آيات من القرآن الكريم

فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ

لكونها أجساما عظاما أوتادا لها فاذا تزلزلت الأوتاد لم يبق للارض قرار وايضا ان زلزلة العلويات اظهر من زلزلة السفليات ومن زلزلتها تبلغ القلوب الحناجر خوفا من الوقوع وَكانَتِ الْجِبالُ من شدة الرجفة مع صلاتبها وارتفاعها كَثِيباً فى القاموس الكثيب التل من الرمل انتهى من كثب الثنيء إذا جمعه كأنه فعيل بمعنى مفعول فى أصله ثم صار اسما بالغلبة للرمل المجتمع مَهِيلًا اى كانت مثل رمل مجتمع هيل هيلا اى نثر واسيل بحيث لو حرك من أسفله انهال من أعلاه وسال لتفرق اجزائه كالعهن المنفوش ومثل وهذا الرمل يمر تحت الرجل ولا يتماسك فكونه متفرق الاجزاء منثورا سائلا لا ينافى كونه رملا مجتمعا وبالفارسية كوههاى سخت چون ريك روان شد از هيبت آن روز. فقوله مهيلا اسم مفعول من هال يهيل وأصله مهيول كمبيع من باع لا فعيل من مهل يمهل وخص الجبال بالتشبيه بالكثيب المهيل لان ذلك خاصة لها فان الأرض تكون مقررة فى مكانها بعد الرجفة دل عليه قوله تعالى ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا امتا والحاصل ان الأرض والجبال يدق بعضها ببعض كما قال تعالى وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فنرجع الجبال كثيبا مهبلا ثم ينسفها الريح فتصير هباء منبثا وتبقى الأرض مكانها ثم تبدل كما مر وفى التأويلات النجمية يوم ترجف ارض البشرية وجبال الانانية وكانت جبال انانية كل واحد رملا منثورا متفتتا شبه التعينات الاعتبارية الموهومة بالرمل لسرعة زوالها وانتثارها إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ يا اهل مكة شروع فى التخويف بأهوال الدنيا بعد تخويفهم بأهوال الآخرة رَسُولًا هو محمد عليه السلام وكونه مرسلا إليهم لا ينافى إرساله الى من عداهم فان مكة أم القرى فمن أرسل الى اهل مكة فقد أرسل الى اهل الدنيا جميعا ولذا نص الله تعالى عليه بقوله وما أرسلناك الا كافة للناس ليندفع أوهام اهل الوهم شاهِداً عَلَيْكُمْ يشهد يوم القيامة بما صدر عنكم من الكفر والعصيان وكذا يشهد على غيركم كما قال تعالى وجئنا بك على هؤلاء شهيدا كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا هو موسى عليه السلام لان هرون عليه السلام ردء له وتابع وعدم تعيينه لعدم دخله فى التشبيه وتخصيص فرعون لانه من رؤساء اولى النعمة المترفهين المتكبرين فبينه وبين قريش جهة جامعة ومشابهة حال ومناسبة سريرة فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ اى فعصى فرعون المعلوم حاله كبرا وتنعما الرسول الذي أرسلناه اليه ومحل الكاف النصب على انها صفة لمصدر محذوف اى انا أرسلنا إليكم رسولا فعصيتموه كما يعرب عنه قوله تعالى شاهدا عليكم إرسالا كائنا كما أرسلنا الى فرعون رسولا فعصاه بأن جحد رسالته ولم يؤمن به وفى إعادة فرعون والرسول مظهدين تفظيع لشأن عصيانه وان ذلك لكونه عصيان الرسول لا لكونه عصيان موسى وفى ترك ذكر ملأ فرعون اشارة الى ان كل واحد منهم كأنه فرعون فى نفسه لتمرده فَأَخَذْناهُ بسبب عصيانه أَخْذاً وَبِيلًا ثقيلا لا يطاق يعنى بآتش غرق كرديم واز راه آب بآتش برديم. والوبيل الثقيل الغليظ ومنه الوابل للمطر العظيم والكلام خارج عن التشبيه

صفحة رقم 215

جيئ به للتنبيه على انه سيحيق بهؤلاء ما حاق بأولئك لا محالة فَكَيْفَ تَتَّقُونَ قال ابن الشيخ مرتب على الإرسال فالعصيان وكان الظاهر أن يقدم على قوله كما أرسلنا الا انه أخر زيادة فى التهويل إذ علم من قوله فأخذناه انهم مأخوذون مثله وأشد فاذا قيل بعده فكيف تتقون كان ذلك زيادة كأنه قيل هبوا انكم لا تؤخذون فى الدنيا اخذة فرعون وأمثاله فكيف تتقون اى تقون أنفسكم فاتقى هاهنا مأخوذ بمعنى وقى المتعدى الى مفعولين دل عليه قول الامام البيهقي رحمه الله فى تاج المصادر الاتقاء حذر كردن وخود را نكاه داشتن انتهى. وافتعل يجيئ بمعنى فعل نص عليه الزمخشري فى المفصل وان كانت الامثلة لا تساعده فانه ليس وقى واتقى مثل جذب واجتذب وخطف واختطف فتأمل إِنْ كَفَرْتُمْ اى بقيتم على الكفر يَوْماً اى عذاب يوم فهو مفعول به لتتقون ويجوز أن يكون ظرفا اى فكيف لكم بالتقوى والتوحيد فى يوم القيامة ان كفرتم فى الدنيا اى لا سبيل اليه لفوات وقته فاتقى على حاله وكذا إذا انتصب بكفرتم على تأويل جحدتم اى فكيف تتقون الله وتخشون عقابه ان جحدتم يوم القيامة والجزاء يَجْعَلُ الْوِلْدانَ من شدة هوله وفظاعة ما فيه من الدواهي وهو صفة ليوما نسب الجعل الى اليوم للمبالغة فى شدته والا فنفس اليوم لا تأثير له البتة والولدان بالفارسية نوزادكان از مادر. جمع وليد يقال لمن قرب عهده بالولادة وان كان فى الأصل يصح إطلاقه على من قرب عهده بها ومن بعد شِيباً شيوخا يعنى پير كنند وموى سر ايشان سفيد سازد. جمع أشيب والشيب بياض الشعر وأصله ان يكون بضم الشين كحمر فى جمع احمر لان الضم يقتضى الواو فكسرت لاجل صيانة الياء فرقا بين مثل سود وبين مثل بيض وجعلهم شيوخا فيه وجوه. الاول انه محمول على الحقيقة كما ذهب اليه بعض اهل التفسير ويؤيده ما قال فى الكشاف وقد مربى فى بعض الكتب ان رجلا امسى فاحم الشعر كحلك الغراب اى سواده وأصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة بياضا وهو بفتح الثاء المثلثة وبالغين المعجمة نبت ابيض قال أريت القيامة والجنة والنار ورأيت الناس يقادون فى السلاسل الى النار فمن هول ذلك أصبحت كما ترون وقال احمد الدورقي مات رجل من جيراننا شابا فرأيته فى الليل وقد شاب فقلت وما قصتك قال دفن بشر فى مقبرتنا فزفرت جهنم زفرة شاب منها كل من فى المقبرة كما فى فصل الخطاب وبشر المريسي ومريس قرية بمصر أخذ الفقه عن أبى يوسف القاضي الا انه اشتغل بالكلام وقال بخلق القرآن وأضل خلقا كثيرا ببغداد فان قلت إيصال الألم والضرر الى الصبيان يوم القيامة غير جائز بل هم لكونهم غير مكلفين معصومون محفوظون عن كل خطر قلت قد يكون فى القيامة من هيبة المقام ما يجثوبه الأنبياء عليهم السلام على الركب فما ظنك بغيرهم من الأولياء والشيوخ والشبان والصبيان وفى الآية مبالغة وهى انه إذا كان ذلك اليوم يجعل الولدان شيبا وهم ابعد الناس من الشيخوخة لقرب عهد ولادتهم فغيرهم اولى بذلك وكذا فى القصة السابقة فان من شاب بمجرد الرؤيا فكيف حاله فى اليقظة وهو معاين من الأهوال ما يذوب تحته الجبال الرواسي. والثاني انه محمول

صفحة رقم 216
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية