
سورة الجن
مكيّة وهي ثمان مائة وسبعون حرفا، وخمس وثمانون كلمة، وثماني وعشرون آية
أخبرنا نافل بن راقم بن أحمد بن عبد الجبار البابي، قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن محمد البلخي، قال: حدّثنا عمرو بن محمد الكرباسي، قال: حدّثنا أسباط بن اليسع البخاري، قال: حدّثنا يحيى بن عبد الله السلمي، قال: حدّثنا نوح بن أبي مريم عن عليّ بن زيد عن أبيّ ابن كعب، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ سورة الجنّ أعطي بعدد كلّ جنّي وشيطان صدّق بمحمد وكذّب به عتق رقبة» [٣٨] «١».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الجن (٧٢) : الآيات ١ الى ١٥]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (٢) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (٣) وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (٤)وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (٥) وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (٦) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (٧) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (٩)
وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (١٠) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (١٣) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤)
وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥)
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ وكانوا تسعة من جن نصيبين استمعوا قراءة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد مرّ خبرهم «٢».
(٢) راجع مسند أحمد: ١/ ٤٥٨.

قال أبو حمزة الثمالي: بلغنا أنهم من بني الشيطان وهم أكثر الجن عددا وهم عامة جنود إبليس. فَقالُوا لما رجعوا إلى قومهم إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً وَأَنَّهُ بالفتح قرأه أهل الشام والكوفة إلّا حفصا.
وفتح أبو جعفر ما كان مردودا على الوحي، وكسر ما كان حكاية عن الجن، وجرها كلّها الباقون.
تَعالى جَدُّ رَبِّنا حدّثنا عبيد الله بن محمد بن محمد بن مهدي العدل، قال: حدّثنا الأصم، قال: حدّثنا أحمد بن حازم، قال: حدّثنا عبد الله بن سفيان عن السدي في قوله: جَدُّ رَبِّنا قال: أمر ربنا.
وبإسناده عن سفيان عن سلمان التيمي عن الحسن، قال: غنى ربنا ومنه قيل: للحظ جد ورجل مجدود. وقال ابن عباس: قدرة ربنا. مجاهد وعكرمة: جلاله. قتادة: عظمته. ابن أبي نجيح عن مجاهد: ذكره. ضحاك: فعله. القرظي: آلاؤه ونعمه على خلقه. الأخفش: علا ملك ربنا. ابن كيسان: علا ظفره على كل كافر بالحجة. والجدّ في اللغة: العظمة، ومنه قول أنس:
كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ في أعيننا أي عظم.
وقال ابن عباس: لو علمت أن في الإنس جدّا ما قالت تعالى جدّ ربّنا،
وقال أبو جعفر الباقر وابنه جعفر والربيع بن أنس: ليس لله جد وإنّما وليه الجدّ بالجهالة فلم تؤخذوا به.
مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً وقرأ عكرمة: تَعالى جِدُّ رَبِّنا بكسر الجيم على ضد الهزل، وقرأ ابن السميع: (جدي ربّنا) وهو الجدوى والمنفعة.
وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا جاهلنا، وقال مجاهد وقتادة: هو إبليس لعنه الله عَلَى اللَّهِ شَطَطاً عدوانا وقولا عظيما وَأَنَّا ظَنَنَّا حسبنا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي كنّا نظنّهم صادقين في قولهم: إنّ لله صاحبة وولدا حتّى سمعنا القرآن وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ وذلك قول الرجل من العرب إذا أمسى بالأرض القفر: أعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه، فيبيت في أمن وجوار حتّى يصبح.
قال مقاتل: أوّل من تعوّذ بالجن قوم من أهل اليمن، ثمّ بنو حنيفة ثمّ فشا ذلك في العرب.
أخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدّثنا أبو القيّم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي، قال: حدّثنا موسى بن سعيد بن النعمان بطرطوس، قال: حدّثنا فروة بن معراء الكندي، قال: حدّثنا القيّم بن مالك عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري، قال: خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أوّل ما ذكر

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكّة فآوانا المبيت إلى راعي غنم، فلما انتصف النهار جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي، فقال: يا عامر الوادي جارك، فنادى مناد لا نراه يقول: يا سرحان أرسله، فأتانا الحمل يشتدّ حتّى دخل الغنم، ولم يصبه كدمة، قال، وأنزل الله سبحانه على رسوله بمكة: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً
يعني: [إن الإنس زادوا الجن طغيانا باستعاذتهم] «١» فزادتهم رهقا.
قال ابن عباس: أثما. معمر عن قتادة: خطيئة. سعيد عنه: جرأة «٢». مجاهد: طغيانا.
ربيع: فرقا. ابن زيد: خوفا. إبراهيم: عظمة، وذلك أنّهم قالوا: [سدنا] الجن والإنس. مقاتل:
غيّا. الحسن: شرّا. ثعلب: خسارا. والرهق في كلام العرب: الإثم وغشيان المحارم، ورجل مرهق: إذا كان كذلك. وقال الأعشى:
لا شيء ينفعني من دون رؤيتها | هل يشتفي وامق ما لم يصب رهقا «٣» |
قال سعيد بن جبير: ألوانا شتى. الحسن: قددا مختلفين، الأخفش: ضروبا، أبو عبيدة:
أصنافا، المؤرّخ: أجناسا، النضر: مللا، ابن كيسان: شيعا وفرقا لكلّ فرقة هوى كأهواء الناس، وقال الفراء: تقول العرب: هؤلاء طريقة قومهم أي ساداتهم ورؤساؤهم، المسيّب: كنّا مسلمين ويهودا ونصارى.
أخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا محمد بن عمرو بن الخطاب، قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن نحتويه، قال: حدّثنا أبو الحسن محمد بن إبراهيم الصوري بأنطاكية، قال: حدّثنا محمد بن المتوكل بن أبي السراي، قال: حدّثنا المطلب بن زياد، قال: سمعت السدي يقول في قول الله سبحانه: كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً، قال: الجن مثلكم فيهم قدرية ومرجئة ورافضة وشيعة.
واحد القدد: قدة، وهي الفرقة وأصلها من القدّ وهو القطع. قال لبيد يرثي أخاه أربد:
لم تبلغ العين كل نهمتها | ليلة تمشي الجياد كالقدد |
(٢) في تفسير القرطبي: سعيد بن جبير: كفرا. [.....]
(٣) لسان العراب: ١٠/ ١٢٩.