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ نَائِمًا بِاللَّيْلِ مُتَزَمِّلًا فِي قَطِيفَةٍ فَنُودِيَ بِمَا يُهْجِنُ تِلْكَ الْحَالَةَ، وَقِيلَ: يَا أَيُّهَا النَّائِمُ الْمُتَزَمِّلُ بِثَوْبِهِ قُمْ وَاشْتَغِلْ بِالْعُبُودِيَّةِ وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ كَانَ مُتَزَمِّلًا فِي مِرْطٍ لِخَدِيجَةَ مُسْتَأْنِسًا بِهَا فَقِيلَ لَهُ: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ كَأَنَّهُ قِيلَ: اتْرُكْ نَصِيبَ النَّفْسِ وَاشْتَغِلْ بِالْعُبُودِيَّةِ وَخَامِسُهَا: قَالَ عِكْرِمَةُ: يَا أَيُّهَا الَّذِي زُمِّلَ أَمْرًا عَظِيمًا أَيْ حَمَلَهُ وَالزَّمْلُ الْحَمْلُ، وَازْدَمَلَهُ احْتَمَلَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَرَأَ عكرمة الْمُزَّمِّلُ والْمُدَّثِّرُ [المدثر: ١] بِتَخْفِيفِ الزَّايِ وَالدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالثَّاءِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ كَانَ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِيرُ يَا أَيُّهَا الْمُزَمِّلُ نَفْسَهُ وَالْمُدَثِّرُ نَفْسَهُ وَحَذْفُ الْمَفْعُولِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ فَصِيحٌ قَالَ تَعَالَى: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النَّمْلِ:
٢٣] أَيْ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ الْمَفْعُولِ كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ زَمَّلَ نَفْسَهُ أَوْ زَمَّلَهُ غَيْرُهُ، وَقُرِئَ (يَا أيها المتزمل) على الأصل.
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ٢ الى ٤]
قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُمِ اللَّيْلَ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ كَانَ فَرِيضَةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ: قُمِ اللَّيْلَ وَظَاهِرُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ ثُمَّ نُسِخَ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ النَّسْخِ عَلَى وُجُوهٍ أَوَّلُهَا: أَنَّهُ كَانَ فَرْضًا قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ

صفحة رقم 681

الْخَمْسُ ثُمَّ نُسِخَ بِهَا وَثَانِيهَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ/ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ فَكَانَ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى وَكَمْ بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ فَكَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ مَخَافَةَ أَنْ لَا يَحْفَظَ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ حَتَّى وَرِمَتْ أَقْدَامُهُمْ وَسُوقُهُمْ، فَنَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ هَذِهِ السورة: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [الْمُزَّمِّلِ: ٢٠] وَذَلِكَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِ هَذَا الْإِيجَابِ وَبَيْنَ نَسْخِهِ سَنَةً، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: إِنَّ إِيجَابَ هَذَا كَانَ بِمَكَّةَ وَنَسْخَهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الْقَدْرُ أَيْضًا بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ فِي هَذَا القول نسخ وجوب التهجد بقوله: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل: ٢٠] ثُمَّ نُسِخَ هَذَا بِإِيجَابِ الصَّلَوَاتِ، وَفِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نُسِخَ إِيجَابُ التَّهَجُّدِ بِإِيجَابِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ابْتِدَاءً، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: التَّهَجُّدُ مَا كَانَ وَاجِبًا قَطُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ وُجُوهٌ أَوَّلُهَا: قَوْلُهُ:
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [الْإِسْرَاءِ: ٧٩] فَبَيِّنَ أَنَّ التَّهَجُّدَ نَافِلَةٌ لَهُ لَا فَرْضٌ، وَأَجَابَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى زِيَادَةُ وُجُوبٍ عَلَيْكَ وَثَانِيهَا: أَنَّ التَّهَجُّدَ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الرَّسُولِ لَوَجَبَ عَلَى أُمَّتِهِ لِقَوْلِهِ: وَاتَّبِعُوهُ [الْأَعْرَافِ: ١٥٨] وَوُرُودُ النَّسْخِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَثَالِثُهَا: اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ بِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ:
نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ فَفَوَّضَ ذَلِكَ إِلَى رَأْيِ الْمُكَلَّفِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ وَاجِبًا وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَقُولَ: أَوْجَبْتُ عَلَيْكَ قِيَامَ اللَّيْلِ فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فَذَاكَ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِكَ، ثُمَّ إِنَّ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ أَجَابُوا عَنِ التَّمَسُّكِ بِقَوْلِهِ: قُمِ اللَّيْلَ وَقَالُوا ظَاهِرُ الْأَمْرِ يُفِيدُ النَّدْبَ، لِأَنَّا رَأَيْنَا أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى تَارَةً تُفِيدُ النَّدْبَ وَتَارَةً تُفِيدُ الْإِيجَابَ، فَلَا بُدَّ مِنْ جَعْلِهَا مُفِيدَةً لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا تَرْجِيحُ جَانِبِ الْفِعْلِ عَلَى جَانِبِ التَّرْكِ، وَأَمَّا جَوَازُ التَّرْكِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِمُقْتَضَى الْأَصْلِ، فَلَمَّا حَصَلَ الرُّجْحَانُ بِمُقْتَضَى الْأَمْرِ وَحَصَلَ جَوَازُ التَّرْكِ بِمُقْتَضَى الْأَصْلِ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمَنْدُوبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَرَأَ أَبُو السَّمَّالِ قُمِ اللَّيْلَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَغَيْرُهُ بِضَمِّ الْمِيمِ، قَالَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّيٍّ:
الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْحَرَكَةِ الْهَرَبُ مِنَ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، فَأَيُّ الْحَرَكَاتِ تُحَرِّكُ فَقَدْ حَصَلَ الْغَرَضُ وَحَكَى قُطْرُبٌ عَنْهُمْ: قُمِ اللَّيْلَ وقُلِ الْحَقُّ [الكهف: ٢٩] بِرَفْعِ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَبِعُ الثَّوْبَ ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَسَرَ فَعَلَى أَصْلِ الْبَابِ وَمَنْ ضَمَّ أَتْبَعَ وَمَنْ فَتَحَ فَقَدْ مَالَ إِلَى خِفَّةِ الفتح.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَعِنْدِي فِيهِ وَجْهَانِ مُلَخَّصَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: إِلَّا قَلِيلًا الثُّلُثُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ [المزمل: ٢٠] فَهَذِهِ الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْمَقَادِيرِ الْوَاجِبَةِ الثُّلْثَانِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَوْمَ الثُّلُثِ جَائِزٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا/ قَلِيلًا هُوَ الثُّلُثُ، فَإِذًا قَوْلُهُ:
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا مَعْنَاهُ قُمْ ثُلْثَيِ اللَّيْلِ ثُمَّ قَالَ: نِصْفَهُ وَالْمَعْنَى أَوْ قُمْ نِصْفَهُ، كَمَا تَقُولُ: جَالِسِ الْحَسَنَ أَوِ ابْنَ سِيرِينَ، أَيْ جَالِسْ ذَا أَوْ ذَا أَيُّهُمَا شِئْتَ، فَتَحْذِفُ وَاوَ الْعَطْفِ فَتَقْدِيرُ الْآيَةِ: قُمِ الثُّلُثَيْنِ أَوْ قُمِ النِّصْفَ أَوِ انْقُصْ مِنَ النِّصْفِ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الثُّلُثَانِ أَقْصَى الزِّيَادَةِ، وَيَكُونُ الثُّلُثُ أَقْصَى النُّقْصَانِ، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ هُوَ الثُّلُثُ، وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ يَكُونُ مَنْدُوبًا، فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَلْزَمُكُمْ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَرَكَ

صفحة رقم 682
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية