آيات من القرآن الكريم

وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ ۖ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ

﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥) وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (١٧) ﴾
يَقُولُ مُخْبِرًا عَنِ الْجِنِّ: أَنَّهُمْ قَالُوا مُخْبِرِينَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ أَيْ: غَيْرُ ذَلِكَ، ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ أَيْ: طَرَائِقَ مُتَعَدِّدَةً مُخْتَلِفَةً وَآرَاءَ مُتَفَرِّقَةً.

صفحة رقم 241

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ أَيْ: مِنَّا الْمُؤْمِنُ وَمِنَّا الْكَافِرُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَادُ فِي أَمَالِيهِ، حَدَّثَنَا أَسْلَمُ بْنُ سَهْلٍ بَحْشَلُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ -هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ الْحَضْرَمِيُّ، شَيْخُ مُسْلِمٍ-حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ (١) قَالَ: سمعتُ الْأَعْمَشَ يَقُولُ: تَرَوَّحَ إِلَيْنَا جِنِّيٌّ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْكُمْ؟ فَقَالَ الْأُرْزَ. قَالَ: فَأَتَيْنَاهُمْ بِهِ، فَجَعَلْتُ أَرَى اللُّقَمَ تُرْفَعُ وَلَا أَرَى أَحَدًا. فَقُلْتُ: فِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ الَّتِي فِينَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا الرَّافِضَةُ فِيكُمْ (٢) ؟ قَالَ (٣) شَرُّنَا. عَرَضْتُ هَذَا الْإِسْنَادَ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ المِزِّي فَقَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى الْأَعْمَشِ.
وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ أَحْمَدَ الدِّمَشْقِيِّ قَالَ (٤) سمعتُ بَعْضَ الجَنّ وَأَنَا فِي مَنَزَلٍ لِي بِاللَّيْلِ يُنْشِدُ:
قُلوبٌ بَرَاها الْحُبُّ حَتى تعلَّقت... مَذَاهبُها فِي كُلّ غَرب وشَارقِ...

تَهيم بِحُبِّ اللَّهِ، واللهُ رَبُّها مُعَلَّقةٌ بِاللَّهِ دُونَ الخَلائقِ (٥)
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ أَيْ: نَعْلَمُ أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ حَاكِمَةٌ عَلَيْنَا وَأَنَّا لَا نُعْجِزُهُ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ أَمْعَنَّا فِي الْهَرَبِ، فَإِنَّهُ عَلَيْنَا قَادِرٌ (٦) لَا يُعْجِزُهُ أَحَدٌ مِنَّا.
﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ﴾ يَفْتَخِرُونَ بِذَلِكَ، وَهُوَ مَفْخَرٌ (٧) لَهُمْ، وَشَرَفٌ رَفِيعٌ وَصِفَةٌ حَسَنَةٌ.
وَقَوْلُهُمْ: ﴿فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمَا: فَلَا يَخَافُ أَنْ يُنقص مِنْ حَسَنَاتِهِ أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ غَيْرَ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا﴾ [طَهَ: ١١٢]
﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ أَيْ: مِنَّا الْمُسْلِمُ وَمِنَّا الْقَاسِطُ، وَهُوَ: الْجَائِرُ عَنِ الْحَقِّ النَّاكِبُ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُقْسِطِ فَإِنَّهُ الْعَادِلُ، ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ أَيْ: طَلَبُوا لِأَنْفُسِهِمُ النَّجَاةَ،
﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ أَيْ: وَقُودًا تُسَعَّرُ بِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى هَذَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامَ الْقَاسِطُونَ عَلَى طَرِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَعَدَلُوا إِلَيْهَا وَاسْتَمَرُّوا عَلَيْهَا، ﴿لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ أَيْ: كَثِيرًا. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ سَعَة الرِّزْقِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٦٦] وكقوله:
(١) في أ: "أبو عوانة".
(٢) في أ: "منكم".
(٣) في م: "قالوا".
(٤) في م: "أنه قال".
(٥) تاريخ دمشق (٨/٨٨٧ "المخطوط").
(٦) في م: "فإنه قادر علينا.
(٧) في أ: "وهو مفتخر".

صفحة رقم 242

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٩٦] وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ أَيْ: لِنَخْتَبِرَهُمْ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ﴾ لِنَبْتَلِيَهُمْ، مَنْ يَسْتَمِرُّ عَلَى الْهِدَايَةِ مِمَّنْ يَرْتَدُّ إِلَى الْغَوَايَةِ؟.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ: قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ يَعْنِي بِالِاسْتِقَامَةِ: الطَّاعَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ قَالَ: الْإِسْلَامُ. وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالسُّدِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ يَقُولُ: لَوْ آمَنُوا كُلُّهُمْ لَأَوْسَعْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ أَيْ: طَرِيقَةِ الْحَقِّ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِالْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ أَيْ لِنَبْتَلِيَهُمْ بِهِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فَنَزَلَتْ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ حِينَ مُنعوا الْمَطَرَ سَبْعَ سِنِينَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ الضَّلَالَةِ ﴿لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ أَيْ: لَأَوْسَعْنَا عَلَيْهِمُ الرِّزْقَ اسْتِدْرَاجًا، كَمَا قَالَ: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٤٤] وَكَقَوْلِهِ: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ٥٥، ٥٦] وَهَذَا قَوْلُ أَبِي مِجلز لَاحِقِ بْنِ حُمَيد؛ فَإِنَّهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ أَيْ: طَرِيقَةِ الضَّلَالَةِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَزَيْدِ بْنِ أسلم، والكلبي، وابن كيسان. وله اتجاه، وتيأيد بِقَوْلِهِ: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ أَيْ: عَذَابًا شَاقًّا شَدِيدًا مُوجِعًا مُؤْلِمًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ: ﴿عَذَابًا صَعَدًا﴾ أَيْ: مَشَقَّةً لَا رَاحَةَ مَعَهَا.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: جَبَلٌ فِي جَهَنَّمَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: بِئْرٌ فِيهَا.

صفحة رقم 243
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية