آيات من القرآن الكريم

إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا
ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

يقول تعالى :﴿ إِنَّ هذه ﴾ أي السورة ﴿ تَذْكِرَةٌ ﴾ أي يتذكر بها أولو الألباب، ولهذا قال تعالى :﴿ فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾ أي ممن شاء الله تعالى هدايته، ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ الليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الذين مَعَكَ ﴾ أي تارة هكذا وتارة هكذا، وذلك كله من غير قصد منكم، ولكن لا تقدرون على المواظبة على ما أمركم به من قيام الليل، لأنه يشق عليكم، ولهذا قال :﴿ والله يُقَدِّرُ الليل والنهار ﴾ أي تارة يعتدلان، وتارة يأخذ هذا من هذا، وهذا من هذا، ﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ ﴾ أي الفرض الذي أوجبه عليكم ﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن ﴾ أي من غير تحديد بوقت، أي ولكن قوموا من الليل ما تيسر، وعبر عن الصلاة بالقراءة كما قال :﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ ﴾ [ الإسراء : ١١٠ ] أي بقراءتك ﴿ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾ [ الإسراء : ١١٠ ]، وقد استدل أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية وهي قوله :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن ﴾ على أنه لا يجب تعين قراءة الفاتحة في الصلاة، واعتضد بحديث المسيء صلاته :« ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن »، وقد أجاب الجمهور بحديث عبادة من الصامت أن رسول الله ﷺ قال :« لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » وعن أبي هريرة مرفوعاً :« لا تجزىء صلاة من لم يقرأ بأُمّ القرآن » وقوله تعالى :﴿ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله ﴾ أي علم أن سيكون من هذه الأمة ذوو أعذار، من مرضى لا يستطيعون القيام ومسافرين يبتغون من فضل الله في المكاسب والمتاجر، وآخرين مشغولين بالغزو في سبيل الله، ولهذا قال تعالى :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ أي قوموا بما تيسرعليكم منه، روى ابن جرير، عن أبي رجاء قال : قلت للحسن : يا أبا سعيد ما تقول في رجل قد استظهر القرآن كله عن ظهر قلبه، ولا يقوم به إنما يصلي المكتوبة؟ قال : يتوسد القرآن لعن الله ذاك، قال الله تعالى للعبد الصالح :﴿ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ ﴾ [ يوسف : ٦٨ ]، ﴿ وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تعلموا أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ ﴾ [ الأنعام : ٩١ ]، قلت : يا أبا سعيد قال الله تعالى :﴿ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن ﴾، قال : نعم، ولو خمس آيات، وهذا ظاهر من مذهب الحسن البصري، أنه كان يرى حقاً واجباً على حملة القرآن، أن يقوموا ولو بشيء منه في الليل، ولهذا جاء في الحديث أن رسول الله ﷺ « سئل عن رجل نام حتى أصبح؟ قال :» ذاك رجُل بال الشيطان في أُذنه « »

صفحة رقم 2628

، فقيل : معناه نام عن المكتوبة، وقيل : عن قيام الليل.
وقوله تعالى :﴿ وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة ﴾ أي أقيموا صلاتكم الواجبة عليكم وآتوا الزكاة المفروضة، وهذا يدل لمن قال بأن فرض الزكاة نزل بمكة، لكن مقادير النصب والمخرج لم تبين إلا بالمدينة والله أعلم. وقد قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد : إن هذه الآية نسخت الذي كان الله قد أوجبه على المسلمين أولاً من قيام الليل، وقد ثبت في الصحيحين « أن رسول الله ﷺ قال لذلك الرجل :» خمس صلوات في اليوم والليلة «، قال : هل عليّ غيرها؟ قال :» لا، إلا أن تطوّع « »، وقوله تعالى :﴿ وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضاً حَسَناً ﴾ يعني من الصدقات، فإن الله يجازي على ذلك أحسن الجزاء وأوفره كما قال تعالى :﴿ مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ﴾ [ البقرة : ٢٤٥ ]، وقوله تعالى :﴿ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ﴾ أي جميع ما تقدموه بين أيديكم فهو لكم حاصل، وهو خير مما أبقيتموه لأنفسكم في الدنيا، عن عبد الله بن مسعود قال رسول الله ﷺ :« » أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه؟ « قالوا : يا رسول الله، ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال :» اعلموا ما تقولون «، قالوا : ما نعلم إلا ذلك يا رسول الله، قال :» إنما مال أحدكم ما قدّم، ومال وارثه ما أخر « » ثم قال تعالى :﴿ واستغفروا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ أي أكثروا من ذكره واستغفاره في أموركم كلها، فإنه غفور رحيم لمن استغفر.

صفحة رقم 2629
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية