آيات من القرآن الكريم

فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

وسيء الأعمال من الملموح في الأحاديث من تلك الحكمة كما هو الشأن في الآيات القرآنية.
[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١٥ الى ١٩]
إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩)
. (١) وبيلا: شديدا أو ثقيلا.
(٢) منفطر: متشقق ومتصدع.
الخطاب في الآيات موجه إلى سامعي القرآن أو المكذبين منهم وينطوي على الإنذار والزجر حيث:
١- يقرر لهم أن الله قد أرسل إليهم رسولا شاهدا عليهم كما سبق وأرسل إلى فرعون رسولا.
٢- ويذكرهم بمصير فرعون الذي عصى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذه الله أخذا شديدا.
٣- وينذرهم بيوم القيامة بأسلوب السؤال الإنكاري عن الوسيلة التي يتقون بها- إذا كفروا بالله وجحدوا رسالة رسوله- هول ذلك اليوم الذي يجعل الأطفال شيبا وتكون السماء فيه متصدعة.
٤- ويؤكد لهم أن هذا الوعد الرباني آت لا ريب فيه، لأن وعد الله صادق.
٥- ويقرر بأسلوب عام أن ما يسمعونه من إنذار ودعوة، هو تذكير وتنبيه وبلاغ. وأن الناس بعد ذلك موكولون إلى اختيارهم ومشيئتهم، فمن شاء اتعظ واتخذ إلى ربه سبيلا بالإيمان به وتصديق رسالة رسوله.

صفحة رقم 421

والآيات غير منفصلة عن السياق السابق موضوعا ولا نظما. وقد جاءت بأسلوب انتقال والتفات، وهو ما جرى عليه النظم القرآني.
والآية الأولى منها تحتوي أول تنزيل قرآني صريح في مهمة رسالة النبي صلّى الله عليه وسلم ونعته بنعت الرسول ثم توالى ذلك وتنوع حيث نعت بالنبي وبالنذير وبالبشير، وهي نعوت توضيحية لمهمة الرسالة.
تعليق على قصة موسى وفرعون
والإشارة إلى فرعون وموقفه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليه أولى إشارة قرآنية إلى أخبار ومواقف المكذبين الأولين عامة وفرعون خاصة.
واقتضاب الإشارة من جهة وأسلوب الآيتين الأوليين من جهة أخرى يدلان أولا على تلك الأولية، وثانيا على أن قصة موسى وفرعون ليست غريبة عن سامعي القرآن. ولقد ذكرت قصة موسى وفرعون بتفصيل كثير في سفر الخروج. وهو من أسفار العهد القديم. وكانت هذه الأسفار متداولة بين أيدي اليهود والنصارى في بيئة النبي. صلّى الله عليه وسلم. ولا بد من أن العرب غير الكتابيين قد سمعوا القصة منهم. ويبدو هدف الإنذار والتذكير للكفار في مضمون الآيات وأسلوبها واضحا وهو الهدف الرئيسي من الإشارة والقصة في القرآن. وقد سبقت بآيات تنديدية وإنذارية وألحق بها مثل ذلك جريا على أسلوب النظم القرآني الذي نوهنا به سابقا وفيه توكيد لذلك الهدف أيضا.
ولقد تكرر ورود قصة موسى وفرعون وأخبار بني إسرائيل وأنبيائهم أكثر من غيرهم من الأنبياء والأمم الأولين، كما أن هذه القصة والأخبار جاءت مسهبة أكثر من غيرها أيضا.
ولقد كانت كتلة كبيرة من بني إسرائيل مستوطنة في بيئة النبي عليه السلام منذ بضعة قرون قبل البعثة، وشغلوا حيزا كبيرا في هذه البيئة اجتماعيا ودينيا وثقافيا

صفحة رقم 422

واقتصاديا «١» وكان ذلك مما جعل أهل هذه البيئة يعرفون الشيء الكثير من قصة موسى وفرعون ومن أخبار بني إسرائيل وأنبيائهم، فاقتضت حكمة التنزيل أن يكثر الاستشهاد بذلك في معرض العظة والإنذار والتذكير والتأييد.
بيان مهمة الرسول صلّى الله عليه وسلم
وفي الآية الأخيرة شرح موجز وضمني لمهمة الرسول ومداها. فالرسول مذكر وداع إلى الله. والناس بعد ذلك موكولون إلى قابلية الاختيار وقوة التمييز اللتين أو دعهما الله فيهم فمن شاء اختار طريق الهدى واتخذ إلى ربه سبيلا فكان سعيدا ناجيا. وهكذا تكون الآية في نفس الوقت قد تضمنت تقرير قابلية الإنسان وقدرته على التمييز والاختيار. وهذا وذاك من المبادئ القرآنية المحكمة التي تكرر تقريرها بأساليب متنوعة على ما سنشير إليه في مناسباته. وهو المتسق مع حكمة الله في إرسال الرسل وتبشير المؤمنين وإنذار الكافرين كما هو واضح.
ولقد رأينا المستشرق الطلياني كايتاني في كتابه «تاريخ الإسلام» يزعم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقدم نفسه كرسول من الله في أوائل دعوته، تهيبا وتحفظا، وأنه اكتفى بقوله إنه نذير لهم مع صراحة ذكر نعته بالرسول في هذه الآيات التي وردت في سورة من أبكر السور نزولا. هذا بالإضافة إلى أن القرآن استعمل كلمات نذير وبشير ونبي ورسول في مقامات متجانسة وفي آيات مبكرة ومتأخرة ومكية ومدنية ووصف النبي في آية مبكرة مكية بوصف الرسول النبي الأمي كما جاء في آية سورة الأعراف [١٥٧] كما وصف بهما في آيات عديدة أخرى ضمنا وصراحة ومقارنة على ما سوف يأتي التنبيه إليه بعد مما يدل على أن الاستعمال كان متسقا مع ما تقتضيه حكمة الخطاب والأسلوب. ولقد جمعت هذه الصفات جميعها للنبي صلّى الله عليه وسلم

(١) انظر الفصل الثالث من الباب الأول من كتابنا «عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم وبيئته قبل البعثة» ص ٩٥ وما بعدها.

صفحة رقم 423

في آية واحدة هي آية سورة المائدة هذه: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(١٩) وهذا من غرائب مفارقات المستشرقين ومثل على إرسالهم الكلام جزافا.
تعليق على السماء وانفطارها يوم القيامة
والسماء تذكر هنا لأول مرة، ولقد ذكرت في القرآن مرارا كثيرة جدا. مفردة حينا وجمعا مطلقا بصيغة (السموات) حينا وبصيغة (سبع سموات) و (السموات السبع) حينا، وأحيط ذكرها بحفاوة عظيمة وأقسم بها مرات عديدة.
ومعنى السماء اللغوي هو العالي، وقد وصفت بالعلو في بعض الآيات كما جاء في آية سورة طه هذه: تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤) ووصفت بالفوقية التي هي في نفس المعنى كما جاء في آية سورة الشورى هذه: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ.
وليس في القرآن شيء صريح عن ماهية القرآن، ولم نطلع على حديث صحيح صريح في ذلك أيضا.
وقد يقال إن ذكر انفطار السماء قد يفيد قرآنيا أنها جسم صلب قابل للتشقق، غير أن الأسلوب الذي جاء به ذلك هو أسلوب إنذار وترهيب ووصف لهول يوم القيامة مثل ما جاء قبل قليل عن مصير الجبال. ومثل ما جاء في الجملة نفسها من صيرورة الولدان شيبا في ذلك اليوم استهدافا لإثارة الرهبة في نفوس المكذبين وحملهم على الارعواء واتقاء غضب الله تعالى. وهو ما تستهدفه الآيات المماثلة بصورة عامة على ما نبهنا إليه قبل، وما دامت حكمة الله ورسوله لم تشأ ذكر ماهية السماء بصراحة وقطعية فالأولى من ناحية التفسير القرآني الوقوف من ذلك عند الحد الذي وقف عنده القرآن والذي فيه تحقيق للهدف الذي استهدفه منه.

صفحة رقم 424
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية